الجمعة، 19 أغسطس 2011

ليالي رام الله ـ سهر ورقص بعيدا عن هموم السياسة

ليالي رام الله ـ سهر ورقص بعيدا عن هموم السياسة

مدينة رام الله، في الضفة الغربية تشهد مظاهر تمدن سريعة تشمل الكثير من مجالات الحياة، أما ليالي هذه المدينة فتخفي تحت جنحها جانبا أخر من حياة الشباب العازف عن السياسية والتواق إلى السهر والرقص والاستمتاع بالحياة.



أين تسهر هذا المساء؟ سؤال يتبادله الأصدقاء الشباب من الجنسين، وخاصة في ليالي نهاية الأسبوع، وهي في الأراضي الفلسطينية الجمعة والسبت، وقد تمتد إلى الأحد في بعض المؤسسات والشركات التي تتخذ من رام الله مقارا لها، إلى جانب المؤسسات والأجهزة الرسمية والمنظمات غير الحكومية.
في مسافة لا تتجاوز المئة متر، في شارع جانبي، تتزاحم مقاه ومطاعم مختلفة السعة، تصطف أمامها سيارات حديثة وعتيقة، أقلت شبانا وفتيات تعج بهم الأماكن ويعلو صخبهم في أجواء يرتفع فيها صوت الموسيقى، الغربية حينا والشرقية حينا آخر. لا مكان لساهر جديد في بعض الأمسيات إلا لمن حجز مبكرا أو لمن خطر له السهر متأخرا. ظاهرة جديدة في المدينة الصغيرة التي تنمو بوتيرة تتسارع باضطراد غير مفهوم.
رام الله مدينة لم تعد كما كانت  

مدينة رام الله، مركز صنع القرار السياسي والاقتصادي، شهدت بدورها تغيرات كبيرة في السنوات الأخيرة. فقد كان أهالي المدينة ومدينة البيرة المشتبكة معها جغرافيا والقرى المجاورة يرتادون المقاهي التقليدية، المقتصرة على الرجال، أما العائلات فمقصدها كان المتنزهات العامة والمطاعم الكبيرة وكلها كانت تغلق أبوابها في ساعة مبكرة.
بعد قيام السلطة الفلسطينية في العام 1995، تولد نوع من الاستقرار النسبي، واتخذت السلطة بوزاراتها ومؤسساتها من رام الله موقعا مؤقتا وفتح باب الاستثمار فبدأت الأبنية تعلو في مختلف أحياء المدينة، واتجه مستثمرون إلى فتح مقاه حديثة، حملت أسماء أجنبية منها " انجلوز، اكاشا، كوزي، تشي تشي، ستونز، ازور، كافي دولا بي، اب سايد داون، زنغريا " والقائمة تطول.. ويقول المحلل الاقتصادي تيسير الحسن:" تنمو هذه الظاهرة كالفطر، فروادها إلى تزايد، وكأن ذلك أصبح من ضرورات الحياة وفق الثقافة الاستهلاكية السائدة. لا شك أن هذا مؤشر على ارتفاع ما في الدخل، ففاتورة الحياة في رام الله عالية وقد تكون ضعف نابلس والخليل وسائر المدن".
" الحياة قصيرة ويجب أن نستمتع بها"
في المقهى، تختلط قرقرة النراجيل، بأنغام الموسيقى وأحاديث الساهرين التي تغطي مواضيع وقضايا مختلفة؛ من الأزياء إلى السياسة ومن الاقتصاد إلى الحب والغزل. بالكاد سمعني سامي أبو سليم، ابن الرابعة والعشرين عندما سألته عن سر ارتياده للـ " كوفي شوب". "بعد تعب الأسبوع، التقي أصدقائي لنقضي سهرة ممتعة، نحتسي مشروبات عادية، وننفخ نفسا، وقد نتناول الساندويتشات والبوظة." وعن تكاليف مثل هذه السهرات يقول سامي، إنها عادية إلا إذا كانت هناك حفلة فقد تكون التذكرة مكلفة. ويتابع سامي: " اعتقد أنني استحق أن أكافئ نفسي، بمتعة كهذه ".

وفي بيت لحم، يتوافد الشباب والشبابات من الأراضي الفلسطينية وإسرائيل إلى ديسكو كوسموس لقضاء ليال ممتعةوفي بيت لحم، يتوافد الشباب والشبابات من الأراضي الفلسطينية وإسرائيل إلى ديسكو كوسموس لقضاء ليال ممتعة
 أما نوال، التي تجلس إلى جانب سامي، فترى أن " الحياة قصيرة ويجب أن نستمتع بكل دقيقة منها، ولا يمكن أن نبقى عبيدا للعمل والبيت. البعض يتهمنا بأننا نعيش نمطا غربيا، لكننا نؤكد أننا وطنيون ونحب بلادنا وان المتعة والسهر لا يتعارضان مع الوطنية." أشرت إليها إلى أن الساهرين يحرصون على ارتداء ملابس على الموضة، بل من الملاحظ أن الفتيات بصورة خاصة يتسابقن في ارتداء آخر الصرعات، فترد:" على المرء، ذكرا كان ام أنثى أن يبدو بأجمل مظهر، وهذا بات من مستلزمات الحياة".
نمط تفكير جديد
بطبيعة الحال ليس بمقدور الجميع الاستمتاع بالحياة بهذا الشكل، فهناك عشرات الإضعاف من الساهرين لا تسمح مداخليهم بسهرات وملابس كهذه، تساءلت أمام حلقة الأصدقاء والصديقات، فرد احدهم معرفا على نفسه باسم جورج نبيل:" كل يستمتع بما لديه، وربما الأفقر أكثر سعادة، من يعرف، ونحن نعتقد أن على الشباب أن يعيشوا حياتهم قبل أن يواجهوا هموم إعالة الأسرة والأبناء في المستقبل".
لكن أين موقع الهم السياسي لدى هؤلاء الشباب؟ الإجابة تكشف عن نمط تفكير جديد، ينم عن روح الفردية التي تتسرب إلى عقول الجيل الجديد من الفلسطينيين. جيل يبتعد عن السياسة وعن الأحزاب، وان لم يخل الشباب من ميل سياسي أو على الأقل الاهتمام بما يجري. يقول سامي الذي سبق ذكره" نحن نتابع كل الأحداث عبر الانترنت والفيس بوك واليو تيوب والإذاعة والتلفزة، والصحف أحيانا". قلت له كما تتابعون آخر الأفلام والأزياء والأغاني الأجنبية؟" وجاءتني ردود من على الطاولة:" لا تناقض بين هذا وذاك"، " السياسة متعبة ولا فائدة منها"، " المهم أن تكون وطنيا ولا ضرورة أن تكون حزبيا"، "السياسة لعبة تديرها الدول الكبرى ولا يمكننا مقاومتها"، " كل شباب العالم يعزفون عن السياسة"، "العمل والإنتاج أهم من السياسة"…الخ.
عبد الكريم سماره ـ رام الله

ليست هناك تعليقات: