في فرنسا، يُسمى مروان البرغوثي نلسون مانديلا الفلسطيني، المقاتل المسجون الذي تحول الى قارئ نهم يتحدث عن السلام حين يُطلق سراحه. وفي الضفة الغربية وقطاع غزة يسميه كثيرون "خليفة ياسر عرفات"، بسبب شعبيته حتى ان استطلاعات الرأي تبين عادة فوزه بالرئاسة حتى وهو خلف القبضان. ويعرفه الاسرائيليون قاتلا بالجملة يقضي عدة احكام بالسجن المؤبد لإرساله انتحاريين الى سوق السمك في تل ابيب وسوق مبنى تجاري في القدس.
اما في الولايات المتحدة فان قلة من الاميركيين سمعوا بإسم البرغوثي الذي يمتد ظله على أشد الأسئلة إلحاحا في الحركة الفلسطينية ، مثل مَنْ المسؤول؟ وماذا بعد؟
وقال البرغوثي في ردود مكتوبة على اسئلة قدمتها مجلة تايم وأوصلها محاميه اليه في سجن هداريم "ان الأولوية في هذه الأوضاع وفي ضوء التغيرات الجارية هي للمقاومة السلمية". وأشار البرغوثي الى "ان الفصائل الفلسطينية اوقفت عملياتها المسلحة منذ ما يربو على خمس سنوات باستثناء الدفاع عن النفس. وفي هذه النقطة من الزمن فإن الفلسطينيين يعطون الأولوية للجهود السياسية والدبلوماسية، والمقاومة السلمية وعزل اسرائيل دوليا لتحقيق الحرية والاستقلال".
من الملاحظ ان عبارتي "في هذه النقطة من الزمن" و"في هذه الأوضاع" تعبران عن الازدواجية التي وسمت الحركة الفلسطينية منذ عقود: االمفاوضات أم المقاومة؟ االحوار أم القتال؟
البرغوثي مارس كلا الأمرين، لكنه يؤكد ان العنف كان خيارا فرضته اسرائيل على الفلسطينيين. وقال "ان من الضروري ان نلاحظ ان الانتفاضة الفلسطينية الأولى اعتمدت المقاربة نفسها تقريبا التي اتبعتها الثورات العربية لكنها قوبلت بوحشية اسرائيلية وقمع اسرائيلي شديدين أسفرا عن قتل مئات الفلسطينيين".
حقق البرغوثي رصيده من الشعبية بسنوات من العمل التنظيمي على مستوى القواعد وقدرته على التواصل مع جميع الفصائل. مروان البرغوثي – الذي كان يقضي معظم وقته بين أبناء شعبه في الوقت الذي كان فيه آخرون يقضون سنوات في منفاهم الفاخر- اسم بارز في قائمة الأسرى التي تريد حماس مبادلتهم بالجندي الإسرائيلي شاليت المختطف في قطاع منذ 5 سنوات.
" من المهم جدا ان نلاحظ ان مروان البرغوثي ليس قائدا يجلس في مكتب"، تقول زوجته فدوى، وهي جالسة في مكتبها " بل هو قائد متواجد في الشارع، في كل مكان من الشارع". الحملة الشعبية لإطلاق سراح مروان البرغوثي وكافة الأسرى توجد في مكتب في برج جديد يطل على قبر عرفات.
كان البرغوثي رشح نفسه قبل ست سنوات لخلافة عرفات في رئاسة السلطة الفلسطينية لكنه سحب ترشيحه لصالح محمود عباس الذي يقول البرغوثي انه يدعم استراتيجيته في التفاوض مع اسرائيل لانهاء الاحتلال مع مواصلة العمل على بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية بدعم من رئيس الوزراء سلام فياض. ولكن عباس (76 عاما) يؤكد انه لن يترشح ثانية في الانتخابات الموعودة في غضون عام.
مواقف البرغوثي توضح الإتجاه الفلسطيني العام، فاتفاق المصالحة التي اعلن عنه في القاهرة بين الفصائل الفلسطينية كان بشرى اطلقت بداياتها في 2006 فيما عرف ب" وثيقة الأسرى" التي صاغها البرغوثي في سجن هداريم ووقعها معه قادة معتقلون يمثلون الفصائل الفلسطينية الرئيسية. الإعلان دعى الى التفاوض مع اسرائيل من أجل دولة فلسطينية تقوم على اساس حدود العام 1967. " مروان البرغوثي ربما يكون اكثر براغماتية من عباس وفياض"، يقول عاموس عوز الروائي الإسرائيلي المعروف الذي أرسل نسخة من روايته "حكاية الحب والظلام" الى البرغوثي في السجن، وكتب له " آمل أن تقرأها لتفهمنا أكثر كما نحاول نحن فهمكم، وكلي امل بأن نلتقي قريبا بسلام وحرية".
في السجن، يقضي البرغوثي نصف وقته في القراءة، الكتابة، أو تعليم سجناء آخرين، معظمهم ينتمون الى أحزاب وينتخبون قادتهم وفقا لإنتمائهم الحزبي. وتشبه اوضاع السجن من بعض النواحي سجن "جزيرة روبن" في زمن النظام العنصري في جنوب افريقيا حيث كان سجن الجزيرة ايضا مدرسة لمناضلي حزب المؤتمر الوطني الافريقي.
ولكن، يقول عوز "أنا لا أحب المقارنة. مانديلا لم يذكر قط ان الطريق الصحيح لانهاء الفصل العنصري هو قتل المدنيين، البرغوثي فعل ذلك".
على أي حال، مانديلا أوجد الجناح المسلح للمؤتمر الوطني الافريقي مجادلا بأن اللاعنف بلغ حدوده. واستعدادا لذلك قرأ مانديلا الذي فاز لاحقا بجائزة نوبل للسلام كتاب مناحيم بيغن الذي يروي فيه قصة المقاومة اليهودية السرية التي نفذت عمليات تفجير ضد الحكومة البريطانية في فلسطين إبان الاربعينات. وكان بيغن رئيس وزراء اسرائيل من 1977 الى 1983.
عوز يقول "ان هناك العديد من رؤساء الدول كانوا مشاركين في عمل مسلح قبل ان يصبحوا رؤساء دول ، بمن فيهم بعض قادة دولة اسرائيل".
المقارنة مع عرفات تبدو أقرب للصواب. صورة البرغوثي مرسومة بجانب رسم آخر لعرفات على منتصف الجدار (الفاصل) قرب حاجز قلنديا الذي يفصل رام الله عن القدس، الرجل الأكثر شبابا (مروان) رافعا يداه المصفدتين في لحظة توحي بالتحدي والإنتصار في آن واحد. " أنه رجل، أنه قائد" قال شاب فلسطيني يدعى اسامة شوغان (21 عاما) حين سألته مجلة تايم في احدى اسواق رام الله عن البرغوثي. ولكن من الأكثر صعوبة هو أن تجد معجبين أسرائيليين، منهم حاييم آرون، وهو من الزوار المنتظمين للبرغوثي. آرون كان زعيما لفترة طويلة لحزب " ميرتس" الإسرائيلي، او كما يعرف في اسرائيل " معسكر السلام"، وقد إعتزل السياسة بداية العام الجاري، ومن الممكن الجدل أن اسرائيل تركت معسكر السلام منذ سنوات، وكان البرغوثي هو السبب. ففي نشرا المساء عندما كانت اسرائيل تعلن بأنه يوجد شريك في إتفاق اوسلو كان البرغوثي يؤسس "التنظيم" الجناح العسكري لفتح، الذي شن أسوأ الهجمات على اسرائيل في الإنتفاضة الثانية.
"أعتقد بأنه أهم قائد فلسطيني"، يقول آرون، واعتقد أنه شريك، وهو صديق، صديق كلمة قوية، ولكنه صديق". اذا كان السؤال عن العنف، فلدى آرون سؤال يطرحه " هل تعرفون مسؤولا فلسطينيا يرفض العنف؟ بشكل رسمي؟ اعطوني اسما ! ". يتابع " المقاومة خيار دائم موجود على الطاولة، السؤال هل نختاره ام لا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق