الأحد، 29 مايو 2011

بارفاز تروي تفاصيل سجنها بسوريا

بارفاز تروي تفاصيل سجنها بسوريا
بارفاز تروي تفاصيل

روت الصحفية دوروثي بارفاز تفاصيل قصتها مع السلطات السورية منذ لحظة وصولها إلى مطار دمشق واحتجازها هناك لمدة ثلاثة أيام.

قالت بارفاز إنها احتجزت في زنزانة قذرة وجدرانهاملطخة بالدماء، مضيفة أنها كانت تسمع باستمرار أصوات المعتقلين الذين يتعرضون للضرب.بارفاز عبّرت عن اعتقادها بأن المعتقل الذي احتجزت فيه كان يحتوي على الكثير من السوريين الذين "اختفوا" من الحياة فجأة.

وفيما يلي الكلمات التي وصفت بها بارفاز محنتها:

كنت حائرة بشأن سبب صراخ سبعة من السوريين بوجهي. واحد منهم فقط هو الذي يعرف الإنجليزية، وقد شاءت الأقدار أن أعرفه باسم "السيد أخرسي". كنت أراقبهم وهم يفتشون في حقائبي وأراقب القيود المعدنية التي كانت بالنسبة لي إشارة على أنني معتقلة.

قلت متسائلة "لماذا تفعلون هذا بي؟".

فصرخ السيد أخرسي: "اخرسي اخرسي".

بعد ذلك حشرت في سيارة بين رجلين مسلحين بملابس مدنية، وحاولوا إقناعي بأنهم يأخذونني إلى الفندق، ولكن هيهات أن أصدق بأن رجلي أمن مسلحين وبملابس مدنية سيأخذانني ببساطة إلى محل إقامتي.

وبعد مقاومة مني قبلت أن تعصب عيناني ولسان حالي يقول إنهم لو كانوا يريدون قتلي لما توانوا عن ذلك، وبعد 20 دقيقة أزيحت العصّابة عن عينيّ وكنا قد وصلنا إلى ما يشبه ثكنة عسكرية ولكنها مليئة برجال بزي مدني. كل شيء هناك يدل على أن هذا المكان لا يمكن أن يكون إلا مكانا تكسر فيه الجماجم.

كان غوانتانامو مصغرا قد يكون مكانا احتجز فيه المئات من المتظاهرين وحتى قد يكونون من المارة الذين تصادف وجودهم في مكان مظاهرة ما، مما أدى إلى اعتقالهم من قبل حكومة تشعر بالرعب في خضم موجة المظاهرات ضدها والقائمة منذ أسابيع.

كل ذلك كان لأنهم اكتشفوا في حقيبتي هاتفا خلويا (ثريا) وجهاز اتصال عبر الإنترنت. ولكن ما زاد الطين بلة هو رؤيتهم لجواز سفري الأميركي وعليه إقامة عمل من دولة قطر تبيّن أنني أعمل في شبكة الجزيرة الفضائية. بدا رجال الأمن حائرين في أمري، وهل أنا عميلة أميركية لإسرائيل أم صحفية في الجزيرة.

تم اقتيادي بعد ذلك إلى أول الزنازين الثلاث التي احتجزت فيها حيث وجدت امرأة تورمت عيناها من البكاء، قالت إن عمرها 25 عاما وتعيش في دمشق، ولم تكن تعلم سبب وجوها في المعتقل، ولم تكن تعلم لماذا اعتقلتها المخابرات السورية قبل أربعة أيام من ذلك اليوم.

كان مظهرها الأنيق يدل على أنها ليست بشخص كان يتهيأ للخروج في مظاهرة. ادعت أنها كانت تتحدث بهاتفها النقال عندما تم حملها ورميها في سيارة ابتعدت مسرعة. لم تكن تعلم أين هي ولم يسمح لها بالاتصال بعائلتها.

حدق كلانا بتقويم يظهر أن أحد المقيمين السابقين في الزنزانة قد حفره على الحائط، وبدون أن ننبس ببنت شفة نظرت كلّ منّا إلى الأخرى نظرة تساؤل عن طول مدة بقائنا في هذا المعتقل.

جاء بعد ذلك رجل واقتادني معصوبة العينين إلى مكان أعتقد بأنه كان باحة واسعة ودفعني نحو حائط وقال لي انتظري. وبينما كنت أنتظر سمعت تحقيقات في مكان قريب مني حيث سمعت ضربا مبرحا وأصوات تصرخ "والله والله" أو "لا لا".

انتظرت في مكاني ذاك لمدة بدت وكأنها دهر، قبل أن يقترب مني أحدهم ويهمس في أذني "أين تعملين؟" "في موقع الجزيرة على الإنترنت؟" "هل أنت بمفردك؟".

بعدها تم اقتيادي إلى زنزانتي الثانية وكانت جدرانها ملطخة بالدماء، فوجدت لنفسي بقعة صغيرة نظيفة وقبعت هناك حتى منتصف الليل. وقبل أن تعصب عيناي رأيت شابا قد لا يبلغ العشرين من العمر بحالة يرثى لها وبالكاد يستطيع مسك القلم الذي يبدو أنه كان يريد استخدامه لتوقيع اعتراف منه.

كل ذلك وأصوات الصراخ والضرب مستمرة من حولي.

أُخذت بعد ذلك إلى غرفة تحقيق بها شخص قد يكون اسمه فراس، وكان يبدو عليه القلق من وجود نساء في المعتقل، وحاول أن يجعلني أشعر ببعض الراحة، حتى إنه اعتذر لي من إجراء التحقيق في غرفة بها سرير وصناديق بطاطا.

قال لي: "هذا لأننا مشغولون جدا هذه الأيام".

أردت أن أسأله لماذا المخابرات مشغولة إلى هذا الحد إذا كان من يقوم بالمظاهرات مجرد قلة قليلة، ولكنني شعرت بأن الوقت لم يكن ملائما لطرح مثل هذا التساؤل.

كان فراس يتحدث الإنجليزية بطلاقة، وبدا عليه أنه مقتنع بكوني جاسوسة. بعد ذلك انتقل تركيزه إلى الجزيرة، حيث شبه تأثيرها بمنظمة هيومان رايتس ووتش الأميركية، وقال إن الشبكة (الجزيرة) قد سببت لسوريا مشاكل كثيرة مع مجلس الأمن.

وبعد أربع ساعات من التحقيق أرسلني إلى غرفة كانت عبارة عن مكتب غير مستخدم وفيها مراهقة مرعوبة تكومت على أريكة في الغرفة. وفي الصباح التالي تجاذبت مع شريكتي في الغرفة أطراف الحديث بدون أن نخوض في تفاصيل كثيرة لأن ذلك لم يكن مسموحا به. فهمت منها أنها هي الأخرى قد أخذت من الشارع في إحدى ضواحي دمشق بدون أن تعرف السبب لذلك.

كانت تبدو بحالة سيئة جدا، وبدت عليها علامات المرض. كانت تتضور جوعا حيث إن وجبات الطعام الثلاث كانت تصرف لنا في أوقات عشوائية غير منتظمة، ورغم رداءة الطعام لم تكن رفيقتي تستطيع التوقف عن الأكل.

كنا نسمع صراخ الرجال وهم يضربون بشراسة، وكنّا نسترق النظر من نافذة حمام الغرفة ونرى كيف تكسر عظام الرجال. كانت رفيقتي تنوح وترتجف عندما تسمع صراخ الرجال، ولكنها في نفس الوقت كانت تذكرني دائما بأنهم في سوريا لا يضربون النساء، أو ربما كانت تذكّر نفسها.

وعندما أتى أحد رجال المخابرات إلى غرفتنا توسلت إليه رفيقتي بأن يسمح لها باستخدام هاتفها النقال لتتحدث إلى عائلتها، ولكن طلبها رفض بالطبع. ثم سألته كذلك عن الرجال الذين يصرخون، فقال لها إنهم قتلة قاموا بقتل الناس في درعا.

بعد ذلك أتى السيد "أخرسي" وأخذ رفيقتي إلى الاستجواب. شعرت ببعض القلق ولكنها عادت بعد ساعة ولم يكن هناك إشارة إلى خروجها من محنتها، فاستمرت بالنحيب والتساؤل متى سترى عائلتها وما إذا كانت ستراها أصلا.

لم أملك إلا أن أتساءل: ما هو نوع التهديد الذي قد تشكله بنت كهذه على الدولة السورية؟ لماذا هم خائفون هكذا؟

بعد ثلاثة أيام قال لي فراس إنني حرة لأعود إلى قطر، وشعرت بالامتنان الشديد. ثم أخذني إلى مكتب رئيسه -الذي لم أعرف اسمه كما هو الحال مع أي شخص يعمل في المعتقل، فالهوية سرية- حيث ألقى عليّ محاضرة حول تغطية الجزيرة للأحداث في سوريا وتم التركيز بشكل أساسي على كون الاضطرابات الحاصلة تقوم بها قلة قليلة تكدر صفو عيش الكثرة الغالبة السعيدة.

وبينما كنت أغادر المعتقل، استطعت أخيرا أن أرى حقيقته بوضوح. كان عبارة عن مجموعة من المكاتب والزنزانات المهترئة وصور بشار الأسد في كل مكان، وهي معدة بشكل يشبه الإعلانات الترويجية من شاكلة "اشتري مشروبا واحصل على واحد مجانا".

ولكن عندما وصلنا إلى المطار تم اقتيادي إلى رحلة متوجهة إلى طهران لأنني كنت قد دخلت إلى سوريا بجواز سفر إيراني، وقال السوريون للإيرانيين إنني جاسوسة.

في إيران كانت الأمور مختلفة فبعد أسبوعين من التحقيقات قرر المسؤولون بأنني صحفية ولست جاسوسة. تم التحقيق بشكل محترم وعوملت بشكل لائق.

في سجن إيفين الإيراني كانت جميع طلباتي مجابة من ضمنها الحبوب المنومة، لأنني لم أستطع أن أنسى صراخ المعتقلين السوريين وهم يصيحون "والله والله" ولم أستطع أن أتوقف عن سؤال نفسي هل ستلتئم جروحهم يوما ما؟.


ليست هناك تعليقات: