حنان مفيد فوزى
بما أن نصفنا خوف والنصف الآخر ترقب من إعصار وثائق وشواهد وأحداث تبدلت فيها الوجوه والنوايا والأعمال والروابط بينهم، وتكتلت معها المواد والنصوص ضد الشرعية الثورية، وعليها انحرفت المعانى عن مسار مضامينها، فتحول التفكير بالعقل والحكمة والمبدأ إلى التكفير بالعقول والأحكام والمبادئ، وحيث إننا لا نملك ثقافة المناعة ضد التحولات القصوى، وبالتالى عُرضة لتحرشات السادة والعامة، فالبديهى أن نتخذ بكل طوائفنا قراراً بالهجرة، إما للداخل تحت عزلة جبرية أو للخارج حسب تأشيرات الشيخ يعقوب لكندا وأمريكا.
وحتى لا يقودنا التكفير والهجرة إلى التفكير فى الهجرة، فالواجب على مقالى أن يكون حاملاً لمعلومة مضادة لانتفاخ الشائعات المغرضة ومهدئة لسعال التصريحات المربكة حتى نُرزق جميعاً بما يريح خواطرنا (وطبعاً ما يعديش على مصرى إن الانتفاخ سببه فلافل النظام وألاعيبه الحارة لنشر الفوضى، أما السعال فللذين عانوا من احتباس للصوت والبول لمدة ٣٠ سنة ومعظمهم منشق على ذاته وذوّيه، وبيصدر لنا إفرازات لزجة لزرع البلبلة، وكلاهما بيلعب ف دماغنا وأرزاقنا).. المهم.. من جهة أن المقال حامل، فهو حامل بالفعل لكن فى تلت شهور من الانقسامات الحادة والانتماءات المتضاربة والقوانين الافتراضية، ويخشى على مستقبل جنينة المصرى من عمليات التصفية التى يتعرض لها على يد القراصنة، وليست لديه رؤية تصورية لما ستصل إليه الحال، شأنه فى ذلك شأن الغالبية الصامتة «أم ٦٨ مليون» والتى لم تشارك فى الاستفتاءات الأخيرة، فكانت النتيجة (لا) مكتومة فى البيوت بنسبة ٧٧% فى مقابل ٢٣% بتوع (نعم) المعلنة فى اللجان وتعدادهم ١٨ مليوناً فقط، أما مسبباتها فخد عندك أعراض دَوار وطفح سياسى للصبح، أولها قانون الأحزاب الجديد اللى وّسع المشاركة ع البحرى، فصارت التشكيلات أقرب إلى خلايا، بدءاً من الإخوان - وهم الفصيل الأكثر من ٣٠% حضورا من أول لجنة إعداد الدستور - لحد غزوة الصناديق، وإلى جوارهم تيار النهضة السلفى المتضخم فى العشوائيات والنجوع البعيدة عن الاهتمام الإعلامى، ورغم اختلاف منهج وخطاب كل منهما،
فلا تندهش يا مؤمن إذا وجدتهما يتحالفان مع القوى الوطنية المتمثلة فى تكتل (كرامة الغد الوفدى التجمعى الناصرى) بهدف التواجد فى كل منافذ البيع دون الكشف عن هويتيهما، وفى مقابلهما يأتى حزب العدالة والتنمية الذى يؤمن بالعلمانية ثم التكتل القبطى الحر حتى الآن، وسيولة أخرى لأحزاب الجيل والأحرار والعربى الاشتراكى وتزيد عليهم الائتلافات الشبابية التى بكل أسف لا تمثل كتلة تصويتية واحدة، هذا فضلاً عن تأسيس حزب يضم مشايخ الطرق الصوفية، ويبقى الحزب الوطنى بما يملك من تركيبة وقواعد جاهزاً للانقضاض بمسميات جديدة عن طريق رجاله الذين يعملون فى المجالس المحلية والوزارات والهيئات حتى الآن.
الخلاصة أن صراع الجبابرة سينحصر بين الوطنى والإخوان السلفى للوصول إلى السلطة حتى لو تم تأجيل الترشيح للظرف المرحلى الذى تمر به البلاد، فوارد توريثه مستقبلاً، خصوصاً أن الأحزاب الأخرى، لا عندها فرصة للنمو وتوحيد الصفوف، ولا مساحة لتعبئة الرأى العام لضمان نقلة مدنية، ورغم سياسة الانفتاح للأحزاب بالإخطار فإنه لا يحق لها الاعتراض على مواد الدستور أو الصلاحيات الممنوحة للقادم، ده غير إن الدستور المعدّل منح رئيس المحكمة الدستورية العليا الحق فى الفصل فى الطعون الانتخابية سواء كانت برلمانية أو رئاسية، ورئيس المحكمة أصلاً هو رئيس اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة والبرلمان والذى يعلن صحة العضوية والترشيح وسلامة النتيجة (فين بقى فصل العيش عن خبازه؟!).
طب اسمع دى كمان، قيل إنه لا يسمح بإنشاء حزب على أساس دينى، لكن لا يمنع أن تكون للحزب مرجعية دينية (ما هو كده هيبقى ظاهره مدنى وباطنه بيتكلم سلفى، نبقى عملنا إيه؟!) ثم إن المغالاة فى الدين تأتى كرد فعل للمغالاة فى القهر، لكن أن تكون متوازية مع مكاسب العدالة والديمقراطية التى حققتها الثورة فهذا له العجب.. وبعدين الدين حامل لواء الدعوة أم الحزب ملتحم بالسياسة؟!.. ولا يصح أن يكون داخل كل حزب جناح دعوة والآخر سياسى، خصوصاً أن الدين دائماً ما يصطدم بالسياسة لسبب وجيه: الدين مرجعيته ثوابت لا نقاش فيها والسياسة مرجعيتها مصالح لا تنازل عنها، فكيف للثوابت أن تتوافق مع المصالح تحت سقف من المتغيرات؟!
أما مسك الختام، فهو الفتوى التى سمعتها على لسان أحد أقطاب الجماعة والتى لا ترفض ولاية المسيحى للرئاسة فى الدولة القطرية أى الدويلات التى استقلت وأصبحت أقطاراً، فى حين لا يمكن الموافقة على توليه الولاية العظمى فى دولة الخلافة، وطبعاً مصر دولة عظمى على أساس «أم الدنيا»، فلا مجال لانتخاب القبطى رئيساً لها، لكن ممكن يقدم أوراق ترشيحه فى قطر الصعيد فيبقى رئيس جمهورية وجه قبلى مثلاً، أو يبقى من بحرى وبنحبوه..
ورغم كل ما سبق فالحدوتة المصرية فى مجملها أكبر من فكرة الفرز الدينى وتناحر الأحزاب والصراع على بقاء اللهو الخفى كمتحدث رسمى باسم الدولة، وأعمق من سقوط دستور ٧١ وتمرير التعديلات المؤقتة والإعلان الدستورى الانتقالى، خصوصاً أننا لا نعرف تحديداً إيه اللى سقط، ولمين المؤقت، وهل الانتقالى عدو ولاّ حبيب؟! صحيح أن الشعب يريد أن يعرف إيه النظام، لكنه يدرك أن العجلة من الشيطان، ومن هنا لن أُزايد على ما يطلبه المستمعون.. فقط أحلم بوصولنا القمر، لا لطلب كيلو كباب، وإنما بسماحة الدين واستقامة الديمقراطية والعودة إلى أخلاق الميدان حتى لو تم إلغاء الجمعة من أيام الأسبوع. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق