بشار الاسد... ثورة في مقابل ثورة النظام السوري واللحظات الاشد حرجا |
محمد حميد الصواف |
شبكة النبأ: شغلت حركة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في بعض المدن السورية مؤخرا، والمطالبة بالإصلاح معظم مراكز القرار في العواصم الغربية، خصوصا الولايات المتحدة، فيما لا تخفي ارتياحها المشوب بالحذر من احتمالات انتشار تلك الاحتجاجات بشكل يهدد استقرار النظام السياسي الحاكم. فسوريا لا تزال الدولة العربية الوحيدة التي تقلق اسرائيل سيما انها لم تقدم على ابرام اتفاقية سلام معها على غرار بعض الدول المجاورة لها، بالإضافة الى دعمها المتواصل للمقاومة الاسلامية في كل من فلسطين ولبنان. في حين يستبعد الكثيرون من اي تغيير قد يلحق بالنظام السوري في الوقت الحاضر، متوقعين في الوقت ذاته انزواء حركة الاحتجاجات بالتزامن مع الاجراءات الحكومة الاخيرة، وتولي الرئيس السوري الاشراف المباشر على تطهير مؤسسات الدولة من الفساد، وتطويق الازمة التي تدور هناك، خصوصا ان الاحتجاجات يقودها سلفيون قد يسعون الى تشكيل نظام يشبه نظام طالبان في المنطقة حيث يتهمهم بعض المحللين بانهم مدفوعون من السعودية العدو اللدود للنظام السوري. بشار الأسد يقوم بثورة فقد رأى الصحفي البريطاني وكاتب سيرة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، باتريك سيل، إن الرئيس السوري بشار الأسد الذي أعلن عزمه إلغاء قوانين الطوارئ، يقوم بثورة ويبدو أنه أكثر جدية ومختلفا عما كان عليه في الماضي. وقال سيل في مقابلة أجرتها معه إذاعة الجيش الإسرائيلي وتطرق إلى خطاب الأسد إن "هذا نوع من الثورة فعلا، فبشار توجه في خطابه إلى الحكومة الجديدة التي عينها وأصدر إليها أوامر، وسيتعين على الحكومة الالتزام بهذا الجدول الزمني" المتمثل بإلغاء قوانين الطوارئ. وأضاف "إذا تمعنا بالتفاصيل كلها "المتعلقة بخطاب الأسد" سنجد شخصا مختلفا جدا عن ذلك الذي رأيناه في المرات السابقة، وقد كان هذه المرة جدي جدا وليس مازحا وحازم للغاية وتحدث بتفصيل كبير، وأعتقد أنه استوعب الوضع. وفي رده على سؤال حول أهم شيء قاله الأسد في خطابه الاخير قال سيل إن "هذا خطاب أفضل بكثير من ذلك الذي ألقاه في 13 آذار/مارس، وقد بدا فيه جديا وملتزما ومُركزا وهو منتبه بشكل كامل لخطورة الوضع وقال إن هذه لحظة مصيرية بالنسبة لسورية وبالطبع ذكر قائمة كاملة من الإصلاحات". وأضاف الكاتب البريطاني أن "أكثر شيء أثار الذهول هو أن الأسد أولى اهتماما بالغا لما وصفه ب'بطالة الشبان' الذي يشكل بالطبع محركا للثورات في المنطقة". وتابع "يمكننا أن نرى أن الأسد يعي جيدا مشكلة قوانين الطوارئ التي منحت أفراد المخابرات لديه حرية كبيرة حتى اليوم، وستضطر قوات الأمن السورية الآن التدرب من جديد لمواجهة الوضع الجديد". بحسب يونايتد برس. ويتهم النظام السوري "عصابات" بإطلاق النار على المتظاهرين في المدن السورية وينفي أن قوات الأمن هي التي تفعل ذلك. وقال سيل في هذا السياق "يوجد لسورية، طبعا، أعداء من الخارج والداخل ولذلك فإنه أمر منطقي جدا أن ينشط بداخلها عدد من العملاء الاستفزازيين، لكن بالطبع أن معظم القتلى تعرضوا لإطلاق نار من جانب قوات الأمن ولا يوجد شك في ذلك". وقال سيل، ردا على الادعاء الإسرائيلي بأن الأحداث في سورية أثبتت أنه حسنا فعلت إسرائيل بعدم التوصل إلى اتفاق سلام معها "حان وقت إسرائيل لكي تدرس مجددا منظورها الأمني". وأضاف أن "السلام هو ضرورة الآن وإسرائيل اعتادت نسيان هذا، والسلام مع الفلسطينيين والسوريين هو السبيل الوحيد لضمان مستقبل جيد لإسرائيل وليس مستقبلا يتميز بالعنف والكراهية". خارطة تحالفات المنطقة كما نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية مقالا باتريك سيل قال فيه ان الرئيس السوري ليس الوحيد الذي يراقب الاحتجاجات باعصاب مشدودة. فتغيير النظام في بلاده سيؤدي الى اعادة هيكلة الشرق الاوسط. واضاف يقول ان النظام السوري، الذي يصنف بانه لاعب رئيسي منذ زمن في لعبة شد الحبل في الشرق الاوسط، قرر ان يقاوم مستخدما القوة، ويبدو انه مصمم على هزيمة موجة الاحتجاجات الشعبية التي حطمت النظام في كل من تونس ومصر، والتي تهدد الحكام في ليبيا واليمن والبحرين، وتتحدى الان سلطة الدولة في العديد من المدن السورية. واذا فشل نظام بشار الاسد في تأكيد سلطاته، واذا اطيح به او بدا ضعيفا بسبب طول مدة الهيجان الشعبي، فانه يمكن أن يتسع اطار التداعيات الجيوسياسية. وسيتعرض حلفاء سوريا جميعا – الجمهورية الاسلامية في ايران، وحركة المقاومة الشيعية حزب الله في لبنان، وحكومة "حماس" في غزة - للضغوط. ذلك انه بالنسبة لثلاثتهم ستكون خسارة الدعم السوري مؤلمة. ولا ريب في ان اسرائيل تنظر الى مثل هذا التطور بمزيد من الارتياح. فلقد سعت منذ زمن للتشويش على محور طهران - دمشق - حزب الله - حماس الذي تحدى تفوقها الاقليمي – بل وحصل على قدرات رادعة معينة تراها اسرائيل انه لا يمكن تحملها. غير ان مشاعر اسرائيل قد تواجهها مخاوف من ان يحل نظام اسلامي محل الاسد، وهو ما يحمل لمصالحها وامنها تهديدا اكبر. وعلى نطاق اوسع، فان المنطقة تشهد حل الغاز التحالف التي تشكلت في فترة حرجة امتدت لثلاثة عقود شاهدت اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية في العام 1979، والثورة الايرانية في العام ذاته، والعدوان الاسرائيلي الغاشم على لبنان في العام 1982، وما تبعه من احتلال الجنوب اللبناني على مدى 18 عاما، الامر الذي ولد من رحمه حزب الله. وقد غيرت مصر موقفها واصبحت شريكة اسرائيل في السلام بعد ان كانت شركة سوريا في حرب العام 1973. كما غيرت ايران، التي كانت حليفا لاسرائيل خلال حكم الشاه، بعد قام جمهورية اسلامية واصبحت حليفا لسوريا بدلا من ذلك. وهكذا غيرت سوريا واسرائيل شركائهما. الا ان هذه الترتيبات تقف على هوة الخطر. اذ من المحتمل ان تنأى مصر بعد مبارك بنفسها عن اسرائيل وتنضم الى الركب العربي، كما يمكن لتحالف سوريا مع ايران، وهو ما لا يجد هوى في نفوس الاغلبية السنية، ان يواجه المخاطر نتيجة اي تغيير في النظام القائم في دمشق. ومن بين ابرز التغييرات في خريطة الاقليم الجيوسياسية بروز تركيا باعتبار انها تقوم بدور طيب يعزز الاعمال التجارية، والاستعادة البطيئة للعراق باعتباره قوة عربية رئيسة بعد التدمير الذي اوقعه عليه (رئيس وزراء بريطانيا السابق) توني بلير و(الرئيس الاميركي السابق) جورج بوش والمحافظون الجدد المؤيدون لاسرائيل في اميركا. هل سنشهد اذن بعض التشكيلات التحالفية الجديدة التي كانت قائمة قبل 30 عاما؟ ان بالامكان للعراق وايران اللذين اشتبكا في حرب مريرة في الثمانينات ان تتقاربا وكلاهما تحت قيادة شيعية. ويمكنهما ان يشكلا كتلة قوية مانعة. وستبدو الاستثمارات الاميركية الهائلة في الرجال والاموال في الحرب العراقية اضعف من اي وقت مضى. على ان هناك من الامور ما يمكن ان يبقى على حاله. فما ان تهدأ الازمة، فان تركيا ستواصل استثمار صداقتها مع سوريا ايا كانت طبيعة النظام فيها، لان سوريا تظل محورا رئيسا في مطامح السياسة العربية لتركيا. وقد تحل تركيا محل ايران كحليف اقليمي رئيس لسوريا. كما ان من غير المحتمل ان تقلل سوريا من نفوذها في لبنان. اذ ليس بامكان اي نظام سوري مهما كانت طبيعته ان يتحمل وجود حكومة معادية في بيروت. فأمنه، وخاصة في مواجهة اسرائيل، مرتبط بقوة بامن جارته لبنان. لقد ازاحت موجة الاحتجاجات التي تعم العالم العربي الصراع العربي الاسرائيلي الى المرتبة الثانية. الا ان هذا لا يمكن الا ان يكون خطوة وقتية، الى ان يتم التوصل الى حل. إنقاذ النظام فيما نشرت صحيفة الاندبندنت مقالا للكاتب روبرت فيسك تحت عنوان هل يستطيع الرئيس الأسد بذل كل ما يلزم لتطهير نظامه الفاسد؟ . ويستهل الكاتب مقاله بتصريحات وردت على لسان أحد النشطاء السوريين يلخص فيها ما يدور في أذهان العامة قائلا أن الشعب السوري يريد قوات أمن لا تعامل المواطنين مثل الحيوانات . واستوقف فيسك وصف أحد أصدقاء الرئيس السوري بشار الأسد له قائلا الأسد الآن مثل مفاعل فوكوشيما الياباني، منزعج لوقوع أعمال عنف. ويطرح فيسك تساؤلا هل يمكن أن يكون الوضع الحالي في سورية دليلا على نهاية حزب البعث؟ وهل حانت نهاية قوات الأمن السورية؟. ويجيب الكاتب بأنه لا يعتقد ذلك ولكن كل محاولات بشار وعروضه السخية باءت بالفشل حتى الآن، فعلى سبيل المثال لم تعد إنهاء حالة الطوارئ أمر جلل. ويضيف قائلا البعض في سورية يقول إنها النهاية ولا يوجد شيء يمكن أن يقوم به الأسد لانقاذ نظامه . ويشير فيسك إلى أن الرئيس السوري يعرف كل هذا وقد حاول أن يوقف هذه التصرفات القمعية وقد يكون قد نجح إلى حد كبير ولكنه فشل في الوقت ذاته أن يكون قائدا ناجحا للبلاد والخروج من الأزمة. ويضيف أن من ضمن المحاولات اليائسة لاقناع السوريين بأنه يسيطر على البلاد اتهم الأسد الولايات المتحدة وفرنسا ولبنان بمسؤوليتها عن العنف الذي ارتكب ضد المتظاهرين. |
الأربعاء، 4 مايو 2011
بشار الاسد... ثورة في مقابل ثورة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق