باحث ألماني: رسالة بروكسيل لدمشق تقول لا مكان في أوروبا لمن يقتل شعبه
أعلن أندرياس بيشكه المتحدث باسم الخارجية الألمانية اليوم (الأربعاء 11 مايو/ أيار 2011) أن صفوة القيادة السورية، بما في ذلك الرئيس الأسد سـ "تتأثر بشكل مباشر" من حزمة عقوبات أوروبية جديدة ضد نظام دمشق في حال استمر الأخير في قمع المتظاهرين، خصوصا مع اشتداد عمليات القمع اليوم إذ قتل ما لا يقل عن 19 مدنيا في منطقتي درعا وحمص اللتين تشهدان تحركات احتجاجية ضد النظام السوري، فيما قصفت حمص على ما يبدو بالدبابات. ويذكر أن الاتحاد الأوروبي أصدر يوم أمس قرارا بحظر سفر وتجميد أصول 13مسؤولا سوريا لدورهم في قمع المحتجين وعلى رأسهم ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري، وقائد الحرس الجمهوري بصفته "المشرف الرئيسي على أعمال العنف التي تستهدف المتظاهرين".
إلا أن طبيعة هذه العقوبات انتقدت، كما انتقد الموقف الأوروبي الذي وصف بغير الحازم ما دفع كاثرين أشتون الممثلة العليا للشئون الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي اليوم إلى توضيح الأمر أمام البرلمان الأوروبي، واعتبرت أن الاتحاد وجه رسالة تحذير للنظام السوري بهدف إنهاء العنف ضد مناهضيه. وأوضحت أن العقوبات يمكن مراجعتها الأحد المقبل على أقرب تقدير، وذلك في تناغم مع ما أعلنته الخارجية الألمانية. وفي حديث مع دويتشه فيله أوضح الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط والباحث في المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمنية في برلين هايكو فيمن أن "التطورات في سوريا وقصف حمص بالدبابات والمدافع لا تبشر بالخير، وهو ما يدعو إلى إجراءات أوروبية إضافية".
تساؤلات حول فعالية العقوبات
ويشكك العديد من المراقبين في فعالية العقوبات الأوروبية ضد المقربين من الرئيس الأسد ويعتبرونها إجراءات رمزية ذات تأثير محدود، خصوصا وأن هناك من يعتقد بإمكانية أن يكون رموز النظام قد تمكنوا، في خطوة استباقية، من نقل أموالهم إلى الخليج أو مناطق مماثلة. ويوافق هايكو فيمن على هذا الرأي لكنه ينظر إليه من زاوية مخالفة إذ يقول "صحيح أن هذه العقوبات رمزية في مجملها، ومن الصواب التساؤل عما يخاف منه النظام السوري؟ على الصعيد الاقتصادي قد يخاف من حصار دول الخليج. فالعقوبات رمزية أكثر مما هي فعلية". إلا أن فيمن أكد على أهمية الرموز في هذا الموضوع موضحا أن "العقوبات الرمزية هي دعم أخلاقي للذين يعانون من القمع في نهاية المطاف.
Bildunterschrift: العقوبات الأوروبية استهدفت كبار المقربين من الرئيس الأسد وعلى رأسهم شقيقه ماهر الأسد
ويبدو الأوروبيون ممزقين بين الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية، التي ينادون بها، وبين الواقعية السياسية والتي ظهرت في رغبتهم في ترك باب الخروج مفتوحا أمام الرئيس بشار الأسد أملا في تبنيه لخط إصلاحي يستجيب لمطالب المحتجين. ويشير هايكو فيمن إلى الخلافات بين الدول الأعضاء التي حالت دون صدور موقف أوروبي أكثر حزما ويقول "هناك خلافات حول العقوبات خصوصا الدول الأوروبية المتوسطية التي تميز موقفها بالحذر وتركت الباب مفتوحا للأسد عله يغير سلوكه". وإذا ما أضيفت إلى ذلك آليات اتخاذ القرارات الكبرى داخل الاتحاد الأوربي، التي تعتمد مبدأ الإجماع، فإن ذلك يفسر الحذر الكبير الذي يميز الموقف الأوروبي لحد الآن تجاه الأوضاع في سوريا. إلا أن فيمن يرى أن الرسالة الأوروبية واضحة مع ذلك وهي تقول "من يقتل شعبه ومن يضرب المدن بالدبابات ليس له مكان في أوروبا".
سوريا وليبيا هل هناك كيل بمكيالين؟
ورغم كل الاعتبارات المذكورة فإن الموقف الأوروبي يتسم في رأي بعض المراقبين بالغموض خصوصا إذا ما قورن بالحزم الذي تم إبداؤه تجاه نظام القذافي. فهل يعود ذلك إلى التخوف من عدم وجود بديل عن النظام السوري في حال الإطاحة به، وبالتالي الدخول في سيناريوهات من التوترات الداخلية والإقليمية غير محسوبة العواقب؟ يرى هايكو فيمن أن "القذافي حالة خاصة، فبعد أيام بدأت حرب أهلية (...) فالأحداث في ليبيا أخذت سرعة ودينامكية خاصة لدرجة أنه لم يكن هناك أصلا وقت للتفكير في الموضوع". ورأى فيمن أنه من الأجدر في هذه الحالة مقارنة الموقف من الأسد بالموقف من مبارك، فقد "أعطى الأمريكيون الرئيس المصري فرصا كثيرة، وطالبه أوباما بإجراءات انتقالية أكثر من مرة، ومبارك لم يكن يريد أن يسمع، وأعتقد أننا في نفس الوضع مع سوريا الآن".
ويتضح من هذا الكلام أن الدول الأوروبية ما زالت تسعى لمنح بشار الأسد فرصة للخروج من المأزق، لكن هذه الفرصة مرتبطة بتحذير مبطن، تقترب فيه العقوبات تدريجيا من رأس النظام. وهذا ما أكدته كاثرين أشتون إاليوم أمام البرلمان الأوروبي حين قالت إن نقاشا طويلا جرى بين دول الاتحاد الأوروبي بشأن العقوبات ضد النظام السوري وانتهى القرار إلى "ترك نافذة غير مغلقة أمام مسؤوليها حتى يغيروا مسار الأحداث ويحدثوا فارقا".
إلا أن مسؤولين أوروبيين آخرين أسمعوا أصواتا مغايرة من بينهم جاي فيرهوفشتات زعيم التكتل الليبرالي في البرلمان الأوروبي، وهو ثالث أكبر تكتل، حين قال إن العقوبات كانت استجابة "غير متوازنة" مع ما وصفه بـ "تيان آن مين العربي" في إشارة إلى المذبحة التي وقعت عام 1989 في ميدان تيان آن مين في العاصمة الصينية. وأضاف أن "الناس في سوريا يقتلون بالدبابات وبرصاص القناصة"، مؤكدا أن "ما يحدث في سورية يبرهن أن بشار الأسد هو الديكتاتور الأكثر وحشية في العالم .. عليكم تشديد العقوبات وإلا فلن يتوقف".
Bildunterschrift: النظام السوري اختار آلة القمع لمواجهة مطالب الإصلاح
ماذا لو نجح الأسد في قمع الانتفاضة؟
لم يستبعد الخبير الألماني هايكو فيمن إمكانية نجاح النظام السوري في قمع الانتفاضة، مشيرا إلى تصريحات أدلى بها يوم أمس رامي مخلوف لصحيفة نيويورك تايمز. ومخلوف ابن خال الرئيس الأسد ومن كبار رجال الأعمار في سوريا، قال فيها إن عائلة الأسد لن تستسلم مضيفا "سنبقى هنا وسنقاتل حتى النهاية، يجب أن يعلموا أننا حين نعاني فإننا لن نعاني بمفردنا". وما يزيد الوضع تعقيدا في سوريا الولاءات التقليدية والعشائرية ما يجعل عقوبات رمزية على قيادة النظام قليلة التأثير. بل هناك من يعتقد أن هذا النوع من العقوبات قد يجعل النظام ينطوي على نفسه وعلى ولاءاته الداخلية.
ويوضح هايكو فيمن بهذا الصدد قائلا "هناك أمثلة لأنظمة نجحت في سياسة القمع، على سبيل المثال بورما التي نجح فيها الجنرالات في قمع ثورة الرهبان". والأمر قد ينسحب على سوريا في نهاية المطاف يقول فيمن، فرغم أن "النظام تتآكل شرعيته ويضعف، تبقى سوريا دولة محورية، والكل سيضطر للتعامل معها في نهاية المطاف، وهذا بالضبط ما يراهن عليه النظام السوري".
ويتفق هذا الرأي مع ما أخذ حقوقيون ومعارضون سوريون كعبد الكريم الريحاوي رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان في دمشق يعبرون عنه. الريحاوي قال اليوم إن القوى على الأرض لا يمكنها الإطاحة بالنظام، مؤكدا أن المعارضة المشتتة لم تستفد بشكل حاسم من حراك الشارع السوري.
حسن زنيند
مراجعة: أحمد حسو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق