الخميس، 12 مايو 2011

"مصلحة إيران في وقف ربيع سوريا والشعوب العربية"

"مصلحة إيران في وقف ربيع سوريا والشعوب العربية"

قيل الكثير في الأيام القليلة الماضية عن الدعم الذي تقدمه إيران للنظام السوري لقمع الاحتجاجات الشعبية التي عمت معظم المدن السوية. كما يذهب البعض إلى أبعد من ذلك إلى "وجود مصلحة إيرانية في وقف ربيع سوريا والشعوب العربية".


ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن إيران تساعد النظام السوري على قمع المحتجين المطالبين بالديمقراطية. وتتزامن هذه المعلومات مع تصريحات أدلت بها بثينة شعبان، مستشارة الرئيس السوري، لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية قالت فيها "اعتقد أننا اجتزنا الآن اخطر لحظة، أتعشم ذلك واعتقد ذلك"، ما يوحي أن النظام السوري في طور إخماد الثورة. وبغض النظر عن احتمال نجاحه أو فشله في هذه العملية فإن الدور الإيراني في دعم نظام الأسد عاد إلى دائرة الضوء بحكم الشراكة الإستراتجية بين البلدين وتداعيات أي تغيير يطرأ عليها على المستويين الإقليمي والدولي.
وفي حوار مع دويتشه فيله أكد خطار أبو دياب، الخبير في الشؤون الإستراتيجية والأستاذ في جامعة باريس أهمية الدعم الذي تقدمه طهران لدمشق مذكرا بأن كل نظام يواجه احتجاجات في حاجة إلى احتياط معين من معدات الغاز المسيل للدموع ومعدات قمع أخرى. وقال "في فرنسا مثلا تم حجز كميات كبيرة من الغاز ذاهبة إلى تونس في يوم سقوط الرئيس السابق زين العابدين بن علي". واعتبر أبو دياب أن طهران مصممة على دعم حليفتها الإستراتجية خصوصا وأن لها خبرة يمكن تصديرها لدمشق، اكتسبتها في قمع حركة الاحتجاج التي تلت الانتخابات الرئاسية في إيران 2009.
"الربيع العربي يهدد المحور الإيراني"
ويرى العديد من المراقبين أن امتداد "ربيع الثورة العربية" إلى سوريا يربك إلى حد بعيد حسابات إيران. فبعكس الانتقادات التي وجهتها طهران إلى الأنظمة العربية التي تشهد ثورات، وصف الرئيس أحمدي نجاد ما يقع في سوريا بأنه "شأن داخلي"، فيما ذهب سفيره في بيروت إلى أبعد إذ رأى في ذلك "مؤامرة وتصفية حسابات". وأضاف "ما نراه في سوريا حاليا لا يشبه الانتفاضة الشعبية بشيء، إنه بالأحرى انتقام سياسي (دولي) من دمشق بسبب وقوفها إلى جانب المقاومة ودعمها القضايا المحقة".
تصاعدت آلة قمع أجهزة الأمن السورية في مواجهة المتظاهرين المطالبين بالتغييرBildunterschrift: تصاعدت آلة قمع أجهزة الأمن السورية في مواجهة المتظاهرين المطالبين بالتغيير
ويفسر خطار أبو دياب موقف طهران هذا بأهمية موقع سوريا في إستراتجية إيران في المنطقة. وأوضح بهذا الصدد قائلا "في حال تغير الوضع في دمشق يمكن أن ينعكس ذلك على إيران بالذات. وبالتالي هناك علاقة ترابط وعلاقة مصير ومن هنا أهمية الدعم الإيراني المستمر والمتماسك لسوريا".
ويشير المراقبون على أن انهيار نظام بشار الأسد قد يليه مفعول دومينو يهدد تماسك المحور الإقليمي الذي نجحت طهران في تشكيله بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق. وحسب أبو دياب فإن هذا المحور يمتد من طهران إلى بغداد ودمشق وحزب الله ويصل حتى غزة. ويضيف الباحث اللبناني "لاحظنا الآن كيف بدأت حركة التفكك بعد توقيع حركتي حماس وفتح اتفاقية المصالحة. وغدا إذا حصل تغيير شامل أو جزئي في سوريا فقد يتأثر الجسر الذي يربط إيران بحلفائها الإقليميين وخاصة حزب الله في لبنان".
غموض في مواقف الغرب
سعى احمدي نجاد إلى تحييد القادة السوريين باسم "الكفاح المشترك لطهران ودمشق ضد إسرائيل". ويرى نجاد أن الاحتجاجات في سوريا تخدم "هدف الولايات المتحدة وحلفائها وإسرائيل الرامي إلى كسر جبهة المقاومة" في وجه إسرائيل. لذلك فإن إيران ترى أن أي تغيير في سوريا لا يمكن أن يتم إلا على حسابها. إلا أن خطار أبو دياب أشار إلى أن إيران ليست القوة الوحيدة في المنطقة التي تعمل على إخماد نار الثورة الشعبية في سوريا. وقال بهذا الصدد "مصلحة إيران كمصلحة العديد من القوى التي تسعى إلى وقف ما يسمى بربيع الشعوب العربية، أي وقف هذا المد عند حدود معينة".
ويظهر ذلك أيضا في موقف الغرب المتذبذب من الأزمة السورية وحيرته بين قطع الصلة نهائيا مع نظام الأسد وبين ترك فرصة له على أمل أن يطبق الإصلاحات التي وعد بها. فقد فرضت إدارة باراك أوباما عقوبات على دمشق، إلا أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أكدت يوم الجمعة الماضي أنه لا يزال بإمكان الحكومة السورية القيام بإصلاحات وذلك رغم حملة القمع الدموي المتصاعد ضد المحتجين. وبهذا الصدد اعتبر أبو دياب أن هذا الموقف ليس جديدا "فحتى الولايات المتحدة أيام الرئيس السابق جورج بوش (الابن) لم تتكلم بصراحة عن تغيير للنظام السوري واكتفت بالمطالبة بتغيير سلوك النظام".
إيران اكتسبت خبرة في قمع الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل عام 2009Bildunterschrift: إيران اكتسبت خبرة في قمع الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل عام 2009
والواقع أن أوروبا تسير بدورها على نفس الخط والعقوبات التي فرضتها على القيادة السورية تفادت فيها بعناية إدراج اسم الرئيس السوري بشار الأسد ضمن لائحة الأشخاص المعنيين بهذه العقوبات. واستطرد أبو دياب بهذا الصدد أنه رغم كون "النظام أخذ يفقد شرعيته، إلا أنه لا يزال عند الرئيس الأسد بالذات هامش معين للمناورة من أجل بدأ حوار وطني ومرحلة انتقالية". لكن أطيافا من المعارضة السورية تعتبر أن هذا الهامش لم يعد موجودا بعد أنهار الدماء التي سالت وباتت تطالب برحيل النظام.
أي مستقبل لحزب الله بدون "آل الأسد"؟
من بغداد إلى بيروت ومن إسرائيل إلى إيران ودول الخليج بدأ جيران سوريا يتساءلون عن آفاق شرق أوسط يخلو من "آل الأسد" في دمشق، والمفارقة أن التوجس من هذا السيناريو يتقاسمه أعداء نظام الأسد كما أصدقاؤه. ويعتبر موقف حزب الله اللبناني دالا بهذا الصدد. فهذا الحزب، الذي بنى شعبيته على "تطلعات الشارع العربي"، سارع إلى تأييد الثورتين التونسية والمصرية، إلا أنه (التأييد) توقف على عتبة دمشق وصار الحزب يردد دعاية نظام الأسد التي تدعي أنها تخمد "تمردا تشنه عصابات مسلحة من السلفيين والمتطرفين السنة".
هذا الموقف يشير إلى قلق الحزب الشيعي من خطر فقدان دعم الحكومة السورية التي هي ليست فقط حاميته الرئيسية بل تعتبر جسرا لإمدادات الأسلحة القادمة من إيران. وحول هذا السيناريو وارتباط مصير حزب الله الوجودي بنظام الأسد يقول خطار أبو دياب "حزب الله عمليا هو دويلة داخل الدولة اللبنانية، بل إنه في بعض المقومات يتخطى حتى الدولة اللبنانية. حزب الله يمتلك من المقومات البشرية والاجتماعية والعقائدية ما يجعله قادرا على التماسك، لكنه إذا خسر الجسر المباشر مع سوريا فأمامه خياران، إما أن يتحول إلى حزب سياسي عادي أو يبقى على وضعه الحالي ويواجه صعوبات في المستقبل".
وتكمن طبيعة نظام الأسد المعقدة ليس فقط في دعم حزب الله في لبنان وحركتي حماس والجهاد الإسلامي، ولكن أيضا في علاقاته الإستراتجية مع طهران مع احتفاظه بخيار السلام مع إسرائيل وتقوية علاقاته مع تركيا وفي الوقت ذاته سعيه لضمان قبول بعض القوى الغربية، التي لم تضعه لحد الآن في نفس مقام القذافي وتركت الباب أمامه مفتوحا شرط تبني إصلاحات جادة تستجيب لمطالب الديمقراطية. ويعتبر خطار أبو دياب بهذا الصدد أن "الغرب يسعى إلى أن يغير هذا النظام سلوكه، لكن هذه المرة الأجندة ليست في يد الغرب ولا بيد الدول الإقليمية الأخرى".
حسن زنيند
مراجعة: أحمد حسو

ليست هناك تعليقات: