الأحد، 9 يناير 2011

حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"


حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"
ديمومة الثورة والعاصفة شعلة الكفاح المسلح
1957وحتى اليوم


بعد سبعة عشر عاما من الضياع الذي عاشه شعبنا في أعقاب نكبة عام 1948، جاء اليوم الأول من كانون الثاني/يناير 1965، ليكون نقطة البداية في أول تحرك جماهيري فلسطيني على الطريق السليم.
فانطلقت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" لتمثل التنظيم الفلسطيني، الذي ارتبطت الثورة الفلسطينية باسمه، باعتبار أن انطلاقة "فتح" في العام 1965 مثلت الانبعاث الحقيقي للوطنية الفلسطينية والكفاح المسلح، من خلال كوكبة من الشباب الفلسطيني، الذي تجمع على شكل بؤر تنظيمية متناثرة في كل من فلسطين ودول الطوق المحيطة بفلسطين، وفي عدد من دول الخليج العربي وأوروبا الغربية، لاسيما ألمانيا والنمسا لينشئ تنظيماً فلسطينياً مستقلاً، يهدف لتحرير فلسطين وإقامة دولة ديمقراطية ومجتمع تقدمي فيها.

النشأة:


يمثل العام 1957 نشأة حركة "فتح" التي أتت في الحقيقة من تلاقي الأفكار الثورية لعدد من البؤر التنظيمية المنتشرة منذ عام 1948، هذه الأفكار التي مثلت لدى أعضائها، رداً على النكبة وعلى العدوان الثلاثي 1956، وعلى فقدان مصداقية الأحزاب السياسية، التي كانت منتشرة في الساحة آنذاك، وعلى الرغبة في استقلالية العمل الوطني الفلسطيني، خاصةً بعد تجميد عمليات الفدائيين من قبل السلطات المصرية عام 1957.
فانطلقت في هذا العام طلائع فلسطينية مسلحة إلى قلب الأرض المحتلة، وسط عالم مظلم وظروف صعبة وقاسية، لتضع أول تطور واقعي في تاريخ كفاح الشعب الفلسطيني، في أعقاب النكبة من أجل التحرير.

الاجتماع التأسيسي :


يشار دوما في أدبيات حركة "فتح" إلى أواخر العام 1957 كبداية لتأسيس الحركة، حيث عقد لقاء ضم ستة أشخاص هم: ياسر عرفات، وخليل الوزير وعادل عبد الكريم، وعبد الله الدنان، ويوسف عميرة، وتوفيق شديد، حيث اعتبر هذا اللقاء بمثابة اللقاء التأسيسي الأول لحركة "فتح"، رغم انقطاع الأخيرين عن التواصل بعد فترة وجيزة، وصاغ المؤسسون ما سمي "هيكل البناء الثوري" و"بيان حركتنا"، واتفقوا على اسم الحركة للأحرف الأولى للتنظيم مقلوبة من "حتوف" ثم "حتف" إلى "فتح"، وتبع ذلك انضمام أعضاء جدد منذ 1959 كان أبرزهم صلاح خلف وخالد الحسن، وعبد الفتاح حمود، وكمال عدوان، ومحمد يوسف النجار.

العمل المسلح والعمل النقابي:


يشار بقوة إلى دور رابطة الطلبة الفلسطينية في الجامعات المصرية، وخاصةً منذ تسلم ياسر عرفات رئاسة الرابطة ( 1952 – 1956 ) والدور العربي والعالمي، الذي لعبته في بعث القضية الفلسطينية، وحتى تأسيس الاتحاد عام 1959.
فمنذ العام 1954 ابتدأ خليل الوزير "أبو جهاد"، أحد أبرز مؤسسي حركة "فتح" العمل المسلح ضمن مجموعات فدائية صغيرة، وفي يوليو 1957 كتب مذكرة لقيادة جماعة الأخوان المسلمين في غزة، يحثهم فيها على تأسيس تنظيم خاص يرفع شعار تحرير فلسطين عبر الكفاح المسلح، ورفضت الجماعة دعوته، لتنضم لاحقاً أعداد كبيرة من الكوادر لتنظيم "فتح" الناشئ، أمثال: سليم الزعنون، وصلاح خلف، وأسعد الصفطاوي، وأبو علي أياد ، وسعيد المزين، وغالب الوزير من قطاع غزة، ومحمد غنيم، ومحمد أبو سردانة من الضفة الغربية.

مجلة فلسطيننا :


في العام 1959 ظهرت "فتح" من خلال منبرها الإعلامي الأول مجلة "فلسطيننا – نداء الحياة"، التي صدرت في بيروت منذ شهر تشرين ثاني –نوفمبر، والتي أدارها توفيق خوري، وهو نفس العام الذي شهد اندماج معظم البؤر التنظيمية الثورية المنتشرة المتشابهة الأهداف، والتي حققت أوسع استقطاب حينها شمل ما يزيد على 500 عضو.
وقامت مجلة "فلسطيننا" بمهمة التعريف بحركة "فتح" ونشر فكرها ما بين 1959 – 1964 واستقطبت من خلالها عديد المجموعات التنظيمية الثورية الأخرى، فانضم تلك الفترة كل من: عبد الفتاح حمود، وماجد أبو شرار، وأحمد قريع، وفاروق قدومي، وصخر حبش، وهاني الحسن، وهايل عبد الحميد، ومحمود عباس، ويحيى عاشور، وزكريا عبد الحميد، وسميح أبو كويك، وعباس زكي وغيرهم الكثير إلى صفوف الحركة الناشئة.

تطور العلاقات العربية:


في العام 1962 حضرت "فتح" احتفالات استقلال الجزائر، ثم افتتحت مكتبها في العاصمة الجزائرية عام 1963 برئاسة خليل الوزير. و في العام 1963 أصبحت سوريا محطة مهمة لحركة "فتح"، بعد قرار حزب البعث السوري السماح لها التواجد على الساحة السورية.
وفي العام 1964شارك 20 ممثلا عن حركة "فتح"، في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني رغم اعتراضات "فتح"، العلنية على منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها أداة للدول العربية أقيمت لاستباق صحوة الشعب الفلسطيني ، إلا أنها بالمقابل اعتبرتها "إطار رسمي يحوز على شرعية عربية لا بد من الاحتفاظ به"، كما يقول خليل الوزير، ثم يتم تثويره.

قرار الانطلاقة:


في العام 1963 انتقل ياسر عرفات من الكويت إلى دمشق ليعمل على تطوير التنظيم على خط المواجهة في لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، خاصة في ظل الدعم السوري الواضح آنذاك لحركة "فتح". وبعد لقاءات طويلة وحوارات واستعدادات واستقالات نتيجة خلاف بين تيار "فتح" الرافض للانطلاقة المسلحة ممن سموا بالعقلانيين رغبة بتأجيلها لحين الجهوزية، وبين من سموا بـ"تيار المجانين" الذي مثله ياسر عرفات، قررت قيادة "فتح" الموسعة بدء الكفاح المسلح في 31/12/1964 باسم قوات "العاصفة" بالعملية الشهيرة، التي تم فيها تفجير شبكة مياه إسرائيلية تحت اسم عملية "نفق عيلبون"، ثم تواصلت عمليات حركة "فتح" تتصاعد منذ العام 1965 مسببة انزعاجا شديداً لإسرائيل والدول العربية، التي لم تجد معظمها مناصا فيما بعد من الاعتراف بها، وكان البيان السياسي الأول صدر في 28/1/1965 موضحا أن المخططات السياسية والعسكرية لحركة "فتح" لا تتعارض مع المخططات الرسمية الفلسطينية والعربية، وأكدت الحركة لاحقاً على ضرورة التعبئة العسكرية والتوريط الواعي للجماهير العربية.

مجلس الطوارئ :


شكلت الحركة ( مجلس الطوارئ) عام 1965 برئاسة ياسر عرفات في دمشق مما زاد شقة الخلاف مع أعضاء اللجنة المركزية في الكويت الذين رفضوا الانطلاقة ، وكان الكثير من قيادات حزب البعث في سوريا قد أيدوا حركة "فتح"، آملاً في استيعابها ثم السيطرة عليها، وأيدوا عملياتها بعيدا عن الحدود السورية، بينما كان حافظ الأسد قائد سلاح الجو آنذاك من أشد المعادين للحركة الذي استغل حادثة قتل أحمد عرابي ومحمد حشمة عام 1966 على أثر صراع النفوذ في "فتح"، ليوطد مواقعه في حزب البعث. ويتم اعتقال القيادة الفلسطينية في دمشق التي لم تخرج من المعتقل إلا بعد وساطات عدة .

ميلاد "فتح":
ولدت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، وهي ترفع شعارات المرحلة وكان عليها أن تواجه كل تساؤلات التشكيك... والاتهام التي ارتفعت في وجهها وتحيط بها من كل الجهات.
وظلت "فتح" يومها صامدة تصنع المرحلة الجديدة وتجيب على كل تساؤلاتها الحائرة... ماذا... وكيف...؟ وبمن...؟ ومن أين...؟ ومتى..؟ واستطاعت في عناد أن تشق الطريق وتقيم أول تنظيم فلسطيني يتصدى بنفسه ليستعيد زمام المبادرة في القضية الفلسطينية.


مسيرة "فتح":


ومر عامان كانت فيهما شعاراًت المرحلة الجديدة من خلال "فتح" لقاء فلسطيني عريض في وحدة وطنية قوية من أجل ثورة مسلحة تحرر الأرض وقد بدأت تغوص إلى أعماق الشعب الفلسطيني بدرجة اكبر واقرب إلى التصور. وفي العالم الثالث، وبعد انتصار ثورة الجزائر وانفصام الوحدة بين مصر وسوريا في سنة 1961 أصبح هناك إجماع فلسطيني على سلامة الخط الذي اختارته "فتح"، حيث تعددت بعدها التنظيمات وأخذت تنادي بما نادت به الحركة، حتى من قبل اؤلئك الذين هاجموها وشككوا فيها بالأمس.
وتابعت "فتح" بناء تنظيمها على طريق الثورة، وكانت ترى بنواياها الحسنة أن كل خطوة على هذا الطريق وكل تجمع فلسطيني على هذا التفكير، مهما تعددت واختلفت مصادره ونواياه، سيكون فيه عودة بالولاء الفلسطيني إلى قواعده الحقيقية، تشده إلى أهداف الشعب الفلسطيني في العودة والتحرير بدلا من البعثرة والضياع الذي عاشه شعبنا موزع الولاء في أكثر من اتجاه ووراء أكثر من هدف، سيما بعد النكبة حيث كان ينتهي دائما إلى سراب.
إلا أن عناصر خارجية قد أخذت تتدخل ولعبت دوراً كبيراً في خلق ومضاعفة إعداد التنظيمات الفلسطينية بشكل لم يعد يبرره أي غرض خير، وأصبح تعدد هذه التنظيمات يبدو وكأنه محاولة لتمييع الحركة الوطنية وتفككها وعودة بالولاء الفلسطيني إلى البعثرة بعيداً عن الأهداف الحقيقية لشعبنا وتراجعا إلى المواقع الخارجية التي كانت تشد أرادة الأحزاب العقائدية في بلدنا إلى خارج الحدود.
إزاء هذا الخطر الذي بدأ يزحف على الجبهة الفلسطينية ويغرقها في حوار جدلي عقيم أوشك أن يفرغها من محتواها رأت "فتح" أن تتولى زمام المبادرة من جديد لتخرج بالحركة الوطنية من طريقها المسدود ولتدفع بالأمور في اتجاه الأهداف الفلسطينية قبل أن يقع الانحراف، وعلى هذا الأساس اختارت:


أولاً: أن تركز جهدا اكبر في تكثيف قواعدها العسكرية على الأرض الحقيقية للثورة حتى تصبح قادرة على بدء عملياتها في وقت اقصر بما قد يضع حداً لنقاشات السفسطة التي بدأت تغرق الجو الفلسطيني.
ثانياً: أن تطرح التجربة في محاولة لتجميع الحركات الفلسطينية في تنظيم فلسطيني واحد يعيد تركيز الوحدة الوطنية ويحفظ للشخصية الفلسطينية استقلالها بفكرها وتخطيطها وولائها للأهداف الفلسطينية حتى يظل زمام المبادرة كما تريده بيد الشعب الفلسطيني نفسه.
وهنا.. ومن أجل هذا الغرض ذهبت إلى مؤتمر القدس وهي تتطلع إلى ميلاد منظمة التحرير الفلسطينية، كمحاولة للخروج بالكفاح الفلسطيني من القوقعة التي أملتها حياة السراديب... إلى عالم مكشوف يستطيع أن يستقطب قواعد أوسع بإمكانيات للعمل أكثر. وألقت "فتح" بثقلها مع فكرة منظمة التحرير الفلسطينية لتعطيها دفعاً قوياً تقف به صلبة في مواجهة استحقاقات المرحلة الجديدة.

أهداف "فتح":


تركزت أهداف فتح في اتجاه:
1- تحريك الوجود الفلسطيني... وبعث الشخصية الفلسطينية محلياً ودولياً من خلال المقاتل الفلسطيني الصلب العنيد القادر على تحطيم المناعة الإسرائيلية.
2- استقطاب الجماهير الفلسطينية ومن خلفها كل الجماهير العربية في طريق الثورة المسلحة وحشدها فيها لتكون قادرة على:-
أ- تجميد حركة نمو الوجود الإسرائيلي الصهيوني.
ب- تقطيع هذا الوجود.
ج- تصفية الدولة رمز الوجود الصهيوني.
3- أعادة بناء الدولة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية (حرة وديمقراطية).

مسؤوليات "فتح":


وكطليعة لهذه الثورة تتحمل مسؤولية بدء الثورة وحمايتها وتأمين الاستمرار فيها إلى أهداف، وسط كافة التناقضات القائمة على الأرض العربية، وحتى تتمكن من خلق القوة الفلسطينية، التي يتوفر لها:-
1- قدرة على الحركة.
2- حرية الحركة، على هذه الأرض، التي ستكون أحدى قواعد الثورة في مراحلها الأولى، وقد كانت "فتح" ملزمة ومقيدة بالطرح المسؤول والدقيق والحذر لبعض مواقفها وآرائها التي قد يكون لها ردود خطرة على مسيرة الثورة.

ميلاد الثورة:


عندما بدأت منظمة التحرير تتحول عن الهدف، الذي جاءت من أجله... وأخذت تجر معها ولاء شعبنا بعيداً عن أهدافه إلى اتجاه واضح واكتملت القناعة عند قيادات "فتح" بان أجهزة المنظمة قد عجزت عن أن تطرح تصوراً صادقاً لالتزاماتها، وأن تضع قدمها على بداية الطريق لاستقطاب التنظيمات الفلسطينية القائمة وتجميعها. ورأت أن زمام المبادرة الذي حافظت عليه قد أوشك أن يضيع من يد الحركة الوطنية الفلسطينية قررت في يناير 1965 أن تتصدى لمسؤوليتها باستعادة زمام الموقف من جديد وان تقفز من مرحلة التنظيم من أجل الثورة إلى مرحلة التنظيم من خلال الثورة رغم كل الظروف القاسية الصعبة التي كانت تعيشها الحركة.

اللقاء فوق أرض المعركة:


ومرة أخرى ارتفعت أصوات كثيرة تشكك وتتهم.. والمقاتلون من رجال "العاصفة" يقطعون الأرض طولا وعرضا في صقيع يناير القاسي.
واخذ أبناء "فتح" يواجهون المطاردة والملاحقة والاعتقال في كل مكان من الأرض العربية، وبعد عامين من المواجهة المنفردة بين فتح وإسرائيل.. ورغم شراسة المعركة التي واجهتها على الأرض العربية بالتشكيك والاتهام والحصار والحجز والمطاردة بغرض خنق الثورة... استطاعت "فتح" من خلال قتالها اليومي أن تحطم التساؤلات الحائرة والعاجزة والمشككة... وتقفز عنها... وتثبت أن العمل داخل الأرض المحتلة ممكن... وان أسطورة المناعة الإسرائيلية ما هي إلا خرافة تتحطم تحت ضربات العزم الفلسطيني. وأصبح التمرد المسلح الفلسطيني واقعاً اكبر من أن يحجز عليه.
وبعد مرور عامين على ميلاد الثورة، كانا كما يبدو ضروريين لإقناع المترددين والعاجزين من شعبنا، وفي الفترة التي بدأت فيها "فتح" تعد لطرح تصورها وتخطيطها للثورة وتختط مسيرتها على طريقها بثقة وصلابة وعزم.. في هذه الفترة بالذات بدأت ماسمي بـ"حملة الإغراق" وذلك في أعقاب انتصار ثورة الجزائر، حيث جرت محاولة اغراق المنظمة، بالمنظمات الفلسطينية في تجاهل تام للقوى البشرية الضخمة لجيش التحرير وقام رئيس المنظمة آنذاك وقائد جيش التحرير بتكوين جماعة فدائية بدت أولى عملياتها في أواخر أكتوبر 1966 باسم (أبطال العودة)... وجماعات أخرى صغيرة تحمل أسماء شهداء فلسطين قامت كما أرادها من أجل إرباك الوضع السياسي في الأردن في أعقاب الهجوم على قرية السموع.
وهنا كان على "فتح" أن تراجع موقفها في طرحها المبكر لبرنامج الثورة إزاء هذا الإغراق المفاجئ وغير الجاد للساحة الفلسطينية بما يربكها، لاسيما وان أحد الشروط الأولى لانتصار الثورة، كما تراها فتح أن الوحدة في أداء الثورة يتطلب شمولا جماهيريا... وولاءً موحداً لها، ومن أجل هذا وجدت فتح نفسها ملزمة بان تأخذ زمام المبادرة فتطرح شعارها: اللقاء فوق أرض المعركة كنداء لهذه القوى ترى فيه السبيل الوحيد لفرز القوى الجادة والقادرة على الحركة والعطاء... ومدى استعدادها رغم ما تتعرض له من مضايقات ومطاردات وحجز وحصار يفرضه الواقع السياسي في دول الطوق المحيطة بالأرض المحتلة.
وهكذا أثبتت التجربة على طول مرحلتي التنظيم والعمل المسلح أن حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" قد تجاوزت محاولة التشكيك والاتهام... وان فتح كانت في المرحلتين رائدة وصاحبة مبادرة خرجت بالحركة الوطنية الفلسطينية من عالم الضياع في أعقاب النكبة لتضعه في أعقاب عالم متحرك مقاتل رغم ما كان يحيط بها من ظروف قاسية وصعبة.

حتمية الثورة:


كان البعض يرى في الثورة نوعا من المغامرة ولا يستطيع أن يتصور دور هذه الثورة في معركة التحرير... وما هي إمكانياتها... وهل هي فعلا قادرة على تصفية هذا الاحتلال.. وكيف...؟
الحتمية التاريخية:
نقطة البداية كما رأتها "فتح" هي أن موضوع الثورة يشكل منطلقا لا خيار لأحد فيه فهي طريق يفرضها منطق الحوادث والتاريخ... والذي سًير جيوش الاحتلال والغزو في الماضي لابد ون يتوقع بعدها وبالضرورة انتفاضات الثوار المتكررة، وهذا ما يؤكد انه لا بد أن يكون في بلدنا ثورة... تأتي لتصحح هذا الوضع الشاذ مهما تأخرت عن موعدها.
هذا أمر طبيعي يفرض نفسه كحقيقة تاريخية مصيرية لا تقبل حتى أن تناقش.. ولا تبرر لنا أن نستسلم لمزيد من الوقت بعد هذه الفترة من الاستسلام... كما تملي علينا أن نتحمل مسؤولياتنا كشعب يتطلع إلى حياة أفضل... وكما كانت ثورات الأحرار في آسيا وإفريقيا... ستكون ثورتنا قوية ثابتة تفرض وجودها علينا وعلى العالم معنا كما هو التطور الطبيعي للتاريخ... ولا نملك بعد ذلك إلا أن نستجيب لإرادة الإله التي يعبر عنها هذا التاريخ.
الحتمية الإستراتيجية:
حتى يمكن أن نتصور العدو الحقيقي للثورة في معركة التحرير وتصفية الاحتلال يلزم أن نتصور الحقائق الأساسية للمعركة كما استطاعت أن تصنعها إسرائيل على مدى العشرين عاما الماضية من خلال تحركين: سياسي وعسكري.


التحرك السياسي:


على المستوى العالمي استطاع العدو أن يحرك القضية الفلسطينية أمام الرأي العام ويقدمها من خلال مجموعة من القضايا الفرعية جداً كقضية لاجئين وقضية حدود وقضية مياه وروافد بين دولة مستضعفة صغيرة وثلاث عشر دولة مسعورة تنكر عليها حقها في الوجود والحياة... بين مليوني مشرد من عذاب النازي يبحثون عن ملجأ للحياة في هدوء واستقرار... ومائة مليون عربي متمرد وغير قانع بخيرات وثروات الأرض الواسعة التي يملكونها ويعيشون عليها... ويريدون أن يقذفوا بها في البحر كما قذف بهم النازي في أفران الغاز ومعسكرات الفناء.


التحرك العسكري:


1- من خلال ثلاث محاور:


1) تركيز بشري من خلال هجرة جماعية غربية تزحف من وراء البحار.
2) إستراتيجية هجومية قادرة على نقل المعركة بما يتوفر لها من طيران وطرق مواصلات وآليات إلى الأرض العربية خارج حدود الأرض المحتلة، وهذا التجميع البشري الغريب.
3) سباق مجنون من التسلح تفرضه على المنطقة... يستنزف قدرات وثروات وكل إمكانيات العالم العربي بغرض خلق جو من الاستسلام والذعر يجعل المنطقة العربية تعيش في مجال الإستراتيجية الإسرائيلية وتحت تأثيرها بما يكرس أسطورة الوجود الإسرائيلي أو استحالة زحزحته.
وفي هذا المجال تتطلع إسرائيل للزمن كعامل رئيسي تتمكن به في جو من الهدوء والاسترخاء والسيطرة على جانبي القتال من تحقيق أهدافها الإستراتيجية ويقوم التخطيط الإسرائيلي في هذا على أساس:-
1- تعمير النقب وحشده بثلاث ملايين مهاجر جديد... بشكل يقطع الاتصال بين الجبهة الغربية في الجنوب والجبهة الأردنية في الشرق.
2- توزيع السكان في المنطقة المحتلة وتخفيف الضغط السكاني في المناطق الشمالية والوسطى.
3- توزيع المراكز الصناعية والمواقع العسكرية على أرض أوسع بشكل لا يجعلها هدفا سهلا للضربات العربية.
وهكذا ستحقق إسرائيل بهذا التوزيع الجديد في أعقاب تعمير النقب مناعة قوية أمام غزو عربي محتمل... وسيفقد هذا الجبهة الأردنية المناعة الإستراتيجية التي كانت توفرها صحراء النقب قبل التعمير.
بهذا الفهم لإبعاد الإستراتيجية الإسرائيلية وأثر العامل الزمني فيها.. كان لا بد أن تتحرك فتح لمنع العدو من تحقيق أهدافه قبل أن تصبح واقعا جديدا ومن أجل أن تعيد الأمور إلى حجمها الحقيقي وتسترد للقضية وجهها العادل وتوقف الزحف البشري الغريب على أرضنا... وتخرج بالمنطقة العربية من تحت الإستراتيجية الإسرائيلية.. وتعطيها فرصة لالتقاط أنفاسها وسط سباق التسلح المجنون وتجرد العدو من المزايا التي يوفرها العامل الزمني.. وتقلب ميزان المعادلة في الاتجاه المضاد.
والقوة الوحيدة المؤهلة لهذا هي ثورة مسلحة تكون قادرة على أن تتصدى للإستراتيجية الهجومية الإسرائيلية وتنقل المعركة من خلال إستراتيجية مضادة إلى قلب الأرض المحتلة في قتال مواجهة مع الغزو الإسرائيلي، يجد نفسه فيه وحيدا منفردا من غير حماية يواجه المقاتل العربي في بيته وعلى أرضه في الطريق... وفي المقهى... وفي السينما... وفي معسكرات الجيش... وفي كل مكان بعيداً عن سيطرة الطيران والآليات الإسرائيلية التي كانت توفر له الحماية وتؤمن سلامته وحياته.. بشكل يفرض عليها التفكير المقارن بين حياة الاستقرار والهدوء التي كان يعيشها في بلده الأول... وحياة الفزع والذعر التي وجدها تنتظره على الأرض الفلسطينية بما يدفعه في طريق الهجرة العكسية وتكون الإستراتيجية الإسرائيلية بهذا فقدت الغرض الأصلي من وجودها لتأمين سلامة الفرد الإسرائيلي... وتعود بغير هدف وغير نتيجة... ولا مبرر.
وهكذا تطرح الثورة نفسها كضرورة حتمية يفرضها منطق التاريخ. وإستراتيجية المعركة ستستكمل أبعادها وتحقق أهدافها على مدى مراحل ثلاث:
1- مرحلة تجميد النمو في الوجود الإسرائيلي على الأرض المحتلة.
2- مرحلة تحطيم هذا الوجود.
3- مرحلة تصفية وتطهير الأرض المحتلة من كل آثاره.

شخصية الثورة:


وحتى تكون هذه الثورة المسلحة قادرة على أن تفرض نفسها على خارطة قوى الثورة العالمية من أجل العدل والحرية والسلام.. كان يجب أن نؤكد على فلسطينية الثورة في أرضها وقيادتها وتخطيطها، وبهذه الشخصية الفلسطينية لها نستطيع أن نسترد للقضية في المجال الدولي، وجهها العادل كصراع من أجل الحرية والعدالة... وحجمها الحقيقي بين مليون فلسطيني مشرد كانوا يملكون الأرض.. ويعيشون عليها وهم اليوم بلا وطن بلا أرض ولا مأوى ولا مستقبل ولا أمل، وبين اثني عشر مليون صهيوني يملكون المال والسلطة والنفوذ في أمريكا وأوروبا ينظمون بها زحفاً بشرياً مهووساً وحاقداً متعطشاً للدم يتوافد على الأرض المقدسة يزاحم أهلها فيها ويقوم بالمذابح وينشر الفزع والرعب والإرهاب.
ومن أجل هؤلاء المظلومين الذين فقدواً الأرض والأمل... تفرض الثورة الفلسطينية المسلحة نفسها بلا خيار لتطرح على العالم شخصية المقاتل الفلسطيني الذي يعود بعد عشرين سنة من الظلم والقسوة والضياع ليقاتل من أجل حقه في الحياة على أرضه كما يحياها الآخرون على أرضهم.. بعد أن عجز العالم بكل مؤسساته الدولية أن يحافظ على هذا الحق... أو أن يرفع عنه هذا الظلم وهذه القسوة... لتطرح على الدنيا شخصية المقاتل الفلسطيني العنيد الصلب الذي لا يساوم ولا يستسلم من قبل أن يعيد إلى أرض السلام (فلسطين) كل مثاليات العدل والمساواة... ومن أجل هذا تصر الحركة على أن تحتفظ الثورة بشخصية الشعب الفلسطيني بارزة إلى أن تنتهي من معركة التحرير.
هذا التركيز على الشخصية الفلسطينية للثورة لا يمكن أن ينفي عنها شخصيتها العربية، فنحن نؤمن أن معركة التحرير في فلسطين هي قضية عربية مصيرية يقوم فيها الفلسطينيون بدور الطليعة، إلا أن هذا التركيز في نظر الحركة ضروريا لأسباب رئيسية:
1- كإستراتيجية يمكن بها التصدي لمحاولات التضليل والخداع التي يضعها التحرك الإسرائيلي في المجال الدولي لينفي عن هذه الحركة وجهها العادل.
2- كوسيلة لتحديد المسؤولية وتحديد الاختصاص في تنظيم يؤمن بالثورة ويتفاعل معها يبدأها ويحميها ويتابع الاستمرار فيها... تنظيم له من الارتباط بالأرض وبالمصير ما يعطيه وضعا خاصا.
ولا يعني هذا التحديد بالاختصاص والمسؤولية في الثورة أي نوع من الانفراد بها أو أي إعفاء للجماهير والقيادات العربية من مسؤوليتها نحو هذه المعركة ولكنه تحديد للمسؤولية الدولية والجماهيرية في قيادة الثورة وتوجيهها أو الاستمرار بها إلى أهدافها، وهو ما تفرضه طبيعة الوضع السياسي في الوطن العربي ومنطق الحوادث الذي لا يتيح لنا أن نطالب الأمة العربية بواجباتها من قبل أن نلقي نحن بإمكانياتنا وقدراتنا وحشدنا، كما لا يتيح لنا أن نطالب المواطن العربي بان يعيش الثورة في أرضنا وشبابنا يعيش حياة الترف والاسترخاء واللامسؤولية، يجمع الثروة في أرضهم، إضافة إلى أن ترك المسؤولية تمييع للقضية وضياع لها بين أطراف تلتقي مرة وتتناقض عشرات، بما يجعلها موضوعا لمزايدة ذات وزن قادرة على رفع شعاراًت يحتمي البعض وراءها لتغطية العجز على الأرض الفلسطينية.
3- فلسطينية الثورة هي مدخل قادر على تجميع واستقطاب الجماهير الفلسطينية التي تتناثر في أطراف الدنيا بلا رابط يجمعها أو يشدها إلى الأرض والقضية والمستقبل، وهي الوسيلة الوحيدة لتنقية الوسط الفلسطيني من جو السفسطة والتعقيد من خلال التعدد في الولاء والاتكالية، التي صنعتها السنوات الطويلة من الضياع.

السلطة الوطنية والمرحلية :


إلا أن الأثر الهام للخروج من الأردن كان تصعيد الحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة وتصاعد الصراع على منظمة التحرير الفلسطينية، في ظل تنامي النفوذ السوري، كما أنه منذ عام 1973 استطاعت حركة "فتح"، وبعد عامين من العمليات الخارجية لمنظمة (أيلول الأسود) المحسوبة على "فتح"، استطاعت تعزيز قوتها في المنظمة، وتعزيز تواجدها المسلح في الجنوب اللبناني وبيروت والمخيمات الفلسطينية، وبدأت الحركة بتكريس مفاهيم التنظيم، والمؤسسات المدنية التي انتشرت في مراكز المجتمع الفلسطيني، جنباً إلى جنب مع قواعد الفدائيين الذين لم تتوقف عملياتهم ضد الكيان الصهيوني.
وفي نفس العام تبنت حركة "فتح" بشكل واضح مفهوم "مرحلية النضال" السياسي حيث قبلت مقررات المجلس الوطني الفلسطيني ونقاطه العشر الداعية إلى إقامة السلطة الوطنية على أي شبر يتم تحريره أو استرداده، إضافة لإمكانية التفاوض مع قوى السلام التقدمية الإسرائيلية لتنشأ حينها "جبهة الرفض"، مقابل تيار القبول ممثلا بحركة " فتح"، والجبهة الديمقراطية والصاعقة.

الصراعات الفكرية :


ولم تمر هذه المرحلة على حركة "فتح"بسهولة، إذ كان للصراعات الفكرية والسياسية في الأعوام (1973 – 1983 ) بروزا واضحا خاصة: في الموقف من السلطة والمؤتمر الدولي للتسوية ( مؤتمر جنيف)، مما أفرز عدة تيارات في أوساط الحركة حتى دعا البعض إلى تبني إنشاء حزب طليعي ثوري من بيئة حركة "فتح"، وفي هذا الإطار شهدت الحركة انشقاقات لم يكن لها تأثير كبير على مسيرة الحركة، لأنها انشقاقات ارتبطت بأجندات خارجية أكثر مما كانت تحمل الهم الوطني وقضية الشعب الفلسطيني.


انشقاق أبو نضال :


في العام 1974 واجهت حركة "فتح" تحديا تنظيميا صعبا بخروج صبري البنا "أبو نضال"، مدير مكتب الحركة في العاصمة العراقية بغداد، عن صفوف الحركة وتأسيسه لما أسماه "حركة فتح– المجلس الثوري"، أو ما اشتهر لاحقا باسم "جماعة أبو نضال"، التي لقيت الدعم المكثف من المخابرات العراقية في البداية، ثم من مخابرات عدة دول أخرى لاحقاً، لاسيما في سعي الجماعة المتشدد لرفض الحلول السلمية التي وصفتها هذه الجماعة بـ"الاستسلامية"، وفي قيامها بقتل عشرات القادة والكوادر الفلسطينيين على مساحة العالم ، ثم من كوادرها إذ هي قامت بعديد التصفيات الداخلية ، إلى أن قضى صبري البنا "أبو نضال"، الذي يشار إليه كبندقية للإيجار حتفه في بغداد عام 2002.
ولحق تحدي انشقاق "أبو نضال"، اشتعال الحرب الأهلية اللبنانية في خضم المسيرة السياسية ومحاولات استبعاد ( م.ت.ف)، وذلك منذ حادثة حافلة عين الرمانة في 13/4/1975 في بيروت التي أدخلت القضية والمنظمة و( فتح ) في صراعات مسلحة ضمن النسيج اللبناني، والذي استدعى التدخل السوري المسلح منذ العام 1976 ، إلا أن الحركة استعادت قدرتها على ضبط الصراع التنظيمي السياسي، وتوجيه العمل العسكري من لبنان وفي فلسطين عبر العديد من العمليات المميزة التي كان أشهرها عملية "سافوي عام 1976 ثم عملية دلال المغربي عام 1978، وغيرها الكثير.


إستراتيجية المرحلة اللبنانية :


كانت إستراتيجية حركة "فتح" السياسية وأثر انخراطها في المسيرة السلمية في الفترة من (1973 – 1982 ) - ورغم ما شاب هذه الفترة من تحديات كبيرة تمثلت بعدد من الصراعات الفكرية والسياسية والتنظيمية والعسكرية الداخلية، ورغم نشوب الحرب الداخلية اللبنانية والتدخل السوري في لبنان – كانت إستراتيجية "فتح"، تتركز على أدراج مسألة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في جدول الأعمال السياسي، وثانياً: مشاركة ( م.ت.ف) في أي مفاوضات متعلقة بحقوق الفلسطينيين، لذلك ظهرت شعارات القرار الفلسطيني المستقل بصوت عال ضد محاولات الهيمنة الإقليمية أو الحل من خلف ظهر الفلسطينيين، وعليه كانت الموافقة على مقررات قمة فاس عام 1982 اثر الخروج من بيروت بعد معركة أسطورية خاضتها الثورة الفلسطينية بقيادة فتح بصمود شهد به العالم كله.


مرحلة الانشقاق الثاني ( 1982 – 1983 ):


اختارت "فتح" بعد الخروج من لبنان أن تعمل على إعادة العلاقات مع كل من مصر التي كانت مقاطعة من قبل دول ( جبهة الصمود والتحدي ) بعد اتفاقية كامب ديفيد عام 1977، وان تنسج علاقات جديدة مع الأردن من خلال التنسيق المشترك والدعوة للكونفدرالية، والمشاركة في المفاوضات، التي توجت بالتوقيع لاحقا على الاتفاق الأردني الفلسطيني عام 1985، ولكن مقدمات العلاقات السياسية الناشئة هذه لقيت معارضة سورية وليبية شديدة دفعت البعض الى محاولة شرذمة الساحة الفلسطينية وضرب وحدة الحركة القائدة فيها، باختلاق انشقاقات في صلب حركة "فتح".


لقد كان للتحركات السياسية للقيادة الفلسطينية وإعلانها عدم اشتراط إلغاء معاهدة كامب ديفيد لاستئناف العلاقات مع مصر، وتواصل الحوار مع الأردن واستغلال المنشقين للشعور بالإحباط والمرارة بين قواعد الحركة في سوريا أن أصدروا مذكرة داخلية انتقدت التركيز على الهم الفلسطيني دون البعد العربي، و"عدم الجدية في النضال في الضفة، كما قالوا، دافعاً للتمرد، إضافة للدور السوري المساند والدور الليبي الداعم مالياً.
فقام سعيد مراغة "أبو موسى" من مقره في الحمّارة بسهل البقاع بتنسيق الاتصالات بالضباط المتعاطفين مع الانشقاق منذ إبريل- نيسان عام 1983، وفي أوائل الشهر التالي اتفق أبو صالح وقدري و"أبو موسى" وأبو خالد العملة مع عدد من التنظيمات الأخرى كان من بينها جماعة "أبو نضال" على ما أسموه ( تصحيح مسار الثورة )، فكان من نتائج هذا التمرد أن استولى "أبو موسى" في 9/5/1983 على قيادة قوات اليرموك بعد أن تسلم 60 طنا من الأسلحة عبر الاستخبارات السورية، وأعلن مع شركائه ما أسموه ( الحركة التصحيحية ) في "فتح" والتي عرفت لاحقا باسم (فتح-الانتفاضة)، وأيده بذلك أبو صالح وقدري في دمشق.
ورغم اقتراحات الحلول الكثيرة والوساطات إلا أن الشق تعمق والمأزق كبر مما دفع المنشقين للتصعيد العسكري بدأ من 18 – 19/6 ، حيث هاجموا قوات "فتح" في مناطق تعنايل وتعلبايا الواقعة في سهل البقاع اللبناني بدعم دبابات الجبهة الشعبية-القيادة العامة الموالية لسوريا، فيما احتلت القوات السورية معسكر حمّورية ومواقع "فتح" في البقاع، وحاولت اغتيال ياسر عرفات ثم قامت بطرده وخليل الوزير في 24/6 ليظهر في طرابلس منذ شهر سبتمبر- أيلول، لتبدأ الحرب السورية- الليبية مع المنشقين على ( م.ت.ف) و"فتح"، وفي طرابلس منذ 2/11 وحتى كانون أول- ديسمبر حيث غادر ياسر عرفات والقوات الفلسطينية طرابلس بحراً إلى عدد من الدول العربية ماراً بمصر ولقائه رئيسها حسني مبارك.

تكريس القرار الفلسطيني المستقل :


عقدت فتح المجلس الوطني الفلسطيني ال17 في عمان من 22-29/11/1984 بتجاوز محاولات الالتفاف والانشقاق والهيمنة على القرار الفلسطيني المستقل ومقرّة دبلوماسية تعتمد قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالمسألة الفلسطينية، التي ألحقت بالاتفاق الأردني الفلسطيني الذي اعترف بالقرار 242 ضمنا ، وكان ثمن القرار المستقل على الأرض ( حرب المخيمات ) عام 1985 – 1986 والموجهة أيضا ضد عودة الوجود الفلسطيني والفتحاوي إلى لبنان، تلك الحرب التي أودت بحياة المئات. ثم محاولة الأردن اثر إلغاء "فتح" لاتفاق عمان دعم ما سمى (الحركة التصحيحية لمحاربة الفساد والانحراف السياسي ) في قيادة (م.ت.ف) بقيادة أبو الزعيم عام 1986 والتي باءت محاولته اليائسة بالفشل الذريع .

مرحلة الانتفاضة ( 1987-1994):


إثر حادث صدم شاحنة إسرائيلية كبيرة عمدا (في 8/12/1987) لسيارتين كانتا تقلان عمالا من مخيم جباليا في قطاع غزة نتج عنه استشهاد أربعة منهم، أدى لحدوث اضطرابات في مخيم جباليا تحولت لمواجهات عنيفة في كامل قطاع غزة والضفة الغربية ، وعمت الأراضي المحتلة طوال شهر كانون أول- ديسمبر موجة لا سابق لها من التظاهرات الشعبية والاضطرابات التجارية على نطاق لم ير نظيره من قبل، تم مواجهته بسياسة (رابين) القاضية بتكسير العظام، وقد مرت الانتفاضة بثلاث مراحل :
المرحلة الأولى: مرحلة المواجهة الجماهيرية الشاملة من إضرابات وتظاهرات عارمة ومنظمة وخرق لحظر التجول ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية .
المرحلة الثانية: مرحلة البناء المؤسساتي، حيث ركزت مختلف الفصائل وعلى رأسها حركة "فتح" والقوى الوطنية الأخرى على بناء الأطر الموازية لأطر الاحتلال مع تواصل فعاليات الانتفاضة المختلفة.
المرحلة الثالثة: مرحلة العمليات المسلحة، والتي لم تؤثر على صورة الانتفاضة باعتبارها مواجهات جماهيرية شاملة. وكان خليل الوزير "أبو جهاد" العقل المدبر والموجه للانتفاضة التي كانت تصدر بياناتها من داخل الوطن وتوقع باسم "القيادة الوطنية الموحدة"، التي كان أبرز فصائلها حركة "فتح"، التي أعلنت ومنظمات (م.ت.ف) منذ العام في دورة المجلس الوطني الفلسطيني بالجزائر عام1988 إعلان قيام دولة فلسطين، والاعتراف بإسرائيل عبر الاعتراف بالقرار242، الذي لحقه الانخراط بالتسوية من خلال مؤتمر مدريد عام 1991 وما أفضت إليه المحادثات السرية بين قيادة المنظمة وحركة "فتح"، بإدارة ياسر عرفات ومحمود عباس وأحمد قريع ما عرف باتفاقات أوسلو.

مرحلة أوسلو 1993 والدخول للوطن:


انشطرت الساحة الفلسطينية ما بين مؤيد ومعارض لاتفاقات السلام، التي وقعت في أوسلو ثم في واشنطن في 13/9/1993 وذلك بين (م.ت.ف) والحكومة الإسرائيلية ، وكذلك الأمر داخل حركة "فتح"، حيث اعتبر الرأي السائد أن الحركة دخلت عبر اتفاق أوسلو ضمن الممر الإجباري ، فكان الدخول للوطن منذ 1994 لكوادر (م.ت.ف) بداية لصنع المصير على الأرض لتقام أول ديمقراطية فلسطينية وانتخابات نيابية، وانتخاب رئيس للسلطة الوطنية .
وعلى صعيد الحركة تم تسمية محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة كأقاليم في الحركة، و جرت انتخابات لمعظم المناطق والأقاليم والتي شارك فيها آلاف الكوادر من ذوي التجارب المختلفة (تجربة الحركة الأسيرة والأسرى المحررين، تجربة لجان الشبيبة للعمل الاجتماعي ، تجربة الغربي –جهاز الأرض المحتلة ، تجربة اللجنة الحركية العليا وقبلها اللجان السياسية ، وتجربة التنظيم في الخارج ، وصولا لإعادة تشكيل مكتب التعبئة والتنظيم في العام 2002 ، وذلك في خضم انتفاضة الأقصى والقدس والاستقلال) .
وقد رأت قيادة الحركة ضرورة التعديل والتغيير في النظام بما يتلاءم مع طبيعة الكثافة الحركية وتمازج التجارب واستيعاب الكوادر وضخ روح جديدة وربما فكر جديد .

فكر حركة فتح :


حددت حركة "فتح" في فكرها منذ صياغة ( هيكل البناء الثوري ) الجواب على التشرد وفقدان الأمل والكرامة والوطن والقيادة والسلاح والعون هو: الثورة، بحيث أصبح شعار تحرير فلسطين وإزالة الاحتلال الاستيطاني الصهيوني، وإعادة تأكيد الوجود الفلسطيني، والاستقلالية للقرار والإرادة الوطنية الصلبة، والكفاح المسلح، وبعث الكيان الفلسطيني، و( بالثورة نعيد لشعبنا ثقته بنفسه وقدراته ونعيد للعالم ثقته بنا واحترامه لنا أصبحت من أسس هذا الفكر الوليد ) كما يورد هيكل البناء الثوري .
وأكدت حركة "فتح" على الوجه الوطني الفلسطيني، والاستقلال الذاتي سياسياً وتنظيميا عن الأحزاب القومية والعالمية، وعن الوصاية العربية الرسمية، في ظل رؤيتها لعجز الأحزاب والحكومات وتآمرها، ورغبة مؤسسي الحركة في تكريس "فتح" كحركة للشعب الفلسطيني مناهضة لمفهوم الحزب، باعتبارها عمل مستمر وحركة شعب دعت الفلسطينيين للانتماء إليها لهدف تحرير فلسطين والعودة بعد نزعهم لأرديتهم الحزبية .
لقد مثلت مفاهيم (الثورة) والنضال الوطني في حركة "فتح" تعبيراً عن الإرادة المستقلة، وعن القدرة على التواصل والتجدد الذي طبع مسيرتها، فظهرت معالم العنف الثوري والعمل العسكري عبر العمليات العسكرية والكفاح المسلح في أردية عدة نشأت عبر المبادرة والرعاية ، من القيادة العامة لقوات (العاصفة) 1959 –1971 إلى قوات القسطل وقوات الكرامة 1971-1994 (التي ضمت قوات العاصفة فيها منذ بدأت عملية التجييش)، إلى جماعات صقور الفتح والفهد الأسود في الانتفاضة الأولى 1987-1994، فجماعات كتائب شهداء الأقصى وتشكيلاتها المختلفة في إطار انتفاضة الأقصى والقدس والاستقلال 2000-2004 .
لقد مثلت عقيدة العمل العسكري والكفاح المسلح وحرب الشعب طويلة الأمد لدى حركة "فتح" وسيلة هامة لتعبئة طاقات الجماهير والشعب الفلسطيني، ولتأكيد هويته وتحقيق وحدته وفرض استقلاليته, إلى جانب العمل السياسي والنقابي والاجتماعي والجماهيري والإعلامي الذي ارتبط بالحركة ليس منذ الانطلاقة العسكرية المسلحة عام 1965، بل منذ النشأة عام 1957 والذي مثل مجال الانطلاق والإبداع، والخروج من حالة السكون إلى الحركة، ومن حالة الخمول إلى الثبوت وإبداع الوسائل في مسيرة التضحية والثورة حتى النصر .

مؤتمرات حركة " فتح":


عقدت حركة "فتح" مؤتمراً في الكويت عام 1962 تم فيه رسم أهداف العمل وخططه وثبت فيه الهيكل التنظيمي ووزعت فيه مهمات القيادة، وعقدت مؤتمراً آخر في دمشق أواخر العام 1963 حيث ركزت على زيادة العضوية، وعلى تأمين الدعم العربي وغير العربي.
ويشار إلى الاجتماعات التي عقدت لإقرار موعد الانطلاقة أواخر 1964 على أنها المؤتمر العام الأول.
في العام 1967 وتحديدا في 12 حزيران أي بعد النكسة عقد في دمشق مؤتمر حضره 35 كادرا دعا لتواصل العمليات العسكرية وحرب العصابات باستثناء قلة من أعضاء اللجنة المركزية العليا التي تواجدت حينها بين الكويت ودمشق، ووضعت خطة تهدف إلى : تحضير العمل العسكري والمقاومة المدنية، ولكسب الحكومات العربية والدعم المادي، وإقامة إذاعة، وتم تأليف اللجان لإدارة الشؤون العسكرية والتنظيمية. وشكلت اللجنة المركزية الجديدة التي كلف فيها ياسر عرفات وآخرين ببناء قواعد عسكرية سرية في الأراضي المحتلة.وفي 28/8/1967 أعلنت فتح انطلاقتها الثانية .
عقدت الحركة مؤتمرها الثاني في الزبداني قرب دمشق في يوليو 1968، وبرزت في المؤتمر الدعوة لإحياء إطار المجلس الثوري المنصوص عليه في ( هيكل البناء الثوري) لمراقبة عمل اللجنة المركزية العليا، وتم في هذا المؤتمر انتخاب لجنة مركزية جديدة من 10 أعضاء.
وفي أوائل سبتمبر 1971 عقد المؤتمر العام الثالث لحركة " فتح"، والذي التهبت فيه النقاشات حول أسباب الأحداث الدامية في الأردن والخروج منها ، واتهم فيها جهاز الرصد الثوري بالتقصير وأدينت بيروقراطية العلاقة بين م.ت.ف وحركة "فتح" ، وتمت الدعوة لتكريس القيادة الجماعية، وقد تغلبت اللجنة المركزية على التحديات والصعاب في المؤتمر وأعيد انتخاب لجنة مركزية جديدة ، وتم إقرار النظام الداخلي لحركة "فتح"، الذي توضحت فيه بصورة أكبر مهمات المجلس الثوري، كما اعتمدت المركزية الديمقراطية كأسلوب حياة في التنظيم، وأقرت عضوية العرب في التنظيم لأول مرة .
جاء المؤتمر الرابع المنعقد في العاصمة السورية دمشق عام 1980، في ظل ظروف داخلية وإقليمية متأزمة بعد تصاعد التهديدات الإسرائيلية بضرب البنية الأساسية لمنظمة التحرير في لبنان، وكان من ابرز التغيرات التنظيمية هو انتخاب أعضاء جدد للجنة المركزية لحركة فتح بعد القرار بتوسيعها فاختير أعضاء جدد كل من (سميح أبو كويك " قدري" وماجد أبو شرار هاني الحسن ورفيق النتشة وسعد صايل)، وعقد المؤتمر الذي ضم 500 عضوا في دمشق شهر أيار- مايو 1980 ليقر أن الولايات المتحدة العدو الرئيسي لفلسطين، ودعا لتحالف وثيق مع الاتحاد السوفيتي، وكان من أبرز التعديلات النظامية تخصيص مالا يقل عن 50 % من المقاعد للعسكريين وتوسيع المجلس الثوري .
وفي شهر أب- أغسطس 1988عقد المؤتمر العام الخامس لحركة "فتح" في العاصمة التونسية، بحضور أكثر من 1000 عضو ، وفيه وسعت اللجنة المركزية وأنشئ مكتب سياسي ( لم يعمل به ) وكونفرس، وكرس منصب القائد العام، وأكد المؤتمر على تصعيد الكفاح المسلح، و على تواصل العمل السياسي .

ماذا حققت حركة "فتح" ؟:


1. استطاعت حركة "فتح" عبر الكفاح المسلح والنضال بكافة أشكاله أن تؤكد على الشخصية أو الكيانية ( الهوية ) الوطنية الفلسطينية، وعلى استقلالية القرار الوطني الفلسطيني مقابل السعي العربي الحميم للهيمنة والسيطرة أو الشطب والطمس أو الإلغاء. فبعد الانطلاقة بات الحديث على المستويين العربي والدولي يدور عن قضية الشعب الفلسطيني وليس عن قضية لاجئين.
2. استطاعت أن تعيد القضية إلى العلن والضوء وبقوة، نتيجة السعي الحثيث للممازجة بين العمل السياسي والجماهيري ، الوطني والقومي .
3. إنشاء الكيان الفلسطيني في الخارج ممثلا ب ( م.ت.ف) ثم في الوطن ممثلا بالسلطة الوطنية الفلسطينية كمدخل للدولة المستقلة رغم التدمير الذي أحدثه الاحتلال بالتجربة عبر سنوات الانتفاضة الأخيرة .
4. أسهمت الدبلوماسية في تحقيق الاعتراف العالمي بالقضية الفلسطينية ثم ب ( م.ت.ف) ولاحقا بالسلطة الوطنية الفلسطينية والحقوق الوطنية المشروعة .
5. تكريس البناء المؤسسي عبر مختلف مؤسسات الخدمات التي نشأت في حضن "فتح" ثم في إطار ( م.ت.ف) وهي الطبية والاجتماعية والتجارية المختلفة
6. فعلّت الحراك الوطني والسعي الديمقراطي من خلال إنشاء ودعم النقابات والاتحادات الشعبية والانتخابات والآلية الديمقراطية .
7. بعثت حراكا واسعا من خلال التنظيم الذي تعاقبت عليه تجارب عدة أغنت الفكر والخطط والمفاهيم ، وأحدثت صراعا كبيرا ومتصلا .
8. اتسمت "فتح" بالمرونة والبراغماتية فاعتمدت الكفاح المسلح حيث يكون، والعمل السياسي حيث يجب ، وقرأت الخريطة والمسار والعوامل الإقليمية والدولية فسارت في حقول الألغام متجنبة كبرى المطبات وشكلت مساحة واسعة من التعددية تطال المجتمع الفلسطيني كله .

ملحق 1 :


بسم لله الرحمن الرحيم
بلاغ عسكري رقم (1 )
اتكالاً منا على الله ، وإيماناً منا بحق شعبنا في الكفاح لاسترداد وطنه المغتصب ، وإيمانا منا بموقف العربي الثائر من المحيط إلى الخليج ،وإيمانا منا بمؤازرة أحرار وشرفاء العالم ، لذلك فقد تحركت أجنحة من قواتنا الضاربة في ليلة الجمعة 31/12/1964 ، 1/1/1965 وقامت بتنفيذ العمليات المطلوبة منها كاملة ضمن الأرض المحتلة ، وعادت جميعها إلى معسكراتها سالمة .
وإننا لنحذر العدو من القيام بأية إجراءات ضد المدنيين الآمنين العرب أينما كانوا ، لأن قواتنا سترد على الاعتداء باعتداءات مماثلة ، وستعتبر هذه الإجراءات من جرائم الحرب
كما وإننا نحذر جميع الدول من التدخل لصالح العدو وبأي شكل كان لأن قواتنا سترد على هذا العمل بتعريض مصالح هذه الدول للدمار أينما كانت .
عاشت وحدة شعبنا
وعاش نضاله لاستعادة كرامته ووطنه
القيادة العامة لقوات العاصفة
1/1/1965


هذا وتابعت القيادة العامة لقوات العاصفة التابعة لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" إصدار بلاغاتها العسكرية، فصدر بلاغها الثاني في 12/1/1965، معلنة فيه عن مهاجمة قواتها لمنشآت تحويل نهر الأردن، وإنها أصابت الأهداف المحددة لها.

ملحق 2 :


قرار هام صادر عن قيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" وقواتها "العاصفة".
قررت قيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" وقواتها "العاصفة" اعتماد السيد ياسر عرفات "أبو عمار" ناطقاً رسمياً باسم الحركة، وممثلاً لها على كافة المستويات الرسمية والشعبية والتنظيمية والمالية والإعلامية. ويعمل بهذا القرار من تاريخه. كما تعلن قيادة الحركة أن بياناً هاماً سيصدر عن الناطق الرسمي في وقت لاحق.



ليست هناك تعليقات: