الخميس، 15 ديسمبر 2011

 
PCHR
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان م.خ (غير ربحية)
روايات تحت الحصار
14 ديسمبر 2011
العيش في مناطق مكتظة
يعيش محمد سلمان أبو رشاد، 45 عاماً، وآمنة أبو رشاد، 31 عاماً، وأطفالهما التسعة في مخيم جباليا للاجئين، وهو أحد أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان على وجه الأرض. تمثل هذه العائلة أحد عشر فرداً من أصل مليون ومائة ألف لاجئ فلسطيني، والذين يشكلون الغالبية العظمى من سكان قطاع غزة البالغ عددهم مليون وسبعمائة ألف شخص.
حسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، يعد جباليا أكبر مخيم للاجئين من أصل ثمانية مخيمات، حيث يعيش فيه نحو 110000 لاجئ مسجل لدى الأونروا على مساحة لا تتجاوز 1.4 كيلومتر مربع، وهو معروف باكتظاظه الشديد بالسكان. وقد كانت لسياسة الإغلاق التي اتبعتها إسرائيل لعزل قطاع غزة بدءاً من عام 1991 تأثيرات مدمرة على نحو خاص على سكان مخيم جباليا للاجئين، ومن بينهم محمد أبو رشاد، والذين كانوا يعتاشون من عملهم داخل إسرائيل. أما الآن، فاضطر العاطلون عن العمل منذ أن بدأ الحصار الشامل على قطاع غزة عام 2007 إلى الاعتماد على المساعدات التي تقدمها الأونروا.
يعد بيت أبو رشاد، المكون من غرفة مساحتها 3x3 أمتار، نموذجاً للعديد من المنازل الموجودة في مخيم جباليا. هذه الغرفة التي يعيش فيها أحد عشر شخصاً هي عبارة عن غرفة نوم، وغرفة معيشة، وغرفة للدراسة، وغرفة للطعام في آن واحد. ومع حلول الشتاء، من الواضح أن هذا المنزل غير ملائم للسكن لعائلة مكونة من أب وأم وتسعة أطفال، عدا عن كون الأم حاملاً، حيث يمكن رؤية شقوق متعرجة على طول الجدران ومدخل للغرفة بلا باب. وعندما تمطر، تتدفق المياه داخل الغرفة وعلى الأغطية التي يستخدمونها، وعلى الرغم من أن الجو جاف في الخارج، إلا أنه يمكن ملاحظة الرطوبة داخل الغرفة. سرعان ما أشار أبو رشاد إلى أن ظروف السجن قد تكون أفضل من ظروف معيشتهم في هذه الغرفة، حيث قال: "هذا ليس بمنزل، إنه مقبرة."
يؤثر هذا الاكتظاظ على جميع نواحي الحياة لهذه العائلة، ولكن الأثر الأشد وقعاً هو على الأطفال التسعة. يتلقى غالبية هؤلاء الأطفال تعليمهم في المدارس التابعة للأونروا في المرحلة المسائية، حيث اضطرت هذه المدارس إلى العمل بنظام المرحلتين الصباحية والمسائية لتوفير فرص التعليم لجميع طلاب المخيم. يعود الأبناء إلى المنزل مع حلول الظلام، وبسبب الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، وعدم توفر مساحة كافية للدارسة، والضوضاء التي تصدرها المولدات الكهربائية لم يعد الأبناء قادرين على الدراسة. ونتيجة لذلك، فشل اثنان من أبناء أبو رشاد في إحدى سنواتهم الدراسية واضطروا إلى إعادة تلك المرحلة.
ومع صغر المساحة المتوفرة للعب، سواء داخل المنزل أو في الأزقة الضيقة المليئة بالقمامة في الخارج، لا يحظى الأبناء بمساحة مادية أو حسية كافية للعب، ولذلك فهم يميلون إلى ضرب بعضهم البعض في الخارج. يلجأ الذكور إلى ممارسة العنف ضد إخوتهم الأصغر سناً، ويقول أبو رشاد أن ابنتيه لا تستطيعان "التصرف كفتيات صغيرات،" ولكن بالمقابل تقومان بتقليد إخوتهما الذكور في محاولة منهما لـ "أن تتماشيا معهم." يشعر أبو رشاد بالندم على ضربه لأطفاله عندما يسيء أحدهم التصرف، ويقول مبرراً أن ضغط الحياة داخل مناطق ضيقة ومكتظة كهذه هو ما يجعله مهموماً وعرضة للانفجار في أي لحظة.
لا يقتصر أثر الاكتظاظ السكاني على الصحة النفسية للأسرة فقط، بل يتعدى ذلك إلى الصحة البدنية، فعندما ترى الأبناء لأول مرة يمكنك أن تلاحظ إصابتهم بالزكام والأنفلونزا. يحدثنا أبو رشاد: "عندما يصاب أحد أطفالي بمرض ما، يصاب بقيتهم بهذا المرض بسرعة، وذلك لعدم توفر المساحة الكافية لعزل أحدهم وتقديم العلاج اللازم له." ومع وجود الرطوبة والبرد باستمرار، يصبح من الصعب أن يشفى الأطفال بمجرد أن يصابوا بمرض ما.
ومع الاكتظاظ والأزمة التي تعاني منها الأسرة، نرى الوضع يزداد سوءاً، فالأطفال، الذين يبلغ أكبرهم 15 عاماً، مازالوا صغاراً، ولكن مع تقدمهم في العمر ستصبح الغرفة أكثر ضيقاً. كما سيصبح من الصعب بمكان للفتاة الكبرى، سندس، والتي تبلغ من العمر 10 أعوام الآن ، أن تنام في فراش إخوتها عندما تكبر. ويقول أبو رشاد أنه عندما ينتهي الجيران من بناء طوابق جديدة أعلى منازلهم للتخفيف من حدة الاكتظاظ لديهم، سوف تحجب الشمس بالكامل عن جدران المنزل التي تسكنها الرطوبة، وستكون النتيجة عند ذلك "دمار العائلة،" حسبما يتوقع أبو رشاد.
إن أزمة مخيمات اللاجئين هي إحدى أكبر مشاكل اللاجئين القائمة منذ زمن في العالم، حيث يشكل اللاجئون الفلسطينيون ربع عدد اللاجئين في العالم في الوقت الراهن. إن حقوق اللاجئين الفلسطينيين، لاسيما "الحق في العودة،" هي حقوق يكفلها عدد من قرارات الأمم المتحدة، بما فيها قرار الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة رقم 194. ولكن، في حال استمر المجتمع الدولي في رفضه لتطبيق القانون الدولي، لن تكون هذه القرارات ذات أهمية تذكر بالنسبة للاجئي قطاع غزة المحرومين من حقوقهم الأساسية بشكل منظم.
***********
لمزيد من المعلومات الاتصال على المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة: تليفون: 2825893 – 2824776 8 972 +
ساعات العمل ما بين 08:00 – 15:00 (ما بين 06:00 – 13:00 بتوقيت جرينتش) من يوم الأحد ـ الخميس

ليست هناك تعليقات: