الأربعاء، 17 أغسطس 2011

من حكومة غزة إلى حكومة رام الله يا قلب لا تحزن..!!

من حكومة غزة إلى حكومة رام الله يا قلب لا تحزن..!!

بقلم: سمير الدقران

حكومة رام الله.. تباين في الأرقام
فاجأنا الدكتور سلام فياض بالانهيار المالي للسلطة وعدم قدرتها على دفع الرواتب، ثم قام بدفع نصف راتب لموظفي السلطة ليؤكد ادعاءه، الأمر الذي أربك الحياة العامة، وأربك حياة الموظفين خاصة.
الأزمة المالية للسلطة في حقيقتها أمر مصطنع، ولا أساس له من الصحة، حيث تشير الأرقام المتعلقة بالإيرادات العامة إلى حالة ازدهار، ويمكن لها تغطية الإنفاق العام من الرواتب ومصروفات تشغيلية، وعندما قدمنا تقديراتنا في مقال سابق بناء على معطيات تتعلق بالتبغ والوقود وغاز الطهي كان هناك تشكيك بتلك الأرقام رغم أنها منقولة عن مصادر رسمية، إلى أن طالعنا المقدم غالب ديوان - مدير عام الضابطة الجمركية في حكومة رام الله - بالأرقام الحقيقية للإيرادات من الجمارك وهي 600 مليون شيكل شهرياً وأضاف \"عيننا على المليار\".

وكشف ديوان لصحيفة \"الحياة الجديدة\" في ملحقها الاقتصادي \"حياة وسوق\" الصادر في 30 يوليو عن أن نجاح السلطة الوطنية في وقف جميع أشكال التهرب الضريبي وتزوير فواتير المقاصة وتوفير البيان الجمركي للبضائع، سيمكنها من الاستغناء بالكامل عن المنح والمساعدات الخارجية، وسيدخل قرابة مليار شيكل شهريًا للخزينة العامة.
فإذا علمنا أن متوسط الجمارك على السلع والخدمات التي تدخل إلى مناطق السلطة الفلسطينية هو 50% فإن قيمة تلك السلع والخدمات هي ضعف الرقم الذي ذكره ديوان، وهي 1,2 مليار شيكل شهرياً فإذا أردنا أن نحسب ضريبة القيمة المضافة والتي تجبيها السلطة عنها أيضًا وهي تساوي (قيمة السلع+الجمارك مضروبة في 14,5%) وهي (1,2+0,6=1.8 مليار شيكل) مضروبة في 14,5% ويساوي 261 مليون شيكل إضافية تدخل إلى الخزانة العامة.
أي أن الإيراد الشهري من الجمارك مع ضريبة القيمة المضافة وبحسابات دقيقة وغير قابلة للشك كما جاءت على لسان ديوان، وتعكس البيانات الحقيقية وهي861 مليون شيكل شهريًا، وتبلغ حوالي 10 مليارات وثلث المليار شيكل سنوياً (نحو 3 مليار دولار)، وهذا لا يشمل بطبيعة الحال الإيرادات العامة من المؤسسات والوزارات وضرائب الدخل والضرائب والرسوم الأخرى التي تقدر بحوالي 2 مليار دولار سنويًا، أي أن الإيرادات العامة الحقيقية لا تقل سنويًا عن خمسة مليارات دولار، فأين الأزمة؟!

حكومة غزة .. تباين في الأرقام
من جانبها أخرت حكومة غزة عملية صرف رواتب شهر يوليو، وأعلنت الحكومة أنها لا تعاني كحكومة رام الله من أزمة ديون، وإنما تعاني من أزمة مالية تحول دون صرف الرواتب.
وادعت حكومة غزة حسبما جاء على لسان وزير الاقتصاد الدكتور علاء الرفاتي في مقابلة مع إذاعة \"شباب فلسطين\" قبيل رمضان، أن إيراداتها السنوية لا تتعدى 100 مليون دولار، وكان ذلك منافيًا لإجابته على أسئلة أخرى –في نفس الإذاعة- بهذا الخصوص، فقد أوضح أن معدل استهلاك غزة من البنزين يوميًا نصف مليون لتر - ولا ندري إن كان هذا الاستهلاك للسيارات فقط أم يشمل المولدات المنزلية وشركة الكهرباء أيضاً – حيث أن بعض الأرقام تشير إلى وجود أكثر من 350 ألف أسرة في غزة ونفترض أن مائة ألف مولد منزلي تعمل يوميا بسبب انقطاع التيار الكهربائي و تستهلك خلال 8 ساعات الانقطاع الكهربائي اليومية بمعدل 3 لتر بنزين، وهذا يشير إلى 300 ألف لتر للمولدات وحدها يوميا، وكما أشار الوزير إلى استهلاك نحو مائتي ألف علبة سجاير يومياً، وبحساب إيرادات حكومة غزة من هذين الصنفين فقط يصل إلى 115 مليون دولار سنوياً، ناهيك عن الإيراد من دخول السولار المستهلك للسيارات والمصانع والذي يقدر 500 ألف لتر يوميا بالإضافة إلى 220 ألف لتر لشركة الكهرباء يوميا وتأخذ حكومة غزة شيكل واحد على كل لتر والمواد الأخرى من السلع التي تدخل عبر الأنفاق كالحديد والإسمنت والسيارات، بالإضافة إلى الدخل من الوزارات والمؤسسات الحكومية وعلى رأسها وزارة المواصلات.
فإذا سلمنا جدلاً بأن استهلاك البنزين يصل إلى نصف مليون لتر فقط فإذا كانت الحكومة تحصل 1شيكل على كل لتر، فإنها تحصل على 500 ألف شيكل يومياً كضريبة على البنزين، وتبلغ سنوياً حوالي 180 مليون شيكل، (نحو 55 مليون دولار)، كما أن الدخل المتحصل من الديزل لحكومة غزة لا يقل عن البنزين ويقدر بنحو 55 مليون دولار سنويًا.

وكما قال في نفس اللقاء إن الحكومة تُحصِّل 3 شيكل عن كل علبة تبغ وبالتالي فإن معدل التحصيل يومياً يصل إلى 600 ألف شيكل، وتبلغ سنوياً 219 مليون شيكل (نحو 65 مليون دولار)، ويتبين أن إجمالي الإيراد من الوقود والتبغ فقط يصل إلى 175 مليون دولار سنوياً.
كما تشير التقديرات المتعلقة بإيرادات وزارة المواصلات وذلك بالمقارنة مع أرقام حكومة رام الله (حيث نسبة غزة إلى رام الله هي 40% إلى 60%) وبما أن إيرادات وزارة المواصلات في رام الله قبل الانقسام تبلغ 300 مليون دولار سنوياً، فإن التقديرات تشير إلى تحصيل حكومة غزة نحو 120 مليون دولار (سيما في ظل حملة الضبط المرورية الأخيرة والتي حققت نتائج بنسبة تصل إلى 100%).

ناهيك عن الإيرادات الإضافية من الأنفاق وأهمها الحديد والإسمنت والسيارات وغيرها من البضائع الأخرى والإيرادات من المؤسسات والوزارات الحكومية.
إن ما جاء على لسان وزير الاقتصاد وبعد الاطلاع على موازنة حكومة غزة بأن إيرادات حكومة غزة لا تزيد عن 117 مليون دولار سنويًا وأن موازنتها تصل إلى 629 مليون أي أنها تعاني من عجز مالي سنوي يقدر بحوالي 512 مليون دولار يشير إلى تعتيم مقصود للأرقام الحقيقية، أما التقديرات التي أشرت لها في هذا المقال والمنقولة عن لسان الوزير نفسه، بالإضافة إلى معطيات أخرى فتؤكد أن العائد من إيرادات الأنفاق والمؤسسات والوزارات الحكومية يفوق الـ 600 مليون دولار سنويًا.
بين الحكومتين \"يا قلب لا تحزن\"..
حالة التناغم بين الحكومة في غزة مع \"الأزمة المصطنعة\" لحكومة رام الله والتأخير المشترك في دفع الرواتب، تشير إلى أن الأزمة هي أزمة سياسية، وليست اقتصادية، سيما مع حالة شبه الاتفاق بين الحكومتين، وربما اعتقدت حكومة رام الله أن حكومة غزة ليس لها دراية في المراوغة السياسية أو الاقتصادية، حيث أدارت الأخيرة الأزمة بمنتهى الذكاء وبشكل لم تتوقعه سلطة رام الله، ولكن في المجمل فإن الشعب مضلل من كلا الحكومتين، \"فيا قلب لا تحزن\"، والقدس والدولة باتت على مرمى حجر..!!
وهنا لابد من إيضاح أن غزة أصبحت في موازنة رام الله \"كالراقصة التي رقصت على السلم\"، فلا يراها الجالسون بالأعلى ولا الجالسون بالأسفل، وباتت مجهولة الهوية وكأنها ليست جزءًا من فلسطين والفلسطينيين، ولا يوجد توضيح لحجم العاملين من هذه الموازنة لقطاع غزة ويكاد ينعدم منذ الانقسام، ويكاد نصيب غزة أن يكون معدومًا في موازنة رام اللة واحداثياتها الوظيفية صفرا، فعلى سبيل المثال فإن مفرغي 2005 مازالت قضيتهم عالقة وفي مهب الريح، وتستعمل من وقت لآخر كورقة سياسية رخيصة دون اكتراث بالجانب الإنساني لهؤلاء، وقضية وقف رواتب البعض لأسباب سياسية، وهذا شيء مقيت ولا يجوز بالمطلق التلاعب بقوت العباد بهذا الشكل المعيب.
ومع دخول شهر رمضان واحتياج الناس إلى التزود بالحاجيات الأساسية اللازمة في هذا الشهر الفضيل، حيث تزيد معدلات الاستهلاك عن الشهور العادية، فإنه يتوجب على المسئولين في الطرفين بغزة ورام الله أن يتقوا الله في هذا الشعب، وأن يتم صرف الرواتب في مواعيدها، وحبذا لو تم صرف 14 راتب في السنة كالبنوك، وينطبق ذلك على القطاع الخاص وان يتم استصدار قانون بهذا المعنى على أن يصرف الراتب الإضافي في شهر رمضان (أو قبل بداية العام الدراسي في شهر أغسطس) وراتب إضافي في عيد الأضحى، فالأرقام التي أشرنا إليها تؤكد قدرتكم على ذلك، سيما إذا تم ترشيد الإنفاق العام في مجالات لا لزوم لها، وأن يتم إنهاء الانقسام بالسرعة الممكنة لما فيه مصلحة وطنية وتوحيد الجهود حتى نتفرغ لمقارعة الاحتلال وإنهائه وأن تتقوا الله في القدس التي تستصرخكم ليل نهار فهل من مجيب لندائها وصرختها وأنينها وما لنا إلا أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل.

* خبير الاقتصادي ومستشار ضرائب، عضو مجلس إدارة الهيئة الفلسطينية للموظفين المدنيين. - degran966@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: