قضايا حساسة وشائكة هي محك اختبار نجاحه
ردّ الفعل الاسرائيلي دلالة على أهميته
توجه الى القاهرة يوم الاحد الماضي وفدا حركتي "حماس" و"فتح" لبدء جولة من الحوار يوم الاثنين الماضي (16/5/2011) حول الحكومة الفلسطينية المؤقتة تنفيذاً لاتفاق المصالحة. حماس تفضل على أن يكون رئيس الوزراء من قطاع غزة في حين أن فتح تصر على أن يكون من الضفة.. هذه الجولة من الحوار قد لا تصل الى شيء، ولكنها تضع "الاتفاق" في اختبار، فاذا تم التوافق على الحكومة، فهذا مؤشر جيد ومبشر، اما اذا تعرقلت الحكومة واحتاجت ولادتها الى حوار جاد ومرهق، فان هذا سيكون مؤشراً خطيراً.. لكن التساؤل الذي يجب طرحه هل يسقط هذا الاتفاق؟
كلهم معنيون بنجاحه
حسب ما يدلي به مسؤولو الحركتين من تصريحات، فان جميع الفصائل والقوى الفلسطينية معنية بنجاح هذا الاتفاق، لانه من مصلحة الجميع، ولانه إنْ فشل، فذلك يعني ان الانقسام سيصبح مزمناً، وان الانفصال بين قطاع غزة والضفة قد يكون ثابتاً وأبدياً أيضاً.
والاختبار الاول هو بند الحكومة، فهناك نية جادة بنجاح ذلك، وهناك اكثر من مرشح لتولي منصب رئيس الوزراء ذكر منهم: رجل الأعمال منيب المصري من الضفة، لكنه أعلن انه غير معني بذلك، الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء الحالي في رام الله، والدكتور زياد أبو عمرو والدكتور جمال الخضري من القطاع.
حركتا فتح وحماس معنيتان ان تؤدي الحكومة رسالتها ومهامها من دون عرقلة، لذلك فان ترشيح سلام فياض هو الاقوى لانه "محبوب" دولياً، ولذلك فان فرض حصار على حكومته قد يكون أمراً غير وارد، وسلام فياض هو تكنوقراط، ولم يشارك في التفاوض أو في السياسة، بل هو معني بادارة شؤون المواطن اليومية، وبناء المؤسسات واستمرار عملها على أكمل وجه، وهو الذي يعد المؤسسات لاقامة الدولة منذ عدة سنوات.
إذا قبلت به "حماس"، فان أزمة تشكيل الحكومة قد تنجلي، ولكن حماس لن تقبل به رئيساً للوزراء، كذلك عناصر من داخل فتح ضد ترشيحه. واذا أصر كل جانب على مرشحه فان هناك مشكلة قد تطيح بالاتفاق.
هناك حل وسط ذكر في الايام الاخيرة وهو أن يكون الرئيس عباس رئيساً للوزراء، ويكون اسماعيل هنية نائباً لرئيس الوزراء في قطاع غزة وكذلك سلام فياض نائباً لرئيس الوزراء في الضفة وكل منهما مسؤول عن الوزراء المقيمين في منطقته.
لكن هناك من يقول أن اسماعيل هنية لا يقبل ان يكون نائباً لرئيس الوزراء، لذلك سيرشح شخص آخر لذلك. وهناك توقع بأن يكون اسماعيل هنية رئيساً للمجلس التشريعي إذ أن عبد العزيز دويك، رئيس المجلس التشريعي الحالي معرض للاعتقال، واتفاق القاهرة يصر على تفعيل عمل المجلس التشريعي.
ألغام كثيرة
أمام الاتفاق الغام عديدة وكثيرة ومنها الملف الامني، ومحكمة الانتخابات ولجنة الانتخابات المركزية، وكذلك تفعيل منظمة التحرير والعمل على اعادة بنائها.
هل سيتم ازالة هذه الالغام من امام طريق تنفيذ وتطبيق الاتفاق؟ المنطق يقول أن على الجانبين العمل على تنفيذ الاتفاق بحذافيره ومن دون تلكؤ أو مماطلة.
والالغام قد تأتي من الخارج، من اسرائيل واميركا والمجتمع الدولي، أما عالمنا العربي، فهو منهمك بأحواله الداخلية، وهو معني بنجاح الاتفاق إذ انه رحّب به وهلل له، لانه يوفر للشعب الفلسطيني قوة في هذه المرحلة، ولكن الالغام آتية من اسرائيل واميركا، ويمكن القول انها تتمثل بالآتي:
الالغام الاسرائيلية الخطيرة
اللغم الأول يتمثل بالقيام بشن هجوم عسكري على قطاع غزة لاثارة موضوع حركة حماس على أنها حركة "ارهابية"، وتريد تدمير اسرائيل من خلال السماح باطلاق صواريخ من القطاع على اسرائيل، أو من خلال عدم اعترافها بوجود دولة اسرائيل. واذا وقع الهجوم فانه سيخربط الاوراق الفلسطينية الى حد ما.
اللغم الثاني الخطير هو فرض حصار اقتصادي على السلطة الوطنية الفلسطينية بحجة أن حماس جزء من هذه الحكومة، وهي ترفض الاعتراف بدولة اسرائيل، واولى علامات وبشائر هذا الحصار تجميد وتحويل مستحقات السلطة الفلسطينية الشهرية من الضراب التي تجبى من الفلسطينيين، وبالتالي ادخال السلطة الوطنية الموحدة في أزمة مالية خانقة قد يتم تجاوزها اذا العالم العربي قرر تحمل مسؤولياته.
واللغم الثالث الخطير هو تحريض المجتمع الدولي على عدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية ما دامت حماس مشاركة في الحكومة، وسينضم الى هذه الجهود وهذا التحريض الادارة الاميركية اذ ان التحالف الاسرائيلي الاميركي قوي جدا، وادارة اوباما تصغي حالياً الى ما يقوله لها رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو.
اللغم الرابع يتمثل في شن اسرائيل حملة اعتقالات تشمل العديد من اعضاء المجلس التشريعي تحت ذرائع وحجج كثيرة ومفبركة، وبالتالي يتم شل عمل المجلس التشريعي، ولكن ان توفرت النوايا الجيدة، فانه يمكن تجاوز ذلك فلسطينياً بان يعقد المجلس جلساته، وان تكون جلسات جادة ومتفقاً على ما سيتم البحث فيها.
واللغم الخامس يتمثل في فرض طوق أمني على الضفة الغربية. وكذلك وضع حواجز لقطع الاوصال بين مناطق الضفة، وتقييد حركة المسؤولين الفلسطينيين، وضرب مؤسسات السلطة حتى لا تكون جاهزة لاعلان الدولة. وهذا اللغم متوفر ولكن هل ستضعه السلطات الاسرائيلية لعرقلة الاتفاق.
أما اللغم السادس الجاهز فهو موضوع التنسيق الامني الفلسطيني الاسرائيلي: هل يستمر وهل تقبل حماس باستمراره، إذ ان تجميده ستكون له تداعيات خطيرة على الجانبين الاميركي والاسرائيلي.
اما اللغم السابع فيتمثل في موقف الاتحاد الاوروبي، فاذا قرر مقاطعة السلطة، وتجميد تقديم المنح للسلطة الفلسطينية، فان ذلك يعني ان الطريق الى اقامة الدولة صعب وشاق.
صون الاتفاق مهم
ردود الفعل الاسرائيلية الغاضبة تؤكد من جديد ان هذا الاتفاق مهم وحيوي للفلسطينيين، ولو كان مسيئاً أو ليس لصالح الفلسطينيين، لمدحته اسرائيل وهللت له، إما لانه يقوي الموقف الفلسطيني، فان اسرائيل معنية بافشاله، وهذا يعني بكل وضوح ان الاتفاق مهم ويجب انجاحه عبر تطبيق بنوده.
لا ضرورة للتعنت في الحوار الفلسطيني الداخلي، ولكن الضرورة الكبرى والمأمولة تقتضي افشال كل الجهود الاسرائيلية لشل الاتفاق أو اسقاطه.. وهذا لا يتم الا عبر التمسك بهذا الاتفاق، والمضي قدماً في تحقيق الوحدة الوطنية، اذ ان وحدة شعبنا هي القادرة على مواجهة هذه الالغام والسير عليها من دون أي خوف أو تردد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق