السبت، 30 أبريل 2011

المأزق الإيراني في دمشق


إبراهيم الزبيدي,,,

بالمتابعة الدقيقة المتأنية لممارسات الحكم (الطائفي) المتزمت في إيران، على امتداد أربعة عقود، نرى العجب العجاب. ففي كل مدينة من مدن العراق ولبنان وفلسطين واليمن والسعودية والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وسوريا ومصر والمغرب والسودان وأوربا وأميركا، آثارٌ دامية من أفعال هذا الولي الفقيه، وتدخلات حكومته العابثة المشاكسة المؤذية، سالت وتسيل، بها وبسببها، دماءٌ بريئة، وذرُفت وتُذرف دموعٌ غزيرة من أمهات على أبائهن، ومن زوجات على أزواجهن، ومن أطفال على آبائهم أو أمهاتهم، ودُفنت وتُدفن جثثٌ تحت الأنقاض، وتعطلت وتتعطل وتتعقد حياة الناس البسطاء، وتتعثر السياسة، ويموت الاقتصاد، وينتعش الإرهاب، وتزدهر الجريمة.

ثم نكتشف أن لسوريا ولنظامها الانتهازي الكريه حصة َ الأسد من كل ذلك الخراب.

ولهذا السبب لا نجد اليوم من يعطف على هذا النظام ويسنده في محنته سوى شلة قليلة من أعوانه من المستفيدين من ديكتاتوريته وفساده، وسوى إيران ومقاتلي حزب الله وبعض فصائل فلسطينية مأجورة من قبل النظام تسيء إلى قضية شعبها الفلسطيني ومصالحه الأساسية العليا، مع الأسف الشديد.

ويجهل كثيرون، خصوصا من الأجيال الجديدة من السوريين والعرب، مسلسل تصرفات النظام الدموي الحاكم في سوريا، منذ هيمنة حافظ الأسد على السلطة في عام 1970 وإلى اليوم. ولبيان أهم وقائع حياة القائد المؤسس، ندرج ما يلي:

- في عام 1946 انضم إلى أول خلية بعثية في اللاذقية.

- فشل في الدخول إلى كلية الطب فانتسب للجيش.

- في عهد الوحدة بين مصر وسوريا أوفده الحزب للعمل في القاهرة ضمن سرب القتال الليلي السوري، بموجب خطط تبادل الخبرات بين البلدين.

- عندما حل حزب البعث نفسَه نزولا عند شرط جمال عبدالناصر لقبول الوحدة، عارض حافظ الأسد وبعضُ رفاقه الضباط البعثيين الموجودين في مصر قرار الحل، وشكلوا ما سمي بـ "اللجنة العسكرية" التي شاركت في الانفصال، وقادت جميع الانقلابات التي حدثت في سوريا بعد ذلك.

- وحين وقَّع حزب البعث على وثيقة الانفصال سجن المصريون حافظ الأسد ورفاقه أعضاء اللجنة العسكرية، ثم أطلقوا سراحهم مقابل إطلاق سراح ضباط مصريين كانت قد اعتقلتهم حركة الانفصال التي كان البعث أحد أقوى أركانها.

- بسبب معارضته للانفصال طرد حافظ الأسد من الجيش ونقل إلى إحدى الوزارات.

- بعد شهر واحد من انقلاب بعث العراق في 8 شباط/فبراير 1963، قام البعث السوري في 8 آذار/مارس 1963 بانقلاب مماثل في سوريا، فأعاده رفيقه الزعيم صلاح جديد إلى الجيش.

- في 1964 رقاه من رائد إلى لواء وعينه قائدا للقوة الجوية.

- وعندما نجح انقلاب صلاح جديد على رفاقه ميشيل عفلق وأمين الحافظ عين حافظ الأسد وزيرا للدفاع.

- في عام 1967 وقع خلاف بين الصديقين، فقد اتهمه صلاح بأنه سحب الجيش من الجولان، وأعلن سقوط القنيطرة قبل حدوث ذلك على الأرض، وأصدر أمرا بإقالته من وزارة الدفاع، وطرد مصطفى طلاس من رئاسة الأركان.

- رفض الأسد ومصطفى طلاس أمر الإقالة، وقاما بانقلاب في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970، تولى فيه الأسد رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع، ورمى بصلاح جديد ورئيس الجمهورية نور الدين الأتاسي ويوسف زعين وغيرهم من رفاقه في السجن دون محاكمة.

- أصبح رئيسا للجمهورية في 12 آذار 1971 في استفتاء شعبي عام. ومن ذلك اليوم ظل السوريون يُجددون له التفويض في استفتاءات متتابعة تديرها المخابرات، إلى أن مات في عام 2000.

- ساهم بفاعلية في إشعال الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، حيث كان داعما قويا لـ "اليساريين" اللبنانيين بقيادة كمال جنبلاط، والفلسطينيين بقيادة ياسر عرفات، ومحرضا لهم على مقاتلة الموارنة "اليمينيين".

- يومها، وكنتُ في بيروت طيلة الحرب الأهلية، أخبرني الصديق الشاعر والقيادي الفلسطيني المهمٌ بأنهم كانوا يستنجدون بالسوريين لإطفاء الحرائق في الفنادق الكبرى في بيروت الغربية، وأنه، وآخرين من رفاقه، قد اكتشفوا أن المطافيء العائدة للجيش السوري في لبنان كانت تأتي مُحملة بالوقود بدل الماء، لتزيد النار اشتعالا، لحسابات خبيثة غير وطنية وغير نزيهة.

- في أعقاب مذبحة تل الزعتر التي قام بها حزب الكتائب اللبناني بإشراف شارون، أدخل حافظ الأسد قطعات عديدة من الجيش السوري إلى لبنان لإنقاذ الكتائب والجبهة المارونية التي كان إعلامُه يصفهم بأنهم عملاء للصهيونية ولأميركا من سقوط محقق كان وشيكا على أيدي حلفائه اللبنانيين والفلسطينيين، بحجة أن الفلسطينيين قصفوا قطعات الجيش السوري.

- تحولت قواته في لبنان إلى قوات ردع بتفويض عربي ودولي، بحجة إنهاء الحرب الأهلية، ولكنها أصبحت قوات احتلال، بكل ما تحمله كلمة "احتلال" من معنى.

- قامت مخابراته في لبنان باغتيال الحليف القديم كمال جنبلاط.

- وقامت باختطاف الصحفي سليم اللوزي صاحب مجلة الحوادث، لأنه كان يهاجم الأسد ويطالب بخروج الجيش السوري المحتل، وأذاب الخاطفون يده اليمنى التي كتب بها هجومه على الرئيس الأسد بالأسيد، ثم رموه في أحد شوارع بيروت جثة ممزقة، عبرة لمن يعتبر من الإعلاميين والسياسيين.

- أذاقت قوات الردع السورية جميع اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، أمرَّ عذاب، وتحكمت بحياتهم بلا رحمة، وكانت حواجز الجيش السوري في لبنان تصادر وتعتقل وتقتل وتغتصب، دون حسيب ولا رقيب.

- في عام 1979 تولى صنوُه البعثي الشرس صدام حسين رئاسة العراق، فدشن عهده بحفلة إعدام أعوان حافظ الأسد من أعضاء القيادة البعثية في العراق، في مجزرة قاعة الخُلد الشهيرة.

- واندلع الصراع بين الشريرين القوييْن الدموييْن، صدام وحافظ، ودفع الشعبان، العراقي والسوري، ثمنا باهضا لذلك الصراع.

- أقام الأسد سدا على الفرات، واحتبس 70 بالمئة من مياه النهر، وأمات الزرع والضرع في جميع المدن العراقية الواقعة على الفرات، بهدف إضعاف نظام صدام.

- أغلق الأسد خط الأنابيب الذي ينقل النفط العراقي إلى بانياس على البحر المتوسط، وحرم الخزانة السورية والأردنية من العوائد المجزية التي كان العراق يدفعها مقابل مرور النفط عبر أراضي الدولتين، ناهيك عن تعطيل مئات الموظفين والعمال الأردنيين والسوريين الذين كانوا يعملون في خدمة الأنبوب. كما حَمَّل الخزانة العراقية تكاليف باهضة لتمديد خط أنابيب جديد عبر تركيا وآخر عبر السعودية.

- لم تتوقف الغارات الانتقامية الدامية بين مخابرات البعثيْن، السوري والعراقي، من عام 1979 ولغاية سقوط نظام البعث في العراق في 2003، وراح ضحيتها المئات من الأبرياء، كان آخرَها تفجيرُ السفارة العراقية في بيروت عام 1983 والذي قتلت فيه بلقيس الراوي زوجة الشاعر الكبير نزار قباني الذي قال فيها يومها:

"هل موتُ بلقيسٍ هو النصرُ الوحيدُ بكل تاريخ العربْ؟

بلقيس يا معشوقتي حتى الثماله

الانبياءُ الكاذبونَ يُقرفصون ويكذبون على الشعوب، ولا رساله

لو أنهم حملوا إلينا من فلسطينَ الحزينة ِ نجمة ً أو برتقاله

لو أنهم حملوا إلينا من شواطي غزة ٍ حجراً صغيرا أو محاره

لو أنهم من ربع قرنٍ حرروا زيتونة ً أو أرجعوا ليمونةً ومحوْا عن التاريخ عارَه

لشكرتُ مَن قتلوك يا بلقيسُ، يا معبودتي حتى الثماله

لكنهم تركوا فلسطيناً

ليغتالوا غزاله "

- من عام 1979 وضع الأسد حزبَه وطاقات الدولة السورية وقدراتها كلَّها، عسكرية ً ومدنية، تحت تصرف الخميني. ووقف، بلا حدود، مع إيران في الحرب العراقية الإيرانية من 1980 ولغاية 1988، وتسبب في قتل آلاف الجنود العراقيين والضباط، ومنهم كثيرون من رفاقه البعثيين، بدافع الانتقام من صدام، ولكنه كان يذبح أهله العراقيين، بسواد قلب وغياب رحمة وشهامة وأخلاق.

- كان من أكثر الزعماء العرب معارضة لوقف إطلاق النار بين إيران والعراق، وكان جسرُه الجوي لتزويد إيران بالعتاد والسلاح والغذاء والدواء وحتى الرجال لا يتوقف، ولكنه كان يبخل على أشقائه العراقيين بماء الفرات.

- وانتهز الأسد فرصة حماقة صدام باحتلال الكويت فوقف بشدة وإصرار إلى جانب قوات التحالف التي قادتها أميركا لإخراج قوات الغزو من الكويت وتدمير العراق.

- أجاد فن المناورة والمحاورة واللعب بالأوراق، وعاش على مصائب الآخرين.

- أمسك بالورقة الإيرانية بحنكة ومهارة، بيديه وأسنانه، وجعل منها منجم الذهب الفريد، وراح يبتز بها دول الخليج وأوروبا وأميركا وإسرائيل، حتى عجزت كل أموال الخليجيين التي كانت تصب عليه وعلى نظامه، وكلُ محاولات أميركا وأوروبا عن حمله على التخلي عن تحالفه مع إيران، رغم تعدياتها وتدخلاتها المخربة في شؤون دول المنطقة الأخرى، وتهديد أمن المنطقة وسلامها.

- جعل نفسه قيما على العروبة الصمود والتصدي، واحتضن الفصائل الفلسطينية للمقايضة بها واسثمارها عند الضرورة. لكنه لم يسمح لأي فلسطيني ولا عربي بأن يطلق من الحدود السورية ولو رصاصة واحدة على إسرائيل.

- من أول ولادة حزب الله اللبناني الإيراني ونظامُ الأسد جسرٌ لسلاحه ومقاتليه، وداعمٌ قوي لتهديدات حسن نصرالله وعنترياته ضد اللبنانيين.

- هو الحاضن الوحيد لحماس، وناقلُ المساعدات الإيرانية العسكرية والمالية إليها، دون توقف، جاعلا منها ومن حزب الله ورقتين ساخنتين مضافتين إلى أوراقه السياسية التي يستثمرها بجدارة مع إسرائيل ومع أميركا وأوربا ودول الخليج.

- فتح أبوابه على مصاريعها لعصابات البعثيين العراقيين المطرودين بعد سقوط نظام صدام، يدربهم ويجهزهم ويعيدهم إلى العراق، مع قتلة القاعدة، لذبح العراقيين في المساجد والحسينيات والمدارس والأسواق والمستشفيات لأهداف وحسابات انتهازية مصلحية ضيقة وغبية، دون ريب.

- ومن يوم وفاة الأسد الأب، والابن على خطى والده، وزيادة. جزار بامتياز، ومراوغ بحرفة واقتدار، يقتل القتيل ويمشي في جنازته. ألغى قانون الطوارئ لخداع الجماهير، لكنه قتل واعتقل وعذب، بأكثر وأشد وأعنف مما كان يفعله في ظل قانون الطوارئ العتيد.

لكن، وبرغم كل ما سبق، فنحن متفائلون. فالجماهيرُ السورية البطلة تعرف حق المعرفة خامة النظام الذي تقارعه، وتعلم بأن الأكثرَ إضرارا بمصالحها الأساسية هو التصاق النظام بإيران، وجعلُه سوريا جسرَها الوحيد لتهريب السلاح إلى أذرعها العسكرية في لبنان وفلسطين واليمن ومصر وشمال أفريقيا. وتعلم أن جزء كبيرا من كره العالم لإيران قد لحق بالشعب السوري، حتى أصبحت سوريا منبوذة ومكروهة ومثار غضب وخوف وحقد من شعوب الدول العربية قاطبة، ومن دول العالم الأخرى. إننا موقنون بأن نجاح الانتفاضة الباسلة، في النهاية، سيعيد لسوريا صوتها الأصيل، وسيغسل وجهها الكريم مما علق به من دم ودخان.

تخيلوا معي ما سوف يحدث عما قريب. إن رحيل نظام الأسد محسومٌ ومؤكد وقريب، مهما فعل، ومهما فعلت إيران لإنقاذه من السقوط.

وبرحيله سيفقد نظام خامنئي ونجاد طريق العبور إلى لبنان وفلسطين ودول الخليج. وقد يقدح سقوط حليفه الوحيد زناد الثورة الديمقراطية في إيران ذاتها ضد تخلف النظام وعبثه وعدوانيته المتزايدة.

عندها، ودون شك، ستعود إيران إلى شعبها وإلى جيرانها دولة عاقلة عادلة تساهم في استقرار المنطقة وازدهارها، لا في دمارها وإقلاقها وتهديمها، وستصبح الحياة في سوريا ولبنان والعراق واليمن وفلسطين والخليج أجمل وأكرم، وأكثرَ أمنا وسلاما وطمأنينة. هل مَنْ يشك فيما أقول؟

ليست هناك تعليقات: