الثلاثاء، 25 يناير 2011

أحموا "أبو مازن"

أحموا "أبو مازن"


حمادة فراعنة

ما كشفت عنه برقيات "ويكيليكس" السرية، حول تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وخطره على إسرائيل لم يكن مفاجئاً، ليس لأننا نفتح بالبخت ونشوف الودع ونبصر المخفي، بل لأن الدلائل كانت ولا تزال تشير إلى رفض نتنياهو مجمل البرنامج الوطني الفلسطيني الذي يتمسّك به أبو مازن، ولا يزال، وأنه عقبة أساسية في وجه البرنامج الإسرائيلي البديل، برنامج الاحتلال والاستيطان وخطواته في الضم والتوسع والتهويد وخاصة في القدس والغور.

الرئيس الراحل ياسر عرفات، استخلص العبر من مفاوضات كامب ديفيد، تموز 2000، في ظل رعاية الرئيس الأميركي كلينتون، حيث أدرك السقف الإسرائيلي ـ الأميركي للحقوق الفلسطينية، فرفضها، ودفع ثمن رفضه، حياته قرباناً وفداءً لحقوق شعبه العربي الفلسطيني الثلاثة، حقه في المساواة داخل إسرائيل، وحقه في الاستقلال لفلسطين، وحقه في العودة للاجئين.

ياسر عرفات، حاول تعديل موازين القوى المائلة لصالح الاحتلال، في محاولة لجعل الاحتلال مكلفاً، فأوعز بتشكيل كتائب الأقصى وسلّحها وغطّاها سياسياً ومالياً، وحفّزها لتنفيذ عمليات موجعة ضد الاحتلال على أن يقتصر ذلك على قوات الاحتلال ومنشآته ومستوطنيه في الضفة والقدس والقطاع، بهدف واضح ومحدّد وهو دفع إسرائيل إلى تحسين عروضها التفاوضية للقيادة الفلسطينية لتكون أكثر استجابةً واقتراباً من الحقوق الفلسطينية، ولكنه فشل ودفع حياته ثمناً لهذا الخيار.

أبو مازن تمسّك بحقوق شعبه الثلاثة، وبقضايا المرحلة النهائية، ورفض العروض الإسرائيلية والأميركية، وقال بالفم المليان لواشنطن وتل أبيب، من خلال المفاوضات غير المباشرة بينه وبين نتنياهو عبر الوسيط الأميركي السيناتور جورج ميتشيل، وقالها علانيةً في المفاوضات المباشرة مع نتنياهو تحت رعاية الرئيس أوباما، وبحضور الشهود الأميركيين الذين لم ييأسوا، ويحاولون الآن إعادة المفاوضات المباشرة بعد الحرج الذي سببه لهم نتنياهو برفضه الواضح والصريح لـ:

التفاوض من النقطة التي تم التوصل إليها بين أبو مازن وإيهود أولمرت في نهاية العام 2008.

وقف الاستيطان على الأرض الفلسطينية المحتلة العام 1967 سواء في القدس أو الضفة الفلسطينية.

3- تحديد حدود الدولة العبرية وبالتالي حدود فلسطين، مع تأكيده أن لا عودة إلى خطوط الرابع من حزيران 1967، وأن لا عودة للاجئ واحد إلى أرضه المنهوبة العام 1948 .

أبو مازن قال "لا" للإسرائيليين وللأميركيين، ولكنه لم يغامر للعمل على تعديل موازين القوى بالعمل المسلح ضد الإسرائيليين والعمل على استفزازهم، بل بقي ممسكاً برايات الكفاح الدبلوماسي وكسب المزيد من الأصدقاء والمؤيدين للحقوق والمطالب الفلسطينية، سواء من داخل المجتمع الإسرائيلي أو من داخل الطوائف اليهودية المؤيدة لإسرائيل في أميركا وأوروبا، أو من داخل المجتمع الأميركي نفسه المنحاز لليمين الإسرائيلي.

وبقي ممسكاً برايات الكفاح الشعبي والنضال المدني والانتفاضة السلمية، وبقي برنامجه معلناً ومغلقاً ضمن خطوات العمل الثلاث: العمل الدبلوماسي، النضال المدني، وبناء المؤسسات على الأرض عبر حكومته الائتلافية وبرنامج سلام فياض التنموي، فاكتسب المصداقية واخترق صفوف وتجمعات اليهود، وقوّى الأوروبيين وساعدهم، وأحرج الأميركيين وحشرهم في الخيارات الفلسطينية، وعرى نتنياهو، وعزله، ما دفعه لأن يقول ما قاله في جلساته خاصة وغير معلنة عن خطر أبو مازن على إسرائيل.

ما قاله نتنياهو، وما فعله أبو مازن يجب أن يُشعل الضوء الأحمر ويوقظ البعض من غفوته، كي تتم لملمة الحالة الفتحاوية أولاً والحالة الفلسطينية ثانياً وإدراك أن إسرائيل ذات المخالب المسمومة والقنابل العنقودية والصواريخ الموجهة والاقتحامات غير الأخلاقية، لا خطوط حمراء عندها أو لديها، حتى تقف عندها ولا تتجاوزها، فقد تجسست على أميركا، واستعملت جوازات الأوروبيين من أصدقائها بعد أن زوّرتها، في سبيل خدمة أغراضها وأهدافها، ونفذت عمليات غير متوقعة، ولهذا يجب أن يلتف الفتحاويون حول أبو مازن حمايةً للبرنامج الوطني، فهو الشاهد وهو التجربة وهو الرصيد، فلا تتهاونوا مع محاولات المس به بسبب ردة فعل أو نرفزة أو مصلحة ضيقة، فلا أحد خال من الملاحظة أو السلبية، ولكن ليس كل منا من يستطيع الحفاظ على توازنه في ظل المعطيات القائمة حيث الاحتلال المتفوق والانقلاب المدمر والتآكل الذاتي المنهك.

كنا في واحدة بالاحتلال، وأصبحنا باثنتين بعد الانقلاب، ولذلك احموا أنفسكم وتمسكوا برئيسكم، وحافظوا على برنامجكم وأخلصوا لشعبكم تلك هي المعادلة وليس هناك من سواها.



h.faraneh@yahoo.com



عن "الايام"



ليست هناك تعليقات: