الأربعاء، 17 أغسطس 2011

ما أشبه اليوم بالأمس

ما أشبه اليوم بالأمس

هشام ساق الله 
 
قبل يومين أرسل لي احد إخوتي الأعزاء رسالة على الجوال ليذكرني بمذبحة تل الزعتر التي صادفت قبل أيام حيث حوصر مخيم تل الزعتر بلبنان لمدة طويلة وتم اقتحامه من قبل النظام السوري وميليشيات مسيحيه وقاموا بترحيل سكان المخيم بعد ان أطلقوا عليه ألاف القذائف وقتلوا أعداد كبيره وجرحوا أناس كثيرون واليوم تقوم البحرية السوريه بإطلاق أعيرتها النارية على مخيم الرمل في سوريا وتقتل وتجرح وتشتت هؤلاء المعذبين منذ عام 1948 والذين ينتظرون ان يستريحوا ويعيش مثل باقي البشر.
 
مساكن هم أبناء شعبنا هؤلاء المشتتين كل شيء يؤثر عليهم الثورات والزلازل والبراكين وكل عوامل الطبيعة والجغرافية فهم محط استهداف كل شيء لأنهم يعيشون خارج وطنهم ولازال الكل يعتبرهم غرباء ودخيلين على الواقع الذي يعيشون فيه فبرغم من تأكيدات الحكومات السورية المتعاقبة بان الفلسطيني هو مواطن لا يختلف عن السوري الا بالانتخاب وبجواز السفر حفاظا على حق العودة .
 
هذا القتل الممنهج والتوغل بالدم الفلسطيني ليس غريبا عن النظام السوري المتعاقب من الأب حتى الابن فقد سبق ان ارتكبت مجازر بشعة بحق شعبنا في مخيمات لبنان منذ الحرب الاهليه اللبنانية وكان للجيش السوري اليد فيها وكان دائما القتل باسم المقاومة وحماية المقاومة أمام التفريط واليوم يقمعون ثورة الشعب السوري الثائر من اجل تغيير النظام الموجود .
 
الفلسطينيين هم الحل في لفت الانظار عن جرائم الجيش السوري والنظام التي ارتكبت في اللازقيه المدينة الثائرة فكان لزاما على النظام ان يقوم بضرب مخيم الرمل الفلسطيني الأمن على هذه المدينة الساحلية والذي يعيش فيه أبناء شعبنا امنين لا يتدخلون بالوضع الداخلي السوري منذ عام 1948 وهم على أهبة الاستعداد للعودة الى مدنهم الفلسطينية القريبة من سوريا بقواربهم التي هاجروا فيها .
 
فمذابح تل الزعتر وجسر الباشا ومخيمات شمال لبنان نهر البارد والبداوي إثناء الانشقاق الذي افتعله النظام السوري لازالت ماثله وإعداد المعتقلين الذين يصلون الى الآلاف الذين يعتقلهم النظام السوري مازالوا في ذاكرتنا ولأزل النظام السوري منضبط منذ وقف اطلاق النار عام 1973 حتى ألان لم يطلق أي طلقه من أراضيه ولا يسمع للمقاومة بالعمل من أراضيه هذا النظام الذي يحمي الحدود الشمالية للكيان الصهيوني بأمانه ونزاهة باسم المقاومة .
 
فر اكثر من 5000 لاجئ فلسطيني من مخيم الرمل في اللاذقية، فيما لم يعرف بعد حجم الخسائر البشرية التي وقعت بين اللاجئين الفلسطينيين، وذلك اثر تعرضه للقصف المدفعي السوري منذ صباح اليوم الاثنين.
 
ندد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه بعمليات اطلاق النار المكثفة التي نفذتها قوات الامن السورية ضد مخيم الرمل الفلسطيني القريب من مدينة اللاذقية والتي ادت الى وقوع اعداد من القتلى والجرحى.
 
واتهم المسئول الفلسطيني النظام الحاكم في دمشق ‘برفض التعامل مع اي مؤسسة دولية لاسيما وكالة الغوث الدولية ‘اونروا’ والتي تريد الاطلاع على ما تعرض له مخيم الرمل في شمال سوريا وتقديم العون لسكانه’، مؤكداً أن ‘الالاف من اللاجئين الفلسطينيين من سكان هذا المخيم الذي بني وسط حزام من الاحياء البائسة والفقيرة في اللاذقية اضطروا الى مغادرته الى جهات ليست معروفة بعد ان تعرض للقصف على يد قوات الامن السورية’.
 
من جهته طالب الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، اليوم الإثنين، السلطات السورية باتخاذ الإجراءات التي تحول دون المساس بحياة اللاجئين الفلسطينيين في مخيم الرمل باللاذقية.
 
بدورها، أعربت منظمة التحرير الفلسطينية اليوم عن "ادانتها الشديدة" لاقتحام القوات السورية مخيم الرمل وقصفه وتهجير سكانه، واصفة ما يجري بـ"الجريمة ضد الانسانية".
 
 
أدان سليم الزعنون، رئيس المجلس الوطني الفلسطيني في تصريح صحفي، اليوم الثلاثاء، واستنكر بشدة الهجوم المسلح للقوات السورية على مخيم الرمل الفلسطيني باللاذقية بسوريا، والذي أسفر عن سقوط عدد من الشهداء والجرحى ونزوح آلاف اللاجئين الفلسطينيين من المخيم حسب ما أعلنه الناطق باسم ‘الأونروا’ ،
 
وطالب الزعنون الهيئات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان وبرلمانات العالم ومجالسها الشورية بذل قصارى جهودها لوقف هذا الاعتداء غير المبرر، خاصة أن الفلسطينيين في سوريا حافظوا على أصول الضيافة ولم يتدخلوا لا من قريب ولا من بعيد في الشؤون الداخلية لسوريا الشقيقة ولم يصدر عنهم بصفة رسمية أو شعبية ما يشير إلى انحيازهم لطرف دون آخر، وشهد بذلك العالم وتحدثت به الصحف الدولية.
 
دأت معركة تل الزعتر، أطول معارك الحرب الأهلية وأكثرها خسائر وضحايا فقد فرضت قوات اليمين المسيحي الحصار على مخيم اللاجئين منذ شهر كانون الثاني –يناير 1976 حيث وقعت اشتباكات عنيفة و ضارية على أطراف المخيم بين (مسلحين الفصائل الفلسطينية المتمركزين في المخيم ضد قوات اليمين المسيحي) ثم شن في 22 حزيران هجوما واسع النطاق على تل الزعتر وعلى التجمعين المجاورين له، جسر الباشا والنبعة وبدأت القذائف والصواريخ تمطر هناك بلا انقطاع من الفجر إلى المغيب وعلى مدى اثنين وخمسين يوما متتالية ويقدر عدد القذائف التي سقطت على تل الزعتر والذي التجأ إليه 20 ألف فلسطيني و 15 ألف لبناني مسلم بحوالي 55000 قذيفة.
 
وبدأ بضع مئات من أفراد الميليشيات المارونية – هي ميليشيا كميل شمعون التي عاد الكتائبيون بعد خمسة أيام فانضموا إليها بعد تردد – بمحاصرة المخيم بعد دخول الجيش السوري إلى لبنان بعشرة أيام وببديهة الحال، فإنهم انتظروا مبادرة دمشق ليقوموا بهذه المذبحة، ودليلي على ذلك هو رد فعل اليمين المسيحي على عرض التسوية الذي قدمته المقاومة مع كمال جنبلاط أليهم في 25 أيار أي قبل تدخل الجيش السوري بأسبوع، وكان هدف الصيغة المقترحة هو بالضبط منع تدخل دمشق العسكري فقد عرضنا الانسحاب من كافة المناطق التي فتحناها في الجبل على أن نتركها تحت إشراف قوات تكفي لشن هجوم مضاد ولتحطيم الحصار، لكن الجيش السوري كان مع الكتائبيين وسلم هذا الاقتراح الذي حررت صيغته بيدي في رسالة إلى بيير الجميل بواسطة معاوني أبو حسن سلامة، إلا أن رئيس الكتائب لم يرد على رسالتي غذ كان ينتظر خشبة الخلاص الدمشقية وفرصة تحقيق انتصارات عسكرية. والحقيقة هي أن تل الزعتر كان مشروع إبادة بالأسلوب الفاشي الصرف وقد كان بيير الجميل وكميل شمعون يعرفان أننا لا نملك أية وسيلة فعالة لتحرير مخيم اللاجئين المطوق مع التجمعين المجاورين له والمطوقين تطويقا كاملا بواسطة حزام مسيحي يسيطر عليه الانفصاليون، وكان لدينا في المطلق قوات تكفي لشن هجوم مضاد ولتحطيم الحصار لكن الجيش السوري كان لا يزال رغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي عقدناه معه قبل ذلك ببضعة أيام يشل حركتنا في شمال لبنان وفي جنوبه معا بحيث أن سحب المقاومة لقواتها من المراكز التي تحتلها في مواجهة القوات السورية كان سيشكل كارثة. غير أننا أسهمنا في الدفاع عن المخيم بقصف محاصريه وبمحاولة تدمير مدافعهم المبعثرة في المدينة، وعلى التلال المجاورة حيث كنا نتمكن من تحديد مواقعها بفضل المعلومات اللوجستيكية التي كان المسئولون العسكريون في تل الزعتر يزودونا بها بواسطة الراديو وبفضل هذا الحزام الناري الذي أنشأناه لم يتمكن المحاصرون من اقتحام المخيم. غير أن المخيم كان مهددا من الداخل بأكثر مما كان مهددا من الخارج ذلك أن الحصار الذي دام أكثر من خمسة أشهر أفضى بالأهالي إلى عتبة المجاعة بل أن ما كان أكثر قسوة وفظاعة هو نقص الماء وشحه، فبعد أن نجحت الميليشيات المسيحية في تفجير شبكات المياه لم يبق أمام أهالي تل الزعتر سوى بئر ملوثة شحيحة المياه وكان البئر معرضا لسيل من القذائف المنهمرة على المخيم فكان لا بد من إرسال حملات بالمعنى الحقيقي للكلمة، للبحث عن الماء وكانت كل محاولة من هذه المحاولات تذهب بحياة شخصين أو ثلاثة بحيث أن الناس في تل الزعتر اعتادوا على أن يقولوا أن كأس ماء تساوي فعلا كأسا من الدم. وقد نال ذلك كثيرا من صغار الأطفال وبطبيعة الحال فإنه لم يكن في الوارد تزويد الرضع بالحليب كما أن كمية الخبز والماء الموزعة على العائلات كانت أقل من أن تكفي صغار السن، حتى أننا كنا نسمع عندما نتحدث إلى مسؤولي المخيم بالراديو أنين وعويل الأطفال وعويل الصارخين " أنا عطشان يا أمي " وعلى هذا فقد مات بخلاف البالغين حوالي ثلاثمائة طفل ورضيع جوعا وعطشا أبان فترة الحصار.
 
ولم نكن ندرك خطورة الوضع في بداية المعركة إلى أن اتصل بنا ذات يوم طبيبان من أطباء المخيم لطلب النجدة وكان يصران على الحديث مع مسؤولين سياسيين من المقاومة وليس مع مسؤولين عسكريين وأحسست بغيظهما وهيجانهما عندما قالا بلهجة جافة " فإذا كنتم لا تستطيعون التوصل لوضع حد لهذه المجزرة فجدوا على الأقل وسيلة لتمويننا بالماء والغذاء " وما لبثنا أن كونا مجموعات صغيرة تتألف كل واحدة منها من قبضة من الرجال وذلك لمحاولة التسلل وراء خطوط العدو والوصول إلى تل الزعتر فكان على هذه المجموعات وهي تلتف على المحاصرين أن تزحف ليالي بأكملها على الهضاب المجاورة للتل وعبر الحقول والغابات وكان يستحيل على أفرادها أن ينقلوا الماء كما أن أسلحتهم وذخائرهم لم تكن تتيح لهم أن يحملوا كميات هامة من الأغذية وكثير منهم استشهد في الطرق وأما الآخرون فلم يكونوا يقدموا للمحاصرين أكثر من تسكين مؤقت كما أنهم لاضطرارهم إلى البقاء في المخيم كانوا يزيدون عدد الأفواه المحتاجة للغذاء وفي اليوم الخامس من القتال جاءني الأب يواكيم مبارك – وهو كاهن ماروني مفعم بالمشاعر الإنسانية ومعاد فوق ذلك للتدخل العسكري السوري، ليقدم لي اقتراحا بوقف حد للمعارك ويقتضي الاقتراح بأن يستسلم فدائيو تل الزعتر بأسلحتهم إلى ممثلين عن الصليب الأحمر الدولي ينتظرونهم عند أبواب المخيم وبعد ذلك يتم إخلاء الأهالي ضمن أفضل الشروط الممكنة، فرفضت اقتراحه على الفور لأنه بدا لي غير لائق بمقاتلين في مثل بسالة مقاتلينا، وتقدمت باقتراح مضاد يقضي بإخلاء الجرحى والنساء والأطفال – أو على الأقل الأطفال بدون أمهاتهم – بينما يظل الرجال جميعا يواصلون المقاومة في داخل المخيم فرفض ثم تلقينا عدة عروض أخرى بعضها أذل من بعض إذ كان القوم يسعون إلى جعلنا نستسلم استسلاما شائنا مخجلا.
 
ولا ريب في أننا كنا سنتينى موقفا أكثر مرونة فيما لو أن المسؤولين السياسيين والعسكريين في تل الزعتر، أو فيما لو أن المحاصرين فيه عامة أبدوا مثل هذه الرغبة لكنهم على العكس من ذلك كانوا أكثر تصلبا منا وكانوا بقولون لنا أن تل الزعتر بعد فلسطين هو وطننا بالتبني وأنهم لن يغادروه إلا محمولون على الألواح، وعندما تفاقم الوضع وفقد فيه كل أمل ذهب أبو محسن – الرئيس السياسي للمخيم – إلى ولده مصحوبا بكافة أفراد العائلة يتضرع إليه رفع العلم الأبيض، فكان أن استشاط محسن غضبا، وطرد أباه باحتقار ثم أبى أن يكلمه إلى أن انتهت المعركة. وقد دق احتلال مخيم جسر الباشا الفلسطيني في 29 حزيران ثم احتلال حي النبعة اللبناني المسلم بعد ذلك في 6 آب ناقوس تل الزعتر، فتم عقد اتفاق بواسطة ممثل الجامعة العربية في 11 آب حول أشكال الإخلاء التي ستطبق من الغداة وكانت الشروط مشرفة نسبيا حيث أن المحاربين سيغادرون المخيم مع المدنيين في آن معا، دون أن يستسلموا للميليشيات المارونية بل تتكفل بهم قوة السلام العربية والصليب الأحمر الذين يزودانهم بوسائل النقل اللازمة. غير أن أعدائنا دفعوا غدرهم الوحشي إلى غايته وذلك عندما فتحت ميليشيات كميل شمعون وبيير الجميل النار على جميع سكان تل الزعتر وهم يغادرون المخيم عزلا من السلاح وفقا للاتفاق المعهود، حاصدين بضع مئات من الأشخاص بينما انقض آخرون على داخل المخيم وراحوا يطلقون النار على كل من يصادفون، وفي الوقت نفسه راح سواهم يوقفون الناقلات التي تراكم فيها الناجون على الحواجز المنصوبة على الطرقات وينتزعون من داخلها بعضا منهم، وخاصة حديثي السن الذين يشتبهون في كونهم فدائيين ثم يقتلونهم بوحشية أو يقتادونهم إلى جهات مجهولة وهكذا فإن ميليشيات اليمين المسيحي اغتالت في يوم واحد عددا من الأشخاص يزيد على عدد ما قتلوه خلال الاثنين والخمسين يوما من حصار تل الزعتر وبالإجمال فإن عمليتهم هذه أوقعت حوالي 3000 ضحية في حين أن الألف فدائي الذين كانوا بالمخيم لم يستشهد منهم سوى عشرة فقط، وسلم الباقون بعد أن أفلحوا في الفرار عبر الغابات والهضاب المجاورة مستفيدين من الفجور الدموي الذي ساد في ذلك اليوم المقدور يوم 12 آب أغسطس. ولا يخالطنا الشك في أن المدافعين عن تل الزعتر أضافوا صفحة مجيدة إلى تاريخ الشعب الفلسطيني، وستظل بطولاتهم وبطولة سكان المخيم أسطورة حية تلهم شعبنا أبدا على مدى الأجيال القادمة. لكن جلجلة تل الزعتر أفادت في أنها أظهرت مرة أخرى، أنه ليس في وسعنا الاعتماد على أحد غير أنفسنا فقد أدار العالم المتحضر عينية بخفر واحتشام عن المجزرة ولا ريب أنه وجد في أوروبا رجال ونساء سخطوا واستنكروا ونظموا الاجتماعات ومظاهرات الاحتجاج إلا أن عملهم هذا ظل أكثر تواضعا من أن يؤثر على مجرى الأحداث. غير أن الفضيحة الحقيقية وقعت في موضع آخر، عنيت العالم العربي الذي لم ترفع دولة صديقة ولا عدوة أصبعها لتنقذ خمسة وثلاثين ألف " أخ " من أبناء تل الزعتر وليس في وسع أحد أن يقنعني أن مئة مليون عربي يعجزون عن كسر حصار فرضه بضع مئات من الأشخاص، أو عن أن يرفعوا صوتهم ليمارسوا به الضغوط، إن لم يكن على الميليشيات فعلى سوريا التي تحميهم على الأقل.
 

ليست هناك تعليقات: