صحيفة "ذي اندبندنت"تكشف خفايا التوصل إلى اتفاقية المصالحة بين
"فتح" و"حماس"
التاريخ: 2011-06-08 07:32:02
لندن- ميلاد- نشرت صحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية تقريرا أعده
الصحافي والكاتب البريطاني الشهير روبرت فيسك، كشفت من خلاله عن تفاصيل التوصل إلى
اتفاقية المصالحة بين "فتح" و"حماس" التي شكلت مفاجأة للعديد من الأطراف في
المنطقة.
وكتب فيسك يقول: "لقاءات سرية بين وسطاء فلسطينيين، ومسؤولين في الاستخبارات المصرية، ووزير الخارجية التركي، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والقيادي في "حماس" خالد مشعل – تطلبت من الأخير رحلة سرية إلى دمشق والالتفاف حول مدينة درعا الثائرة - وحققت الوحدة الفلسطينية التي أزعجت كثيرا الإسرائيليين والإدارة الأميركية. وأنهت "فتح" و"حماس" أربع سنوات من الصراع في أيار (مايو) باتفاقية تعتبر حاسمة في سعي الفلسطينيين ومطالبتهم بدولة مستقلة.
وتظهر مجموعة من الرسائل المفصلة، التي اتفقت عليها جميع الأطراف، وحصلت "ذي اندبندنت" على نسخ منه، مدى تعقيد المفاوضات. كما سعت "حماس" وحصلت على دعم الرئيس السوري بشار الأسد، ونائبه فاروق الشرع ووزير الخارجية وليد المعلم. وكان من ضمن النتائج موافقة مشعل على إنهاء الهجمات الصاروخية من "حماس" على إسرائيل من غزة - لأن المقاومة ستكون من حق الدولة فقط - والموافقة على أن حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية ستكون على حدود عام 1967.
وقال أحد الوسطاء الرئيسيين، وهو رجل الأعمال الفلسطيني منيب المصري: "لولا وجود النية الحسنة من كافة الأطراف، ومساعدة المصريين وقبول السوريين – ورغبة الفلسطينيين في التوحد بعد بدء الربيع العربي، لما كان بإمكاننا تحقيق ذلك".
يذكر ان المصري كان قد ساهم في إنشاء "منتدى فلسطيني" للمستقلين بعد حدوث الانقسام بين "حماس" والسلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها "فتح"، بعد فوز "حماس" الكبير في الانتخابات عام 2006. وأضاف المصري: "ظننت أن الانقسامات التي ظهرت ستكون كارثية وقد تنقلنا أربع سنوات جيئة وذهابا بين الأطراف المختلفة، طلب مني أبو مازن أن أكون وسيطا عدة مرات. وقد عقدنا اجتماعات في رام الله، كان لدينا أشخاص من غزة، والجميع شاركوا. كان لدينا قدرات كبيرة".
وخلال ثلاث سنوات، قام أعضاء المنتدى الفلسطيني بأكثر من 12 رحلة إلى دمشق والقاهرة وغزة وأوروبا، والكثير من المبادرات تم رفضها. وتعامل المصري وزملاؤه بشكل مباشر مع رئيس وزراء "حماس" إسماعيا هنية في غزة. وخرجوا بمبادرة تبادل الأسرى من أجل إخراج القيادي الفتحاوي مروان البرغوثي من السجون الإسرائيلية، ثم بعد أن هبت رياح الثورة في تونس ومصر، طالب الشباب الفلسطيني في الخامس عشر من آذار (مارس) بالوحدة وإنهاء الخصومة بين "فتح" و"حماس".
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرفض دائما التحدث إلى عباس على أساس أن الفلسطينيين لم يكونوا موحدين. وحين تحدث عباس في السادس عشر من آذار عن انه "يفكر في الذهاب إلى غزة"، وقف المصري، الذي كان حاضرا، على كرسي وصفق بحرارة.
وقال المصري: "اعتقدت أن حماس سترد بطريقة إيجابية، ولكن في الأيام الثلاثة التالية بعد خطاب عباس، قدمت حماس ردا سلبيا. كان يريد انتخابات فورية وبلا حوار. لم تقدّر حماس ذلك، وذهب عباس إلى باريس وموسكو، للخروج من مزاجه السيئ، وفقا لبعض رفاقه. لكن المنتدى لم يستسلم".
وأضاف المصري: "كتبنا وثيقة - قلنا إننا سنذهب لرؤية المصريين، وتهنئتهم بالثورة. وهكذا عقدنا لقاءين مع رئيس الاستخبارات المصرية خالد عرابي، والتقينا محمد إبراهيم، وهو ضابط في الاستخبارات". وكان والد إبراهيم معروفا ببطولته في حرب عام 1973، حين أسر أعلى الضباط الإسرائيليين رتبة في سيناء. كما التقى الوفد مساعدي إبراهيم، نادر عسير وياسر عزاوي.
وذهب سبعة أعضاء من كل جزء في فلسطين لتمثيل الفريق في القاهرة. وهذه هي الأسماء التي ستكون في كتب التاريخ الفلسطيني في المستقبل. من الضفة الغربية، ذهب الدكتور حنا ناصر (رئيس مجلس جامعة بيرزيت واللجنة المركزية للانتخابات)، الدكتور ممدوح العكر (رئيس جمعية حقوق الإنسان)، مهدي عبد الهادي (رئيس جمعية سياسية في القدس)، هاني المصري (محلل سياسي)، إياد المسروجي (رجل أعمال في مجال الأدوية)، حازم القواسمي (مدير منظمة غير حكومية)، ومنيب المصري نفسه.
ومثل قطاع غزة كل من إياد السراج (الذي لم يتمكن من الذهاب إلى القاهرة بسبب المرض)، مأمون أبو شهلة (عضو في مجلس بنك فلسطين)، فيصل الشوا (رجل أعمال ومالك عقارات)، محسن أبو رمضان (كاتب)، راجح الصوراني (رئيس المجلس العربي حقوق الإنسان، ولم يذهب إلى القاهرة)، أبو حسن (عضو في الجهاد الإسلامي أرسله السراج)، وشرحبيل الزعيم (محام من غزة).
ويذكر المصري: "أمضى هؤلاء الرجال وقتا طويلا مع كبار رجال الاستخبارات المصرية، التقيناهم في العشار من نيسان (ابريل) لكننا أرسلنا وثيقة قبل وصولنا إلى القاهرة. وهذا ما جعل اللقاءات مهمة. في غزة، كان هناك "جانبان" مختلفان. وهكذا تحدثنا عن الوضع الدقيق، عن الغزيين في "سجن" غزة، وعن حقوق الإنسان، والحصار المصري، وعن الكرامة. كان الشوا يقول "نحن نشعر اننا بلا كرامة - وهذه غلطتكم". وقال عسير احد رجال الاستخبارات: "سنغير كل ذلك".
وأضاف المصري: "في الساعة السابعة مساء، عدنا والتقينا خالد عرابي ثانية، قلت له: انظر، أحتاج إلى هذه الأشياء من جانبك. هل تريد مبادرة جديدة، حزمة تضمن الفوز للجميع؟ هل ما يزال الملف الفلسطيني مرحبا به في القاهرة؟، فأجاب: "إنه طويل بعض الشيء، لكنه يعجبنا. هل يمكنكم الضغط على كل من (فتح) و(حماس) لإحضارهم إلى هنا؟ سنعمل معكم. اذهبوا وانظروا ما ستقوله (فتح) و(حماس) - وتعاملوا مع هذا بسرية". وافقنا، ثم ذهبنا لرؤية عمرو موسى (وهو الآن مرشح للرئاسة المصرية) في الجامعة العربية. وكان في البداية حذرا جدا – لكن في اليوم التالي، كان فريق عمرو موسى إيجابيا جدا. قلنا: امنحوا الأمر فرصة، وقلنا إن الجامعة العربية أنشئت من أجل فلسطين، وان لها دورا كبيرا في القدس".
وذهب الوفد للقاء نبيل العربي في وزارة الخارجية المصرية، وقال المصري: "قال لنا نبيل العربي: "هل يمكنني إحضار وزير الخارجية التركي؟"، الذي كان في القاهرة، وهكذا تحدثنا عن المبادرة معا. ولاحظنا وجود تقارب بين وزارة الخارجية والاستخبارات. ولهذا وجدت أن مصر "الجديدة" تتمتع بالكثير من الثقة - كانوا يتحدثون أمام تركيا، أرادوا التحدث امام تركيا. لذلك وافقنا على أن نتحدث جميعا، ثم عدت مع الآخرين إلى عمان في التاسعة مساء".
وذهب الفريق إلى الضفة الغربية حيث أفاد المصري: "كنا سعداء، ولم نشعر بهذا الإحساس من قبل"- وأخبر عزام الأحمد (رئيس وفد "فتح" للمصالحة) أنهم اعتزموا أن يدعموا مبادرة محمود عباس حول غزة. وأضافوا :"كانت لنا سبعة لقاءات عظيمة في فلسطين لوضع كل الحركات هناك والمستقلين في الصورة. وأعطانا عباس بالفعل مرسوما رئاسيا. تكلمت مع خالد مشعل (رئيس المكتب السياسي لحماس الذي يعيش في دمشق) بالهاتف. وقال: (هل يوافق عباس على هذا؟). قلت إن هذه ليست القضية. ذهبت إلى دمشق في اليوم التالي مع حنا ناصر ومهدي عبد الهادي وهاني المصري. وبسبب كل الظروف الصعبة في سوريا اضطررنا لنسلك طريقا التفافيا حول درعا. كانت علاقتي حسنة مع مشعل. وقال إنه قرأ وثيقتنا- وأنها تستحق التفحص".
وكانت تلك إشارة لعدم الثقة المتبادل بين "حماس" و "فتح" بحيث أن كلا منهما كان يدقق في معرفة رد فعل الطرف الآخرعلى المبادرة قبل أن يتخذ قراره. وقال المصري :"قال لي مشعل:(ماذا يقول أبو مازن؟) ضحكت وأجبته (أنت دائما تسألني نفس السؤال- ولكن ماذا تريد أنت؟). التقينا مع زملاء مشعل، أبو مرزوق وعزت الرشق وعبدو عبد الرحمن. وراجعنا الوثيقة لمدة ستة ساعات ونصف الساعة. والشيء الوحيد الذي لم نحصل عليه من مشعل كان أن الحكومة يجب تشكيلها بالتوافق. أخبرناه لأن الحكومة ستكون حكومة وحدة وطنية- على أساس التفاهم بأنها ستشرف على الانتخابات وترفع الحصار عن غزة وتعيد بناء القطاع، وأن علينا الالتزام بالقانون الدولي، بميثاق الأمم المتحدة وقرارات الأمم المتحدة. وطلب مشعل مهلة ثلاثة أو أربعة أيام.
ووافق على أن المقاومة يجب أن تقتصر على ما فيه (المصلحة الوطنية للبلاد)- ويجب أن تكون أخلاقية. ولن تكون هناك صواريخ أخرى على المدنيين. وبكلمات أخرى، لا مزيد من الهجمات الصاروخية انطلاقا من غزة".
وأخبر مشعل المصري وأصدقاءه أنه قابل الرئيس السوري بشار الأسد، ونائبه فاروق الشرع ووزير خارجيته وليد المعلم. "وقال مشعل إنه أراد الحصول على دعمهما- ولكن في النهاية فالقرار للشعب الفلسطيني. كنا سعداء للغاية وقلنا (هناك اختراق صغير). وقال مشعل (لن نخذلكم). قلنا سننقل كل ذلك ل"فتح" والمستقلين في الضفة الغربية وللمصريين. في الضفة الغربية وصفت "فتح" الاتفاق بأنه (مبادرة "حماس")- لكننا قلنا لا، إنها صادرة عن الجميع. وبعد يومين قال مشعل إنه تحدث مع المخابرات المصرية وأنهم راضون عما قدمناه".
وكانت المفاوضات ناجحة. واقتنع المصري بإرسال اثنين من كبار رجالاته إلى القاهرة. وكان فريق المصري يأمل بأن يفعل عباس الشيء نفسه. وسافر أربعة رجال- اثنان من كل جانب- إلى القاهرة يوم 22 نيسان (أبريل). وقبل عام من ذلك، عندما حدث جمود في المفاوضات بين الحركتين في مصر، حاول نظام مبارك وضع المزيد من العراقيل في طريقهما. والتقى مشعل دون جدوى مع عمر سليمان- مدير استخبارات مبارك وأفضل صديق لاسرائيل في العالم العربي في مكة. وكان سليمان يعمل فعليا لصالح الاسرائيليين. والآن تغير كل شيء كليا.
وفي اليوم الذي توجه فيه عباس ومشعل إلى القاهرة، ذهب الجميع عدا رئيسي الحكومتين المتنافستين، فياض وهنية. ووافقت "حماس" خلال السنوات الأربع الماضية على أن اسرائيل استولت على المزيد من الأراضي في القدس وبنت مستوطنات إخرى كثيرة في الضفة الغربية المحتلة. وكان مشعل غاضبا عندما اعتقد أنه لن يتحدث من المنصة مع الآخرين- وهذا ما حدث خلال الاحتفال - ووافقت "حماس" على حدود 1967، أي اعترفت فعليا بوجود اسرائيل، وعلى الإشارة لـ "المقاومة" وعلى إعطاء عباس مزيدا من الوقت للتفاوض.
وإذا شاركت "حماس" في الحكومة، فعليها أن تعترف بدولة اسرائيل. ولكن إن لم يشاركوا، فليسوا مضطرين للاعتراف بأي شيء. ويقول المصري: "ليس من العدل ألقول (على "حماس" أن تفعل ما يلي). المقاومة يجب أن تكون تبادلية. ولكن ما داموا غير مشاركين في الحكومة الفلسطينية، فهم مجرد حزب سياسي وبإمكانهم أن يقولوا ما يريدون. وهكذا يتوجب على أميركا أن تكون مستعدة لرؤية "حماس" موافقة على تشكيل الحكومة. وستلتزم الحكومة بقرارات الأمم المتحدة - والقانون الدولي. ويجب أن يكون ذلك مشتركا. الجانبان كلاهما أدركا أنهما ربما يفوتان قارب الربيع العربي. لست أنا الذي فعلت ذلك - إنها حصيلة تركيبة من جهود كثيرة. ولو لم يرجع ذلك لمصر ورغبة الفصيلين الفلسطينيين، فلم يكن ذلك ليحدث". وفي أعقاب الاتفاق، وافق أنصار "حماس" و"فتح" على وقف اعتقال كل فصيل لأعضاء في الفصيل الآخر.
لقد كُشف النقاب عن القصة السرية للوحدة الفلسطينية الآن. وكان رد فعل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو على الأخبار - بعد أن رفض في البداية التفاوض مع الفلسطينيين لأنهم منقسمون - هو القول بأنه لن يتفاوض مع عباس إذا دخلت "حماس" في الحكومة الفلسطينية. ورفض الرئيس اوباما فعليا مبادرة الوحدة الفلسطينية. لكن حدود 1967 تعني أن "حماس" تقبل اسرائيل وأن مبادرة "المقاومة" تعني وضع حد لصواريخ غزة على اسرائيل. والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة تعني أن السلام يمكن أن يكتمل وأن دولة فلسطينية ستخرج إلى الوجود. وهذا، على الأقل، هو رأي الجانبين الفلسطينيين كليهما. وسينتظر العالم ليرى ما إذا كانت اسرائيل سترفض الاتفاق من جديد.
وكتب فيسك يقول: "لقاءات سرية بين وسطاء فلسطينيين، ومسؤولين في الاستخبارات المصرية، ووزير الخارجية التركي، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والقيادي في "حماس" خالد مشعل – تطلبت من الأخير رحلة سرية إلى دمشق والالتفاف حول مدينة درعا الثائرة - وحققت الوحدة الفلسطينية التي أزعجت كثيرا الإسرائيليين والإدارة الأميركية. وأنهت "فتح" و"حماس" أربع سنوات من الصراع في أيار (مايو) باتفاقية تعتبر حاسمة في سعي الفلسطينيين ومطالبتهم بدولة مستقلة.
وتظهر مجموعة من الرسائل المفصلة، التي اتفقت عليها جميع الأطراف، وحصلت "ذي اندبندنت" على نسخ منه، مدى تعقيد المفاوضات. كما سعت "حماس" وحصلت على دعم الرئيس السوري بشار الأسد، ونائبه فاروق الشرع ووزير الخارجية وليد المعلم. وكان من ضمن النتائج موافقة مشعل على إنهاء الهجمات الصاروخية من "حماس" على إسرائيل من غزة - لأن المقاومة ستكون من حق الدولة فقط - والموافقة على أن حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية ستكون على حدود عام 1967.
وقال أحد الوسطاء الرئيسيين، وهو رجل الأعمال الفلسطيني منيب المصري: "لولا وجود النية الحسنة من كافة الأطراف، ومساعدة المصريين وقبول السوريين – ورغبة الفلسطينيين في التوحد بعد بدء الربيع العربي، لما كان بإمكاننا تحقيق ذلك".
يذكر ان المصري كان قد ساهم في إنشاء "منتدى فلسطيني" للمستقلين بعد حدوث الانقسام بين "حماس" والسلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها "فتح"، بعد فوز "حماس" الكبير في الانتخابات عام 2006. وأضاف المصري: "ظننت أن الانقسامات التي ظهرت ستكون كارثية وقد تنقلنا أربع سنوات جيئة وذهابا بين الأطراف المختلفة، طلب مني أبو مازن أن أكون وسيطا عدة مرات. وقد عقدنا اجتماعات في رام الله، كان لدينا أشخاص من غزة، والجميع شاركوا. كان لدينا قدرات كبيرة".
وخلال ثلاث سنوات، قام أعضاء المنتدى الفلسطيني بأكثر من 12 رحلة إلى دمشق والقاهرة وغزة وأوروبا، والكثير من المبادرات تم رفضها. وتعامل المصري وزملاؤه بشكل مباشر مع رئيس وزراء "حماس" إسماعيا هنية في غزة. وخرجوا بمبادرة تبادل الأسرى من أجل إخراج القيادي الفتحاوي مروان البرغوثي من السجون الإسرائيلية، ثم بعد أن هبت رياح الثورة في تونس ومصر، طالب الشباب الفلسطيني في الخامس عشر من آذار (مارس) بالوحدة وإنهاء الخصومة بين "فتح" و"حماس".
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرفض دائما التحدث إلى عباس على أساس أن الفلسطينيين لم يكونوا موحدين. وحين تحدث عباس في السادس عشر من آذار عن انه "يفكر في الذهاب إلى غزة"، وقف المصري، الذي كان حاضرا، على كرسي وصفق بحرارة.
وقال المصري: "اعتقدت أن حماس سترد بطريقة إيجابية، ولكن في الأيام الثلاثة التالية بعد خطاب عباس، قدمت حماس ردا سلبيا. كان يريد انتخابات فورية وبلا حوار. لم تقدّر حماس ذلك، وذهب عباس إلى باريس وموسكو، للخروج من مزاجه السيئ، وفقا لبعض رفاقه. لكن المنتدى لم يستسلم".
وأضاف المصري: "كتبنا وثيقة - قلنا إننا سنذهب لرؤية المصريين، وتهنئتهم بالثورة. وهكذا عقدنا لقاءين مع رئيس الاستخبارات المصرية خالد عرابي، والتقينا محمد إبراهيم، وهو ضابط في الاستخبارات". وكان والد إبراهيم معروفا ببطولته في حرب عام 1973، حين أسر أعلى الضباط الإسرائيليين رتبة في سيناء. كما التقى الوفد مساعدي إبراهيم، نادر عسير وياسر عزاوي.
وذهب سبعة أعضاء من كل جزء في فلسطين لتمثيل الفريق في القاهرة. وهذه هي الأسماء التي ستكون في كتب التاريخ الفلسطيني في المستقبل. من الضفة الغربية، ذهب الدكتور حنا ناصر (رئيس مجلس جامعة بيرزيت واللجنة المركزية للانتخابات)، الدكتور ممدوح العكر (رئيس جمعية حقوق الإنسان)، مهدي عبد الهادي (رئيس جمعية سياسية في القدس)، هاني المصري (محلل سياسي)، إياد المسروجي (رجل أعمال في مجال الأدوية)، حازم القواسمي (مدير منظمة غير حكومية)، ومنيب المصري نفسه.
ومثل قطاع غزة كل من إياد السراج (الذي لم يتمكن من الذهاب إلى القاهرة بسبب المرض)، مأمون أبو شهلة (عضو في مجلس بنك فلسطين)، فيصل الشوا (رجل أعمال ومالك عقارات)، محسن أبو رمضان (كاتب)، راجح الصوراني (رئيس المجلس العربي حقوق الإنسان، ولم يذهب إلى القاهرة)، أبو حسن (عضو في الجهاد الإسلامي أرسله السراج)، وشرحبيل الزعيم (محام من غزة).
ويذكر المصري: "أمضى هؤلاء الرجال وقتا طويلا مع كبار رجال الاستخبارات المصرية، التقيناهم في العشار من نيسان (ابريل) لكننا أرسلنا وثيقة قبل وصولنا إلى القاهرة. وهذا ما جعل اللقاءات مهمة. في غزة، كان هناك "جانبان" مختلفان. وهكذا تحدثنا عن الوضع الدقيق، عن الغزيين في "سجن" غزة، وعن حقوق الإنسان، والحصار المصري، وعن الكرامة. كان الشوا يقول "نحن نشعر اننا بلا كرامة - وهذه غلطتكم". وقال عسير احد رجال الاستخبارات: "سنغير كل ذلك".
وأضاف المصري: "في الساعة السابعة مساء، عدنا والتقينا خالد عرابي ثانية، قلت له: انظر، أحتاج إلى هذه الأشياء من جانبك. هل تريد مبادرة جديدة، حزمة تضمن الفوز للجميع؟ هل ما يزال الملف الفلسطيني مرحبا به في القاهرة؟، فأجاب: "إنه طويل بعض الشيء، لكنه يعجبنا. هل يمكنكم الضغط على كل من (فتح) و(حماس) لإحضارهم إلى هنا؟ سنعمل معكم. اذهبوا وانظروا ما ستقوله (فتح) و(حماس) - وتعاملوا مع هذا بسرية". وافقنا، ثم ذهبنا لرؤية عمرو موسى (وهو الآن مرشح للرئاسة المصرية) في الجامعة العربية. وكان في البداية حذرا جدا – لكن في اليوم التالي، كان فريق عمرو موسى إيجابيا جدا. قلنا: امنحوا الأمر فرصة، وقلنا إن الجامعة العربية أنشئت من أجل فلسطين، وان لها دورا كبيرا في القدس".
وذهب الوفد للقاء نبيل العربي في وزارة الخارجية المصرية، وقال المصري: "قال لنا نبيل العربي: "هل يمكنني إحضار وزير الخارجية التركي؟"، الذي كان في القاهرة، وهكذا تحدثنا عن المبادرة معا. ولاحظنا وجود تقارب بين وزارة الخارجية والاستخبارات. ولهذا وجدت أن مصر "الجديدة" تتمتع بالكثير من الثقة - كانوا يتحدثون أمام تركيا، أرادوا التحدث امام تركيا. لذلك وافقنا على أن نتحدث جميعا، ثم عدت مع الآخرين إلى عمان في التاسعة مساء".
وذهب الفريق إلى الضفة الغربية حيث أفاد المصري: "كنا سعداء، ولم نشعر بهذا الإحساس من قبل"- وأخبر عزام الأحمد (رئيس وفد "فتح" للمصالحة) أنهم اعتزموا أن يدعموا مبادرة محمود عباس حول غزة. وأضافوا :"كانت لنا سبعة لقاءات عظيمة في فلسطين لوضع كل الحركات هناك والمستقلين في الصورة. وأعطانا عباس بالفعل مرسوما رئاسيا. تكلمت مع خالد مشعل (رئيس المكتب السياسي لحماس الذي يعيش في دمشق) بالهاتف. وقال: (هل يوافق عباس على هذا؟). قلت إن هذه ليست القضية. ذهبت إلى دمشق في اليوم التالي مع حنا ناصر ومهدي عبد الهادي وهاني المصري. وبسبب كل الظروف الصعبة في سوريا اضطررنا لنسلك طريقا التفافيا حول درعا. كانت علاقتي حسنة مع مشعل. وقال إنه قرأ وثيقتنا- وأنها تستحق التفحص".
وكانت تلك إشارة لعدم الثقة المتبادل بين "حماس" و "فتح" بحيث أن كلا منهما كان يدقق في معرفة رد فعل الطرف الآخرعلى المبادرة قبل أن يتخذ قراره. وقال المصري :"قال لي مشعل:(ماذا يقول أبو مازن؟) ضحكت وأجبته (أنت دائما تسألني نفس السؤال- ولكن ماذا تريد أنت؟). التقينا مع زملاء مشعل، أبو مرزوق وعزت الرشق وعبدو عبد الرحمن. وراجعنا الوثيقة لمدة ستة ساعات ونصف الساعة. والشيء الوحيد الذي لم نحصل عليه من مشعل كان أن الحكومة يجب تشكيلها بالتوافق. أخبرناه لأن الحكومة ستكون حكومة وحدة وطنية- على أساس التفاهم بأنها ستشرف على الانتخابات وترفع الحصار عن غزة وتعيد بناء القطاع، وأن علينا الالتزام بالقانون الدولي، بميثاق الأمم المتحدة وقرارات الأمم المتحدة. وطلب مشعل مهلة ثلاثة أو أربعة أيام.
ووافق على أن المقاومة يجب أن تقتصر على ما فيه (المصلحة الوطنية للبلاد)- ويجب أن تكون أخلاقية. ولن تكون هناك صواريخ أخرى على المدنيين. وبكلمات أخرى، لا مزيد من الهجمات الصاروخية انطلاقا من غزة".
وأخبر مشعل المصري وأصدقاءه أنه قابل الرئيس السوري بشار الأسد، ونائبه فاروق الشرع ووزير خارجيته وليد المعلم. "وقال مشعل إنه أراد الحصول على دعمهما- ولكن في النهاية فالقرار للشعب الفلسطيني. كنا سعداء للغاية وقلنا (هناك اختراق صغير). وقال مشعل (لن نخذلكم). قلنا سننقل كل ذلك ل"فتح" والمستقلين في الضفة الغربية وللمصريين. في الضفة الغربية وصفت "فتح" الاتفاق بأنه (مبادرة "حماس")- لكننا قلنا لا، إنها صادرة عن الجميع. وبعد يومين قال مشعل إنه تحدث مع المخابرات المصرية وأنهم راضون عما قدمناه".
وكانت المفاوضات ناجحة. واقتنع المصري بإرسال اثنين من كبار رجالاته إلى القاهرة. وكان فريق المصري يأمل بأن يفعل عباس الشيء نفسه. وسافر أربعة رجال- اثنان من كل جانب- إلى القاهرة يوم 22 نيسان (أبريل). وقبل عام من ذلك، عندما حدث جمود في المفاوضات بين الحركتين في مصر، حاول نظام مبارك وضع المزيد من العراقيل في طريقهما. والتقى مشعل دون جدوى مع عمر سليمان- مدير استخبارات مبارك وأفضل صديق لاسرائيل في العالم العربي في مكة. وكان سليمان يعمل فعليا لصالح الاسرائيليين. والآن تغير كل شيء كليا.
وفي اليوم الذي توجه فيه عباس ومشعل إلى القاهرة، ذهب الجميع عدا رئيسي الحكومتين المتنافستين، فياض وهنية. ووافقت "حماس" خلال السنوات الأربع الماضية على أن اسرائيل استولت على المزيد من الأراضي في القدس وبنت مستوطنات إخرى كثيرة في الضفة الغربية المحتلة. وكان مشعل غاضبا عندما اعتقد أنه لن يتحدث من المنصة مع الآخرين- وهذا ما حدث خلال الاحتفال - ووافقت "حماس" على حدود 1967، أي اعترفت فعليا بوجود اسرائيل، وعلى الإشارة لـ "المقاومة" وعلى إعطاء عباس مزيدا من الوقت للتفاوض.
وإذا شاركت "حماس" في الحكومة، فعليها أن تعترف بدولة اسرائيل. ولكن إن لم يشاركوا، فليسوا مضطرين للاعتراف بأي شيء. ويقول المصري: "ليس من العدل ألقول (على "حماس" أن تفعل ما يلي). المقاومة يجب أن تكون تبادلية. ولكن ما داموا غير مشاركين في الحكومة الفلسطينية، فهم مجرد حزب سياسي وبإمكانهم أن يقولوا ما يريدون. وهكذا يتوجب على أميركا أن تكون مستعدة لرؤية "حماس" موافقة على تشكيل الحكومة. وستلتزم الحكومة بقرارات الأمم المتحدة - والقانون الدولي. ويجب أن يكون ذلك مشتركا. الجانبان كلاهما أدركا أنهما ربما يفوتان قارب الربيع العربي. لست أنا الذي فعلت ذلك - إنها حصيلة تركيبة من جهود كثيرة. ولو لم يرجع ذلك لمصر ورغبة الفصيلين الفلسطينيين، فلم يكن ذلك ليحدث". وفي أعقاب الاتفاق، وافق أنصار "حماس" و"فتح" على وقف اعتقال كل فصيل لأعضاء في الفصيل الآخر.
لقد كُشف النقاب عن القصة السرية للوحدة الفلسطينية الآن. وكان رد فعل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو على الأخبار - بعد أن رفض في البداية التفاوض مع الفلسطينيين لأنهم منقسمون - هو القول بأنه لن يتفاوض مع عباس إذا دخلت "حماس" في الحكومة الفلسطينية. ورفض الرئيس اوباما فعليا مبادرة الوحدة الفلسطينية. لكن حدود 1967 تعني أن "حماس" تقبل اسرائيل وأن مبادرة "المقاومة" تعني وضع حد لصواريخ غزة على اسرائيل. والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة تعني أن السلام يمكن أن يكتمل وأن دولة فلسطينية ستخرج إلى الوجود. وهذا، على الأقل، هو رأي الجانبين الفلسطينيين كليهما. وسينتظر العالم ليرى ما إذا كانت اسرائيل سترفض الاتفاق من جديد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق