السبت، 16 يوليو 2011

شارون لم يقتل عرفات

مسؤول إسرائيلي رسميّ يكسر الصمت الذي طال سبع سنوات: شارون لم يقتل عرفات
زهير أندراوس:
960.-


الناصرة ـ 'القدس العربي' بعد مرور حوالي سبع سنوات على استشهاد الرئيس الفلسطينيّ، المغفور له، ياسر عرفات، صدر أوّل تصريح رسميّ من مسؤول إسرائيليّ زعم فيه أنّ عرفات لم يمت مسموما من قبل الدولة العبريّة، والحديث يدور عن المحامي دوف فايسغلاس، الذي كان مدير ديوان رئيس الوزراء الإسرائيليّ الأسبق ارييل شارون، عندما ارتقى الشهيد عرفات في ظروف غامضة يوم الحادي عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2004 في المتشفى العسكريّ الفرنسيّ (فال ديغراس) بالعاصمة، باريس.
وقال المحلل لشؤون المخابرات في صحيفة (هآرتس)، يوسي ميلمان، الذي أجرى حديثًا مع المسؤول الإسرائيليّ، إنّ الأخير كان على اطلاع واسع بجميع المواد السريّة والحساسة، ومقربًا جدًا من شارون، زاعمًا أنّ تصريحه هو بمثابة نسف لنظرية المؤامرة التي تبناها الفلسطينيون منذ استشهاد عرفات.
ولفت إلى أنّه منذ البداية بدأ الفلسطينيون يفحصون النظريّة القائلة إنّ الرئيس عرفات توفي إثر دس السم في وجباته الخاصّة عن طريق المخابرات الإسرائيليّة، وبحسب المحلل ميلمان، فإنّ الفلسطينيين اعتمدوا على عدد من الحقائق: أولاً أنّ شارون رأى بعرفات عدوًا شرسًا وأنّ الدولة العبريّة حاولت اغتياله عشرات المرات، لكنّها فشلت في إخراج مخططاتها إلى حيّز التنفيذ، والحقيقة الثانيّة، بحسب ميلمان، هو الحديث الذي دار بين شارون ووزير حربه، شاؤول موفاز، عندما اعترضت إسرائيل سفينة (كارين إي)، حيث همس موفاز في إذن شارون إنّه يجب التخلص من عرفات، دون أنْ يعلم بأنّ كاميرات التلفزيون التقطت الحديث، أمّا الحقيقة الثالثة، التي اعتمد عليها الفلسطينيون، فكانت ما كتبه صحافيّ البلاط، التابع لشارون قلبا وقالبا، أوري دان، والذي قال بصريح العبارة إنّه تمّت تصفية عرفات بأوامر من شارون.
وساق المحلل قائلاً إنّ دسّ السم لقتل الفلسطينيين من قبل الإسرائيليين هو ليس أمرًا جديدًا، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، تمّ اغتيال الدكتور وديع حداد، من مؤسسي الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، من قبل الموساد الإسرائيليّ، عن طريق إرسال الشوكولاطة التي كان يُحبها، وبعد أنْ أكلها أصيب بمرض سرطان الدم، ومات عام 1978 في مستشفى بألمانيا الشرقيّة، وقبل عدّة سنوات اعترف الموساد بأنّه كان وراء عمليّة الاغتيال عن طريق دس السم، علاوة على ذلك، قال المحلل ميلمان، إنّ عناصر من الموساد الإسرائيليّ حاولوا في العام 1997 اغتيال رئيس الدائرة السياسيّة لحركة حماس، خالد مشعل، في العاصمة الأردنيّة عمّان، عن طريق رش سم قاتل في أُذنه، ولكنّه نجا بعد أنْ قام الموساد بتزويد الأردن بالمصل الذي أبطل مفعول السم القاتل.
وقال المحامي فايسغلاس للصحيفة العبريّة إنّ شارون فعلاً كان يكره عرفات، ورأى فيه أكبر أعداء إسرائيل وأنّه يُشكّل حاجزًا أمام أيّ اتفاق، وبالتالي أصر بشكل منهجي على عدم الاجتماع به، ولكنّه لم يتناول قضية اغتياله جسديًا، على حد تعبيره. أمّا عن همسة موفاز بأنّه يجب اغتيال عرفات، فاعترف المسؤول الإسرائيليّ بأنّ شارون سمع، ولكنّه تجاهل، وتابع المسؤول: نظرة شارون لعرفات كانت معروفه، إنّه جعل من الحرب السياسيّة عليه حربًا مقدّسة، ولكنّه رفض المس به جسديًا، كان مهمًا بالنسبة لشارون عزل عرفات خلال الانتفاضة الثانيّة، ولكنّه لم يوافق بأيّ حالٍ من الأحوال على المس به جسديًا.
وكان موشيه يعلون قائد أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي السابق في كتابه الذي أصدره حديثاً والذي يحمل اسم (درب طويل قصير) تطرق إلى عرفات حيث يؤكد يعلون من خلال كتابه أن الرئيس عرفات قد استخدم اتفاق أوسلو محطة في طريقه لإبادة إسرائيل موضحاً أنه تبنى نظرية خيوط العنكبوت قبل السيد حسن نصر الله والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والرئيس السوري بشار الأسد.
وكشف الكاتب أن إسرائيل كرست جهوداً كبيرة لاستهداف الرئيس الراحل ياسر عرفات خلال اجتياح بيروت عام 1982 لكنها فشلت في رصده إلا في يومه الأخير وهو يستقل السفينة التي أقلته والمقاتلين الفلسطينيين إلى تونس.
وشدد يعلون على أنّ عرفات لم يعترف بإسرائيل كدولة يهودية ولم يتخل عن خطته المرحلية للإجهاز عليها، معتبرا اتفاقية أوسلو مجرد محطة فيها، ويُقر يعلون بأنّ إسرائيل فشلت في محاولاتها لاغتيال عرفات.
ويشير يعلون الذي طالما دعا لكي وعي الفلسطينيين بالنار إلى أنه قرأ كل كلمة حول عرفات وخلص لاستنتاج عميق بأن هدفه الاستراتيجي يتمثل بإقامة دولة فلسطينية من النهر حتى البحر، ولم يتنازل يوما عن كامل التراب الوطني، ويرى نفسه قائدا عربيا إسلاميا تاريخيا يقود شعبه نحو الانتصار على إسرائيل لا لتسوية معها من دون إعلان ذلك. ورغم كراهيتي الشديدة له لكنني قدرته بعدما صار من لا شيء قائدا آمراً ناهياً تمكن من خدمة أهدافه بذكاء، واستخدم المال في تعامله مع الفلسطينيين والإسرائيليين. ويضيف لكن عرفات ظل زاهدا ولم تعنه حياة الرخاء، مكرسا ذاته للقضية بشكل مطلق لا يمكن إلا أن تحترمه لأنه لم يفقد صلة العين بهدفه الاستراتيجي الأعلى طوال مسيرته حتى عندما انشغل بقضايا يومية عابرة.
وبحسب فايسغلاس، فإنّ النهاية السياسيّة لعرفات استمرت على مدار مرحلتين: الأولى بعد اكتشاف تورطه في جلب الأسلحة على متن السفينة (كارين إي)، أمّا المرحلة الثانية فقد بدأت في واشنطن في شهر أيار (مايو) من العام 2002، حيث أبلغتنا وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة آنذاك، كوندوليسا رايس، بأنّ الرئيس بوش سيُلقي خطابًا ويُعلن فيه عن خطته لحل النزاع بيننا وبين الفلسطينيين، عندها بدأنا بتزويد البيت الأبيض بمعلومات مؤكدة عن تورط عرفات في أعمال الإرهاب وتمويلها، وبحسب المحامي فايسغلاس فإنّ الجهود الإسرائيليّة أثمرت، ذلك أنّه في الرابع والعشرين من شهر حزيران (يونيو) من العام 2002، ألقى بوش خطاب (خارطة الطريق)، وأكد من خلاله على أنّ الفلسطينيين يستحقون قيادة جديدة غير متورطة في الإرهاب، وبرأي مدير مكتب شارون فإنّ هذا التصريح كان عمليًا الإعلان الرسميّ عن انتهاء حكم عرفات، حيث قاطعت أمريكا عرفات بعد ذلك نهائيًا، وزاد فايسغلاس: أكثر من عامين استمرت مقاطعة عرفات من قبل أمريكا وإسرائيل، الذي كان يعيش في عدة غرف بالمقاطعة المدّمرة، وقال أيضًا إنّه خلال اجتماع مع خافيير سولانا تلقى الأخير مكالمة هاتفيّة من الفلسطينيين، الذين أبلغوه بأنّ وضع عرفات سيء من الناحية الصحيّة، فسمح له شارون بالتوجه إلى مستشفى في رام الله للفحص، وبعد ذلك، قام الفلسطينيون بإبلاغ تل أبيب بأنّ وضعه ما زال سيئًا، ونتيجة لضغط سولانا والفلسطينيين قرر شارون السماح لعرفات بالسفر إلى فرنسا لتلقي العلاج، لأنّه كان على علم وعلى دراية بأنّه إذا توفي عرفات في المقاطعة فإنّ ذلك سيُلحق بإسرائيل أضرارًا سياسيّة كبيرة.
ولفت المحلل الإسرائيليّ إلى أنّ الرئيس عرفات تُوفي في المستشفي الفرنسيّ ولكنّ الحكومة الفرنسيّة أصدرت بيانًا غامضًا وضبابيًا حول أسباب الوفاة، والتي أدّت في ما أدت إلى ازدياد الشكوك حول ظروف موته، وزاد قائلاً إنّ الأطباء الفرنسيين ومديري المستشفى رفضوا التعقيب على توجه الصحيفة الإسرائيليّة، ولكنّه أضاف أنّ مسؤولاً إسرائيليًا المطلع على تفاصيل القضيّة أكد للصحيفة على أنّ عرفات مات نتيجة لمرض سرطان الدم، وأنّ الأطباء أهملوا في علاجه، على حد تعبيره.

ليست هناك تعليقات: