الأربعاء، 9 مايو 2012

سلسلة حلقات "لماذا انا فتح؟


 
سلسلة حلقات "لماذا انا فتح؟"-الحلقة 16
 
بقلم عضو المجلس الثوري لحركة فتح / المحامي لؤي عبده.

لم يقف كل الفتحاويين خلف اتفاقية أوسلو التي جاءت بالحكم الذاتي على بعض المناطق في قطاع غزة والضفة الغربية، حيث بدأت بتنفيذ الحكم الذاتي في غزة وأريحا أولا، وبالتدريج المتعثر والابتزاز حتى توسعت لتشمل باقي المدن وبعض المناطق.

وكان اتفاق أوسلو يتناقض مع ثقافة الشعب والثورة والمنظمة، بل كان منعطفا حادا في تاريخ العمل النضالي دون رغبة من أحد، بل كان الكثيرون غير متفائلين منه؛ لإبقائه الاحتلال صاحب الكلمة ومصدرا للسلطات، فكان اتفاق أوسلو مفاجئا ولا يفي بالحد الأدنى من الحقوق الوطنية.

أوسلو كانت محطة لها تداعيات هامة في فلسطين والوطن العربي والعالم، ودفعت فتح ثمنه غاليا من رصيدها النضالي وسمعتها التاريخية، ومصداقيتها العالية؛ لأن الوعي الوطني العام متباين، وكثيرون من أبناء شعبنا لا يعتقدون أن الحرب السياسية  مثل الحروب الأخرى، علاوة على اعتبار البعض أن الاتفاق مخالفة  لعهود الثورة، بل خيانة، وهناك من اعتبره مساومة أو حتى هزيمة، ونتيجة للموقف غرق العمل الفلسطيني في بحر من الاجتهادات والجدل والإدانات وانعدام الثقة.

وقد اندمجت قواعد حركة فتح في هذا التحول غير الواضح لها، وزاد الأمر سوءا عندما بدأت طوابير الشباب تتحول من النضال إلى العمل الوظيفي، فيما يمكن توصيفه بأنه الصراع على سلخ دب لم يتم اصطياده بعد!

يمكن  اعتبار الواقع الذي نجم عن أوسلو بأنه انتصار للعدو في تطبيق نظرية الاحتواء على الأرض، وكانت التحولات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن أوسلو صعبة الفهم على البعض الذي وجد نفسه في خضم الحياة السياسية وفقط، بعد أكثر من نصف قرن على العمل النضالي بالطرق التقليدية.

لم يدم الأمر على هذا الحال طويلا؛ فقد أخذت التنبؤات مجراها، فميدان العمل في فلسطين مختلف عما كان في المنافي، ففي فلسطين تبقى الثقافة الوطنية من أجل التحرير راسخة لا تخضع للأهواء أو ثقافات لم تجد لداخل الأرض الفلسطينية سبيلا للوصول.

وحسب اجتهادات البعض؛ حققت أوسلو بعض المكاسب أمام واقع كان صعبا وحصار كان طويلا تم فرضه من قوى إقليمية على منظمة التحرير الفلسطينية والعمل التحرري برمته – رغم انطلاق الانتفاضة في الوطن المحتل-، وقد كان لمهندسي السياسة الفلسطينية رؤية  ترصد  انتقال مركز الثقل في الصراع من المنافي إلى الوطن، في ظل التغيرات الإقليمية والدولية، فالأرض الفلسطينية تتحول بالفعل إلى مركز صناعة الحرب والسلام، بالانتفاضة والمقاومة والبناء السياسي والاجتماعي، وعلى الآخرين استيعاب ما آلت إليه الظروف بهذا الشكل.

لم تكن المسألة اتفاقا عابرا؛ بل تحولا كبيرا في بنية وكيانية النضال الوطني و مستقبله، وانتهاء لعصر بكامله من واقع القضية والشعب. وكان العالم يريد من هذا الاتفاق أن يبني حلا يدعمه القانون الدولي وحل النزاعات عبر المجتمع الدولي الذي عبر عن استعداده لتقديم الدعم المالي و الاقتصادي والسياسي و الإداري، وبهذا يكن العمل الفلسطيني محكوما بمعايير دولية يخضع لها.

الصراع الذاتي يتمركز حول مفهوم مغادرة ثقافة الثورة والمقاومة، والانتقال إلى مفهوم السلطة والمفاوضات وسيلة وحيدة لتسوية الصراع، والقبول بشروط البنك الدولي الذي يفرض على الدول وحكوماتها الالتزام بسياساته كي يقدم لها القروض والهبات والمنح المالية والاقتصادية.

نضالنا الوطني الذي لم يحقق أهدافه دخل ممرا طويلا وصعبا لن يستطيع أن يتأقلم معه أحد طالما لا يوصل إلى حقوق وطنية عادلة أقرتها كل المواثيق والأعراف وقوانين المجتمع الدولي.

وبالرغم من تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية بموجب اتفاقية أوسلو؛ بقيت الحقيقة على ما هي عليه وإليها تتجه الأنظار، ولا يمكن لأحد أن يتجاهلها ألا وهي استمرار وجود الاحتلال ولزوم انتهائه باستيطانه البغيض، والوصول بالقضية الفلسطينية إلى الحرية و الاستقلال.

وقد تأكد الجميع من هذا عندما انطلقت انتفاضة الشعب الثانية عام 2000م، وانفجرت تلك الحقيقة مرة أخرى في وجه الجميع المنقسم أصلا في طريق التسوية من حيث المفهوم أو السلوك.

فلسطين لا يمكن إخضاعها لمشاريع سياسية مؤقتة، أو حتى فئوية تخدم وجهة نظر معينة، لأن فلسطين تقرر وتحدد وتكسر، ومن لا يفهم ذلك ستعصف في وجهه الروح النضالية الوطنية وسيكون عبرة لمن لا يعتبر.

 

حركة فتح التي دفعت الثمن من لحم و دم أبنائها وكوادرها لبناء السلطة استشعرت الخطر عندما أخذ زعماء الاحتلال الإسرائيلي وحلفائهم في الغرب وأمريكا يتجاهلون مصير شعبنا وحقه الوطني في بلاده ووطنه، حينها وقع صدام الإرادات بيننا وبينهم، وخرج إلى الشارع كل أبناء الشب الفلسطيني في انتفاضة شعبية تنامت من أعماقها تيارات مسلحة اندفعت صوب الاحتلال والاستيطان في معركة استمرت لعشرة سنوات كاملة  ذبح فيها أبناء شعبنا وفرض عليهم أمر واقع جديد بجدار الفصل العنصري ونظام "الأبرتهايد" الإسرائيلي.

رأت  حركة فتح أن انتفاضة الأقصى انطلقت للدفاع عن القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، بعد أن قامت  حكومة الاحتلال بالالتفاف على مفهوم الحل الانتقالي، وفشل كل المحاولات والمساعي للانتقال إلى الحل النهائي، وفرض سياسية الأمر الواقع من جديد – علما بأن السياسة الإسرائيلية لم يطرأ عليها أي تغيير أصلا حتى أثناء التوقيع على أوسلو- وبالرغم من رعاية واشنطن للمفاوضات الطويلة (كامب ديفيد).

يمكن اعتبار العام 1999 عام انتهاء اتفاقية أوسلو بجمودها وعدم الوصول بها إلى سلام نهائي يضمن للشعب الفلسطيني حريته واستقلاله، وإنهاء محاولات التهويد للمدينة المقدسة والاستيطان والسياسات القمعية وغيرها.

رفض شعبنا كل المظاهر الاحتلالية التي لم تتمكن اوسلو من إلغائها، أو حتى تلك التي كانت نتاجا لأوسلو كآثار سلبية فعبر عن نفسه بانتفاضة حمراء، وحاولت تيارات قتالية مسلحة أن تقودها وأن تفرض وقائع جديدة على الأرض، داعية للعودة إلى طريق الكفاح المسلح وسيلة وحيدة لإنهاء الاحتلال.

هنا اعتبرت حركة فتح أن تجربة جديدة قد خرجت إلى السطح، وأصبح هناك ما يمكن تسميته بنظرية السلطة والمقاومة، لكن الاحتلال استخدم فلسفته في القمع والتدمير، وسعى إلى إلحاق الأذى غير المسبوق بشعبنا، وعمل على تشويه نضالنا بربطه بمفهوم الإرهاب الذي تصاعد في تلك المرحلة بفعل أحداث سبتمبر، فكان حجم الخسائر غير مسبوق (ماديا – وبشريا) وأمنيا.

أصبح هناك ما يسمى بجدار الفصل العنصري، وقامت قوات الاحتلال ببنائه على طول الأرض المحتلة وعرضها، وأسفرت عن القضاء على التواصل السكاني والجغرافي والاجتماعي والاقتصادي وإثقال الحياة في المجتمع  بهموم إضافية لم تكن موجودة بشكلها وصورها الجديدة، وبات "الأبرتهايد" سيفا مسلطا على  مشروع الاستقلال حين تحولت  المحافظات والمدن والأرياف إلى كانتونات مغلقة محاصرة تخضع لجملة طويلة من الإجراءات المعقدة والقمعية العنصرية، وبذلك الأمر الواقع أيضا سقطت مرة أخرى نظرية "السلاح  يجلب السلام".
 

ليست هناك تعليقات: