معركة المحللين السوريين
لم تمر تصريحات ريم حداد، مديرة التلفزيون السوري (السابقة)، لوسائل إعلام أجنبية على خير. فبعد يومين على انتقاد الصحف البريطانية لها وتشبيهها بمحمد سعيد الصحاف، وزير إعلام نظام صدام حسين عشية احتلال العراق، بسبب نفيها لوجود لاجئين سوريين في تركيا واعتبارها أن آلاف الفارين يقومون بزيارة لأهاليهم، أقيلت من منصبها. ومع أن ما قالته لا يتجاوز ما يقوله جحافل المحللين الجدد الذين يحتلون شاشات التلفزيونات منذ بدء الاحتجاجات، سواء كانوا نوابا في مجلس الشعب أو أساتذة جامعات تبين لاحقا أنهم متعاقدون مع أجهزة الأمن، أو مقاولون ومديرو صالات رياضة. حتى إن أحدهم اتصل بأكثر من وسيلة إعلامية خارجية عبر مراسليها، وعرض خدماته للظهور على الشاشة كـ«محلل سياسي سوري»، في حال الحاجة للاستماع إلى وجهة النظر السورية. وبمعنى آخر الدفاع عن النظام.
إلا أن سوء حظ حداد، كونها تجيد التحدث بالإنجليزية. فكان اختيارها لعرض الرأي السوري الرسمي في الإعلام الغربي. فسقطت في الهوة المهنية بين إعلام رسمي لا يتمتع بمصداقية، وإعلام غربي عالي الحرفية. فكان للسقوط وقع مدو في الصحف البريطانية التي تعاطت مع تصريحات حداد كـ«فضيحة بجلاجل»، بحسب التعبير المصري العامي، وأفردت صحيفة «التايمز» البريطانية نصف الصفحة الثالثة لنشر صور لحداد وقصة ساخرة حولها، تحت عنوان: «يهربون؟ يا إلهي.. لا.. هم فقط يزورون الماما، تقول الناطقة».
ما كان ليحصل ذلك، لو أن التصريحات التي أدلت بها حداد كانت لوسائل إعلام عربية، وهي التي تتعامل مع «المحللين» السوريين كتحصيل حاصل لإكمال عناصر القصة الخبرية، بإيراد الروايتين الرسمية وغير الرسمية مع وجهات نظر الطرفين، بغض النظر عن مصداقيتها ومدى منطقيتها. أما أصداؤها فلا تتعدى كونها نكاتا للتنويع على المشهد الدموي الحاصل في البلاد، على مبدأ شر البلية ما يضحك.
فبعد ثلاثة أشهر على بدء الاحتجاجات، فقد الشارع السوري الثقة بإعلامه. واتهمه المحتجون بالكذب السافر. ولم يعد يهتم بتحليلات النائب خالد عبود إلا قلة من مؤيدي النظام، مما دفع الناشطين إلى ابتكار ألقاب ساخرة مستنبطة من تعبيراته ومصطلحاته المكررة. كما تم تحوير اسم المحلل السياسي شريف شحادة الذي لم يسبق له الظهور لا في ساحة الإعلام ولا في المجال السياسي. كذلك طالب إبراهيم وبسام أبو عبد الله، أستاذ العلاقات الدولية، الذي أحرجه مذيع في قناة «بي بي سي العربية» لدى سؤاله «هل أنت ضابط أمن أم أستاذ جامعي، لأنك تقول اعتقلنا في بانياس أشخاصا على صلة بالموساد الإسرائيلي». فكان رد بسام أبو عبد الله: «أنا رجل أمن لوطني».
ثمة أسماء معينة اشتهرت خلال فترة الأحداث كناطقة رسمية ليس باسم النظام السوري، وإنما باسم الأجهزة الأمنية. ولوحظ تزايد أعداد هذا النوع من المحللين مقابل تناقص عدد المحللين القادمين من المؤسسات الإعلامية الرسمية. فبعد استبعاد رئيسة تحرير جريدة «تشرين» سميرة مسالمة لإظهارها شيئا من التعاطف مع أهالي محافظتها درعا حين كانت تحت الحصار، خلال مداخلة لها مع قناة «الجزيرة»، وكان هذا بعد أن وجه لها ابن عمها اتهاما بالكذب على شاشة «بي بي سي العربية»، فعوقبت بإقالتها من منصبها وإبعادها عن الشاشات. كذلك لم يعد يظهر نقيب الصحافيين إلياس مراد بكثافة مثل السابق، وحرم المشاهدون من قدرته الفائقة على قلب مضمون القراءات، كأن يعتبر إقالة مسالمة أحد إجراءات الحكومة الإصلاحية. كما غاب أيضا الإعلامي فايز الصايغ المدير العام السابق لأكثر من مؤسسة إعلامية، ليبقى صامدا في الميدان من الإعلاميين أحمد صوان، وأحمد الحاج علي. والأخير رفعت لافتات في المظاهرات التي خرجت في طول البلاد وعرضها تطالبه بالصمت.
الفراغ الذي شكله غياب هؤلاء، ملأه «محللون» جدد كثيرا ما اتهمهم بأنهم مدربون من قبل النظام ويستندون على الناشطون المعارضون باعتمادهم سلوكا موحدا للرد على أي أسئلة توجه من وسائل الإعلام الخارجية. فتكون البداية وأيا كان السؤال بتكذيب ونفي التقرير الإخباري الذي يسبق مداخلة المحلل. ومن ثم تسخيف سؤال المذيع، ليصل إلى مرحلة اتهام القناة بالتضليل. ومع الوصول إلى هذه المرحلة، تكون الدقائق المحددة للمقابلة قد شارفت على النهاية دون تقديم إجابات واضحة عن التساؤلات المطروحة. فعندما يسأل أحدهم على سبيل المثال عن سبب تعذيب الطفل حمزة الخطيب ورفيقه تامر الشرعي؟ يرد المحلل بأن «هؤلاء ليسوا أطفالا»، ولا يمنعه هذا النفي من «اتهام القناة بالمتاجرة بدماء الأطفال».
هذا بالنسبة لمداخلاتهم في الإعلام الخارجي. أما في الإعلام المحلي فيتحولون إلى خطباء واعظين، أو مناضلين حزبيين مهمتهم تعبئة الجماهير بخطاب يحرض على قمع المحتجين بلا رحمة. ولأن المشاهد السوري خبر هذا النوع من المحللين، تراه لا يستغرب ما قد يذهل المشاهد العربي والأجنبي عند رؤية ناشط سوري معارض في الخارج (خالد الخلف) في حلقة واحدة مع محلل من الداخل (طالب إبراهيم) على شاشة «العربية»، الأول يتهم الثاني بأنه كان يشرف على التحقيق معه وتعذيبه واقتلاع أظافره عندما كان معتقلا في أقبية المخابرات السورية، ورد عليه طالب بالشتيمة والنفي دون أن تؤدي هذه الواقعة إلى سحب المحلل طالب إبراهيم المتهم من التداول الإعلامي. بل نراه بعد أيام على شاشة سورية محلية «تلفزيون الدنيا» لا يكتفي بالمطالبة بقتل المتظاهرين وسحقهم لأنهم خونة، باعتباره ما يجري حربا بالوكالة بين سوريا وعملاء إسرائيل في الداخل، بل يتولى مهمة إرسال تهديدات مضمرة للأميركيين بأن بمقدور سوريا أن تخوض معارك شرسة كتلك التي سبق وشاركت فيها في مطار بغداد والفلوجة وتلعفر، في أول اعتراف سوري شبه رسمي بالضلوع في الأحداث الدموية التي شهدها العراق، الأمر الذي كان محط إنكار دائم من قبل النظام السوري، لدى اتهامه من قبل الأميركيين بإرسال مقاتلين إلى العراق.
المحللون السوريون الذين يجندهم النظام لتبرير سياساته، يناط بهم أيضا تمرير رسائل سياسية إلى الولايات المتحدة وأوروبا والعرب والأتراك، وإلى كل دولة تضغط أو تنصح أو تطالب النظام بالكف عن استخدام العنف في قمع الاحتجاجات. فكان لدولة قطر نصيب كبير من الهجوم الإعلامي، بسبب قناة «الجزيرة». ووصل إلى حد التشهير الشخصي بالعائلة الحاكمة في قطر. أما فرنسا، فكان أغرب تعليق سوري مرره ممثل درامي وبعثي عن الرئيس نيكولا ساركوزي، وقال بأنه «يعاني من عقدة نقص لقصر قامته». وسخر من انتعاله حذاء كعب عال، وقال إنه لذلك «لا يحق له التطاول على سوريا». تعليق هذا الممثل جاء في الشهر الأول من الاحتجاجات حين تم سوق الفنانين السوريين من نجوم الدراما العربية الذين أحبهم المشاهدون العرب في مسلسل «باب الحارة»، إلى شاشة التلفزيون السوري، ليقوموا بتوجيه رسائل إلى الجمهور السوري تحضه على مناهضة الاحتجاجات، ووصف المتظاهرين بـ«الرعاع والمندسين»، وإعلان الولاء المطلق للرئيس السوري، وذلك على هامش انخراطهم في تحليل سياسي للأحداث الجارية قوامه تقديم الموعظة الحسنة في حسن الولاء. وقدم في ذلك النجم العربي دريد لحام نموذجا صارخا في تصريحات تلفزيونية قال فيها «إن الجيش السوري لا يجب أن يحارب العدو الإسرائيلي، وإنما يجب أن يحافظ على السلام الأهلي الداخلي». فاستحق مع عدد كبير من الفنانين، التربع على رأس «قوائم العار للمناهضين للثورة» التي أنشأها الناشطون على صفحات موقع «فيس بوك».
فكرة استضافة الفنانين على الشاشة الوطنية، كانت تلبية للرؤية الإعلامية الخاصة التي تمتع بها وزير الإعلام السابق محسن بلال، والتي اتصفت بالاستسهال والارتجال. ولكن مع تعيين عدنان محمود وزيرا للإعلام، كانت محاولته واضحة لفرض معايير مهنية قدر ما تسمح به الهوامش. فتم تركيز التوجه إلى الإعلاميين وأساتذة الجامعات، لا الفنانين، بعد استفحال الخلافات بينهم، وتراشق الاتهامات والتخوين.
ولوحظ تراجع طفيف لخطاب احتكار الوطنية، بما يعني تماهي الانتماء للوطن مع حب الرئيس القائد، دون أن يتراجع خطاب التحريض والإقصاء. ومع مجيء محمود إلى وزارة الإعلام قادما من وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، بدا وكأنه يبذل جهدا لإعادة الهيبة للإعلام الرسمي من خلال استبدال الإدارات، ومنحهم هامشا للاجتهاد أثمر عن استضافة أصوات محايدة نوعا ما. بينما الوسائل شبه الرسمية ما زالت عاجزة عن اللحاق بهذه الخطوات رغم قصرها، لأنه وكما هو معروف في سوريا كأي دولة أمنية، أن من يدير الإعلام ليس وزارة الإعلام، وإنما الأجهزة الأمنية الممسكة أيضا بعنق الإعلام الخاص، ليصح عليه وصف أنه «شبه رسمي» بمعنى «ملكي أكثر من الملك».
فما تبثه قناة «تلفزيون الدنيا» وقناة «الإخبارية» والمواقع الإلكترونية الإخبارية من تقارير وبرامج لتأكيد الرواية الرسمية عن المندسين والمخربين والتنظيمات المسلحة، لا تجرؤ وسائل الإعلام الرسمية على بث مقدار ربعه، فمثلا يمكن لقناة تلفزيونية غير رسمية ترويج شائعات عن أن «علب المياه والكولا التي يقذفها الأهالي للمتظاهرين من النوافذ والشرفات هي مشروب طاقة يحتوي على أدوية منشطة وحبوب هلوسة، تجعل المتظاهر يتصرف بغرابة، فيخلع ملابسه ويواجه السلاح بصدر عار». هذا ناهيك عن استضافة من تصفهم بأنهم محللون سياسيون من مسؤولين وضباط سابقين في الجيش، ليثبتوا أن الداعية الشيخ عدنان العرعور ابن حماه المنفي من ثلاثين عاما، والعدو اللدود للنظام، أنه «فصل من الحزب والجيش لأن لديه مشاكل أخلاقية».. إضافة إلى شائعات شبيهة يروجونها على أنها حقائق دامغة، تطال شخصيات أخرى بهدف تهشيم ليس فقط سمعة من يناهض النظام، بل من لا يتعاطف معه أيضا، لإضعاف مصداقيتهم لدى الجمهور السوري.
ويقول معارضون أنهم لم يعد خافيا أن النظام السوري يخوض معركته الإعلامية، بالعقلية ذاتها التي يدير بها قمع الاحتجاجات في مختلف أنحاء البلاد. وكما يرسل الشبيحة وعناصر الأمن المسلحين والمدنيين المزودين بالسلاح والهراوات والقنابل المسيلة للدموع، يقوم بتصدير متعاونين مع الأمن بصفة محللين إعلاميين وغير إعلاميين من المؤيدين له، لينتشروا في الشاشات المحلية والخارجية، وبكل الوسائل، إما عبر الهواتف أو عبر رسائل قصيرة، مدججين بمفاهيم الإقصاء والتسخيف والعنف. ولا يتورعون عن الدعوة جهارا للقضاء على المحتجين وسحقهم ووصفهم بـ«الحثالة»، مع إصرار على ترويج الروايات الرسمية ومستلزماتها من تعليقات وتحليلات تنسف وتدحض كل الروايات الأخرى المخالفة عن الأحداث الجارية. ومن الصعب التثبت من علاقة المحللين بالنظام, والنظام بذلك لا يأتي بجديد عبر هذا السلوك، بل هو تكرار للنموذج الإعلامي العربي الرسمي حيال الثورات في ليبيا واليمن ومن قبلهما في مصر، مع التنويع بحسب الخصوصية.
الخصوصية السورية، تجاوزت مقولة الإعلام الدعائي المنقرض «اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون». فالنظام نفسه يعلم تمام العلم أنه ليس موضوعيا وأن مصداقيته غير عالية، وبشهادة الرئيس السوري الذي قالها أكثر من مرة للوفود الشعبية التي قابلها وآخرها وفد بلدة جوبر (ريف دمشق)، برده على انتقادهم للإعلام السوري واتهامهم إياه بالكذب، بالقول: «إن التلفزيون السوري لا يعمل بشكل جيد. فهناك مناطق قال إنه لا توجد فيها مظاهرات، وتبين لنا عكس ذلك».
كما أن النظام في الوقت نفسه، يبدو أنه غير مهتم بأن يصدق أحد إعلامه، بقدر ما يهمه تمييع الحقائق وخلط الحابل بالنابل، وضرب مصداقية وسائل الإعلام الخارجية. وقد ظهر هذا بوضوح في القصة الملتبسة لتصريح سفيرة سوريا في باريس لقناة «فرانس 24» الذي تبين أنه مقلب، لم يُعرف من الذي دبره، على غرار مقالب «غوار الطوشة» الشخصية الشامية الكوميدية الشهيرة, خصوصا وأن الإعلام السوري يعتبر المحطة اللندنية من بين وسائل الإعلام الخارجية المغرضة ولا يوفر مناسبة للانقضاض عليها. والأسبوع الماضي كان أسبوع الهجوم على قناة «بي بي سي» العربية.
كشف ذلك الهجوم عن أساليب جديدة بدأت الأجهزة الأمنية استخدامها للنيل من الإعلام الخارجي. إذ تمت دعوة نحو عشرين قناة تلفزيونية فضائية عربية وأجنبية لمرافقة الجيش السوري إلى منطقة جسر الشغور لتغطية وقائع العملية العسكرية، مع الإشارة إلى أن جميع المراسلين سوريون، ما عدا مراسل قناة «العالم» الإيرانية، والذي كان لبناني الجنسية.
ما حصل أن مراسل «بي بي سي» لم يتمكن من تلبية الدعوة لأسباب تقنية بحتة، بسبب عدم وجود مصور معه بعد أن انتقل مصور القناة إلى القاهرة بسبب عدم توفر عمل كاف له في سوريا بعد منعه من التصوير في الكثير من الأماكن. وأبلغ مراسل «بي بي سي» وزارة الإعلام السورية بذلك مع طلب المساعدة التقنية. وبحسب تصريحه له على شاشة «بي بي سي» العربية، رد المراسل على المحلل السياسي بسام أبو طالب الذي اتهمه بعدم تلبية دعوة الجيش لتغطية الأحداث في جسر الشغور وشرح الواقع. لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، إذ عاد بسام أبو طالب لتوجيه الاتهام ذاته عبر إذاعة «شام إف إم» المحلية. وحين كرر الجيش الدعوة للمراسلين لتغطية خبر اكتشاف مجزرة جماعية، ذهب مراسل «بي بي سي». إلا أن التقارير والصور التي بثها مراسلو القنوات الخارجية، عدا عن تأخرها عن تقارير التلفزيون السوري، لم تأت بأي معلومة خارج سياق الرواية الرسمية، لا بل ظهروا وهم يحققون مع شخص قيل إنه إحد الإرهابيين الذين ارتكبوا المجزرة، وكأنهم «ارتضوا أن يكونوا كومبارسا غير مأجور» في المسرحية الرسمية بحسب وصف الكاتب السوري حكم البابا، في تعليق له على صفحته في موقع «فيس بوك».
ورغم مشاركة قناتي «بي بي سي» العربية و«العربية» في تغطية ما سماه النظام «مجزرة جماعية ارتكبتها تنظيمات مسلحة» بحق عناصر الأمن في جسر الشغور، فإن الحملة عليهما لم تتوقف. فكتب صحافي سوري في جريدة «السفير» اللبنانية: «العربية وبي بي سي العربية، ورغم وجود مراسليهما في جسر الشغور، فإنهما لم تبادرا إلى إعداد تقارير عما قامتا بتصويره. وهما اللتان طالبتا السلطات السورية مرارا بالسماح للمؤسسات الإعلامية بالدخول إلى سوريا». وتساءل الصحافي بصيغة مشككة: «لماذا تتمسكان مجددا بتكذيب الرواية السورية مع أنهما كانتا على أرض المجزرة؟». كما استضاف التلفزيون السوري مراسلي قناتي «العالم» الإيرانية و«الجديد» ليتحدثا عما شاهداه في جسر الشغور. فكرسوا حوارا امتد لأكثر من ساعتين لانتقاد مراسل «بي بي سي» العربية الذي تخلف عن الدعوة في اليوم الأول احد المراسلين، والذي ظهر إلى جانبه جندي سوري يلقمه سؤالا ليلقيه على من قيل إنه «إرهابي» ضالع في ارتكاب المجزرة. أما مراسل تلفزيون «الجديد» اللبناني، فإن موقعه المهني كمراسل لتلفزيون خارجي وكإعلامي لم يمنعه من وصف المتظاهرين في سوريا بـ«الحثالة»، وحتى «حثالة الحثالة» لأنهم يخرجون إلى الشارع «وهم من ضعاف النفوس».
الطريف أن القصة التي أريد للإعلام الخارجي تمريرها دون نقاش، واستضيف المراسلون الذين زاروا جسر الشغور تباعا على التلفزيون السوري لإعادة روايتها كشهود عيان، تفتقر لأدنى عناصر المصداقية. فالشاب الذي ظهر على أنه إرهابي ووجه له مراسلو قناة «المنار» والتلفزيون السوري أسئلة نفسية، مثل «ما هو شعورك كسوري وأنت ترى المقبرة الجماعية»، أو «لماذا قمتم بقطع الرؤوس»، والتي لم يجب عن أي منها، وقال كلمات غير مترابطة وغير مفيدة، تدل على اختلال في تفكيره. وقد أكد ناشطون من المنطقة لقنوات فضائية معارضة، أن الشاب الذي ظهر، يعاني من تخلف عقلي وهو معروف لدى أبناء المنطقة. وبحسب مصادر محلية، فإن الشاب ذهب إلى الجيش وراح يقول لهم: «أنا قتلتهم، أنا قتلتهم»، وهو يرشدهم إلى أماكن تواجد السلاح دون أن يجدوا شيئا. ورغم هذه المعلومات المشككة، استمر الإعلام السوري في تكريس قصته، واستثمارها في إلقاء التهم على القنوات الخارجية التي لم تشارك في تعميمها. وقامت صحيفة «الثورة» بإعادة نشر مضمون حوار التلفزيون السوري مع مراسلي قناة «العالم» وتلفزيون «الجديد» على صدر صفحتها الأولى.
يتضح من هذه الحملة الأساليب الجديدة المتبعة في تسديد ضربات مؤلمة لمهنية المراسلين، لتصيب المؤسسات التي يعملون لحسابها، تارة عن طريق ترويج قصص امتناعهم عن التغطية، وأخرى عبر إحراجهم، أو تحريضهم على الغمز من قناة مهنية زملائهم. وتضاف هذه الأساليب المبتكرة إلى غيرها من الوسائل التقليدية التي دأبوا عليها منذ بداية الأحداث، عبر نشر قوائم «عار للمتآمرين على الوطن»، وحض مؤيدين على الاتصال بالمراسلين والضغط عليهم لتقديم استقالاتهم من العمل في الإعلام الخارجي «المغرض». ومن لا يستجيب يتعرض لحملة شعواء تصل حد التهديد المباشر، كما تعرض منزل أهل المذيعة السورية رولا إبراهيم في قناة «الجزيرة» للحرق، بسبب رفضها تقديم استقالتها. واضطر أهلها إلى إصدار بيان يلومونها فيه على عدم الاستجابة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق