الخميس، 5 نوفمبر 2015

هل أدى اغتيال رابين إلى قتل أفضل فرصة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟


هل أدى اغتيال رابين إلى قتل أفضل فرصة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟

  • 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015
Image copyrightAFP
Image captionعرفات وكلينتون ورابين فيما عرف لاحقا "بالمصافحة التاريخية"
لقد كان لي حوار قبل فترة وجيزة مع أحد المسؤولين الإسرائيليين بخصوص اغتيال اسحاق رابين قبل 20 عاما والتى أعتقد أنها كانت أحد أكثر عمليات الاغتيال السياسي نجاحا في القرن العشرين.
فإيغال عامير الذي اغتال رابين أراد بإطلاق الرصاص على الرجل الذي امتلك الفرصة لتنفيذ معاهدة أوسلو مع الفلسطينيين تدمير عملية السلام برمتها.
أراد عامير أن يوقف تخلي إسرائيل عن الأراضي في الضفة الغربية المحتلة لسيطرة الفلسطينيين وكان يؤمن بأن هذه الأرض هي منحة الرب للشعب اليهودي ولايجوز ابدا مبادلتها أو التخلي عنها لأي سبب من الأسباب وهذا ما أفلح عامير في تحقيقه.
ويرى المسؤول الإسرائيلي أن خلف رابين في رئاسة الحكومة الإسرائيلية كان يرغب بنفس القدر في تنفيذ اتفاق أوسلو لكنه لم يتمكن من التوصل لاتفاق، كما أن ياسر عرفات وخلفه محمود عباس ابومازن أيضا لم يكن لديهم القدرة على قبول حل وسط ضروري للتوصل إلى حل نهائي.
وكان عامير في العشرين من عمره عندما قتل رابين وكان يهوديا متشددا وطالبا في كلية الحقوق لذلك كان يعتبر أنه حقق إنجازا كبيرا، فعندما وقف امام المحكمة اعترف متفاخرا بأنه قتل رابين وطلب زجاجة من الخمر للاحتفال بإنجازه.
Image copyrightAP
Image captionإيغال عامير قاتل رابين
أجواء متوترة
لقد كانت الأجواء السياسية في الأراضي الفلسطينية وداخل إسرائيل مضطربة وتزداد اضطرابا كلما اقتربنا من الرابع من نوفمبر/ تشرين ثاني عام 1995 يوم اغتيال رابين.
كان هناك شعور مختلط من الأمل والإحباط خاصة بين أنصار السلام في الجانبين بينما كان الخوف والقلق يتزايد بين المتشددين الإسرائيليين والمسلحين الفلسطينيين التابعين لحماس.
وكنت قد انتقلت إلى مدينة القدس قبل هذا الموعد بنحو شهرين كمراسل لبي بي سي وكنت أرى صورا لإسحاق رابين أينما تجولت في القدس الغربية التى تسيطر عليها إسرائيل وضعها معارضو عملية السلام التى وافق عليها مع الفلسطينيين.
وأغلب هذه الصور كانت تصور رابين تماما مثلما كان يبدو عرفات واضعا الشال الفلسطيني ذي المربعات البيضاء والسوداء على رأسه بنفس طريقة عرفات ،وبعض الصور التى حملها معارضو رابين كانت تصوره مرتديا الزي النازي ،وتحدث في بعض المظاهرات الغاضبة زعيم المعارضة آنذاك والذي أصبح رئيسا للوزراء حاليا بنيامين نتنياهو.
Image copyrightReuters
Image captionرابين وشارون على الجبهة
أيام أفضل
وعلى الجانب الفلسطيني كانت حركة حماس المسلحة قد بدأت بالفعل حملة من التفجيرات الانتحارية رافضين اتفاق أوسلو بشكل كامل وعملية اقتسام الأراضي مع الإسرائيليين حيث اعتبروه استسلاما وهذا الطرح أيده بعض المثقفين الفلسطينيين البارزين في هذا الوقت أيضا.
لكن شخصيا كنت أشعر في صيف ذلك العام أن القطاع الأكبر من الفلسطينيين والإسرائيليين كانوا ينتظرون أياما أفضل في القريب العاجل بالتوصل لحل سلمي شامل لأكبر وأكثر الصراعات تعقيدا في العصر الحديث بينما كان المتطرفون يصرخون ويتصرفون باندفاع شديد بعدما رأوا أنهم خارج الصورة.
لقد كان رابين أكثر الساسة الإسرائيليين قدرة على إنجاز السلام إن كان سيحدث. فقد كان أكثر القادة الإسرائيليين الذين منحهم المواطنون ثقة كاملة في الحفاظ على أمنهم.
وكان رابين أحد قادة جيل حرب تأسيس الدولة عام 1948 وأيضا في حرب عام 1967 حيث كان رئيسا للأركان وقاد القوات المسلحة الإسرائيلية لواحد من أهم انتصاراتها في التاريخ على الأعداء العرب. ففي ستة أيام تمكن رابين من قيادة الإسرائيليين لتدمير جيوش مصر والأردن وسوريا وبعد ذلك اتجه كالعادة نحو المجال السياسي.
Image copyrightGetty
Image captionشعر انصار السلام بالتقصير في حماية رابين بعد اغتياله
حرب السلام
وبمجرد بدء عملية السلام في أوسلو وضع رابين كل ثقله خلفها سواء بتواجد حزبه في الكنيسيت أو على المجال الدولي وذلك حسب ماقال بنفسه في خطاب عام 1993.
وقال رابين في الخطاب "رقمي المسلسل 30743 فريق احتياط في الجيش الإسرائيلي إسحاق رابين وجندي في جيش الدفاع الإسرائيلي وفي جيش السلام وأنا أرسلت الجيوش إلى الحرب والجنود إلى حتفهم لكنني اقول اليوم إننا ندخل حربا دون مصابين ولا ضحايا دون دماء أو معاناة إنها الحرب الوحيدة التى أستمتع بالمشاركة فيها إنها الحرب من أجل السلام".
لقد اقتنع الإسرائيليون بكلام رابين عن السلام لأنه كان قد أثبت نفسه في المجال العسكري كرجل راغب في إرساء الأمن القومي قبل كل شيء لذلك أطاعوه عندما قال إن السلام هو خيار المرحلة لا الحرب.
لقد اجتاحت الصدمة المجتمع الإسرائيلي بمجرد اغتيال رابين بل إن قطاعا واسعا من أنصار السلام على الجانب الإسرائيلي شعروا بالتقصير في حماية الرجل عندما تعرض لحملة من الإدانة اللفظية.
بالطبع ليس بمقدورنا تخيل كيف كانت ستصبح الامور لو عاش رابين، لكن الواقع أنه بموته تحولت اتفاقات أوسلو إلى مرحلة من الموت البطيء، لكنها كانت قد قتلت فعليا في الرابع من نوفمبر / تشرين ثاني عام 1995 اليوم الذي اطلق فيه عامير الرصاص على رابين.
لقد كانت هناك فرصة كبيرة في التوصل للسلام عندما كان رابين على قيد الحياة. فقد كان بصدد عقد اتفاق صعب مع عدوه السابق ياسر عرفات الرجل الذي زار ليا ارملة رابين بعد ذلك مقدما تعازيه في منزلها في تل أبيب حيث التقطت له صورة دون كوفيته المعروفة.
Image copyrightGovernment Press Office HO
Image captionرابين وبيريز وعرفات
دولة فلسطينية
لقد كان من الممكن ألا يتم إنجاز اتفاق أوسلو والذي كان متأخرا بالفعل يوم مقتل رابين بسبب تأخر المحادثات بين الجانبين، ورابين نفسه لم يقل علنا ابدا أنه يؤيد فكرة تأسيس دولة مستقلة للفلسطينيين، لكن رغم ذلك يؤكد مساعده الأقرب أنه كان يعلم تمام أن ذلك سيكون ركنا من أركان أي اتفاق في مرحلة التسوية النهائية مع الفلسطينيين.
ورغم أن المفاوضين لم يقربوا نقاطا رئيسية مثل حدود فلسطين النائية ووضع القدس وملف عودة اللاجئين وملف المستوطنات في الأراضي المحتلة لكن بين رابين وعرفات ربما برزت اللحظة المناسبة لتحقيق عملية سلام صعبة وصناعة التاريخ.
Image copyrightGetty
Image captionإيغال عامير
مسار مختلف
لقد أدى شيمون بيريز اليمين الدستورية رئيسا للحكومة بعد اغتيال رابين وبدلا من الدعوة لانتخابات مبكرة قرر استمرار الحكومة لانهاء فترتها وبعد ذلك توالت سلسلة من الأخطاء، وعلى الجانب الآخر كثفت حماس من التفجيرات الانتحارية.
في ليلة الانتخابات التالية عام 1996 ذهب الإسرائيليون إلى أسرتهم وهم يعتقدون أن بيريز سيفوز بفارق ضئيل على منافسه نتنياهو، وفي مقر تكتل الليكود المعارض. وقتها رأيت بنفسي المتشددين الإسرائيليين يبكون بسبب خسارة مرشحهم نتنياهو، لكن في الصباح استيقظ الجميع على النتائج النهائية التى منحت نتنياهو نصرا صعبا، لقد كان بمقدور رابين لوكان حيا أن يفوز على نتنياهو وحينها كان المستقبل سيختلف كليا.
حتى الان لايزال إيغال عامير في السجن مقتنعا بشكل كلي بأنه بطل قومي بينما تطالب حملة شعبية بالعفو عنه وتم السماح له بالزواج وإنجاب ابن خلال فترة سجنه وأقيم حفل ختان ابنه في سجن ريمونيم بعد 12 عاما من واقعة اغتيال رابين.
ومع اقتراب الذكرى العشرين لاغتياله رابين حضر عامير مكبل اليدين بينما ينشد المتطرفون من أنصار فريق بيطار لكرة القدم في القدس اسمه في المدرجات.

ليست هناك تعليقات: