الثلاثاء، 15 مايو 2012

في ذكرى النكبة


 
 
في ذكرى النكبة 
 
يسعى الإنسان الفلسطيني في إحيائها إلى الوقوف بكبريائه على إطلالات التاريخ الحديث ليستذكر قيمته الإنسانية الحية، فبهذا الوقت وقبل مايزيد عن ستين عاماً، أستهدف الفلسطيني بمجتمعه الحضاري ووجوده الإنساني وأرضه السيدة في محاولة لمحو هويته وإقتلاع المكان من صاحبها وساكنها ونبضها وروحها الإنسان الفلسطيني، غير أن هذه الأرض المرتبطة بمستودع الحضارات، والتي أجاد الإنسان الفلسطيني فيها رسم صورة الشرق المنير بسماء الكون وأرضه بنور الديانات السماوية الثلاث، رفضت الإنسلاخ عن روحها وأصرت على الوقوف بوجه الإغتصاب، متجذرة بحجم مايحمله إنسانها من قيمة إرتباط روحي معها.
وفي هذه الوقفة نطرق باب العدالة، بأن التهجير والقتل والمجازر والخذلان ومحاولات سلب الأماكن أسماءها ومحاولات سلخ الأرض عن روحها الإنسان الفلسطيني لم ولن تنجح بل شواهد المجازر والإرهاب المتواصل بما يعتليه من قتل وتخريب وتقطيع للشجر وعزل للإنسان والسلب المتواصل للأرض، لهو الدلالة الطبيعية القطعية بأنا هنا كنا وباقون وسنبقى رغم الآلم المشرع وأن الأرض وإنسانها مرتبطان وباقيان في سيرهما الدائري لتبقى الصورة الناتجة إحتضان الأرض لإنسانهاوتجذره بعروق شجرها وينابيع وديانها وتاريخ كل أفراد وأسماء أبنائها شهداء وأحياء لاجئين وصامدين.
وفي كل عام نحيي به هذه الذكرى نغذي ذاكرتنا ونحملها بوعينا الجمعي، بأن العودة آتية حق طبيعي، وأن تفاعل الزمن مع الذاكرة مؤكد أنه سيبقى على الثابت الجامع بحتمية تحقيق هذا الحق، لقد أغتصبت أماكن وحرفت أسماء أماكن وغيرت ملامح أماكن وفرغت أماكن أخرى من صاحبها، لكن بكل ما جرى بها وعليها وبإنسانها ساكنها وصاحبها الأصيل، ومازالت تحمل في وعي الفلسطينين جيلاً بعد جيل ويوماً بعد يوم حنين اللقاء الطبيعي، مابين غارس زيتونها وصبارها ولوزها وبرتقالها اليافوي والأرض سيدة الجرح الأعلى والأكبر.
وإن إحياء هذه الذكرى هو تأكيد شعبي ورسمي فردي وجماعي بأن المقولة الأساس باقية" نحاول... قد نفشل أو نتأخر بعض الوقت لكننا سنصل حتماً مهما طال الزمان إلى طريق اخترناه" وأن العدالة المفهوم الأخلاقي الذي يقوم على الحق والأخلاق والعقلانية والقانون والإنصاف لا قيمة له سوى بتحقيقه واقعاً يحق الحق لصاحبه المُشرد والمُقتلع من أرضه ومكانه.
والنكبة الحدث والواقعة لم تقف عند زمانها أو بيئة وقوعها، بل استمرت وتعددت أشكالها وتوسعت دائرة ضحاياها، فلا تكاد تمر بعض سنوات إلا ويصر الإحتلال أن يعيدها واقعاً إجرامي يمتد على كل مزايا تاريخ شعبنا، فمجزرة نحالين والحرم الإبراهيمي وغيرها الكثير من المجازر وآخرها معركة الإنتصار والبطولة في مخيم جنين وكذلك الجرائم التي مازالت ترتكب حتي يومنا هذا بحق الشجر والأرض والتي يمثلها يومياً الجراد الإستيطاني ونمله الأسود عدو الأرض والشجر والإنسان، لهو التعبير الصريح عن شهوة الإحتلال الدائمة بالمحو والإلغاء.
وذكرى النكبة مرتبط بوجهه الآخر، وهو حق العودة الذي لا بد من إخراجه من حدود الشعار إلى مجال النضال من أجل تحقيقه، وحق العودة هو جزء من ثوابتنا الأساسية المترابطة معاً وهي الأرض والقدس وتحريرهما وإزالة الإستيطان وعودة اللاجئين، إضافة للأسرى وحريتهم، ولابد من رؤية واضحة في هذا المجال ، لأننا ندرك أن حق العودة هنالك من يدعي إستحالة تطبيقه، وهؤلاء نسألهم هل هذا العدو المُحتل جاهز لتطبيق البنود الأخرى.
أننا ندرك أن حق العودة هو الأكثر تعارضاً مع استراتيجية الحركة الصهيونية التي تسعى إلى دولة يهودية نقية، رغم أن هذه الإستراتيجية قد ضربت أساساً من خلال وجود وصمود أهلنا خلف الخط الأخضر، نعم التمسك بالثوابت وحق العودة لا بد أن  يكون بصلابة ودون أي هامش للمرونة، لكن لذلك متطلبات أساسية لا بد من تحقيقها أولها السعي الحثيث للوحدة الوطنية، التي غيابها يمثل الخطر الأساس على مجمل القضية الفلسطينية، ومسيرتها مع أهمية إعادة الإعتبار لوحدة الشعب الفلسطيني في كل مكان في الوطن والشتات، وكذلك من المهم إيقاف كل أشكال الصراع والتناحر الداخلي بإعادة الإعتبار والتمسك بأن التناقض الأساس هو مع الإحتلال وأي تناقض آخر هو ثانوي ومن الضروري هنا إعادة الإعتبار للعمق والوضع العربي والإنساني الذي لابد أن يُعاد بموقف أكثر وضوحاً ودعماً للشعب الفلسطيني ربما يرى البعض إستحالة تحقيق ذلك، لكن على الجميع والأمة أن يُجيب على سؤال الهوية والإنتماء وأن التغيير وتحقيق حقوق الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يتم إلا بتغيير ميزان القوى وليس بالنصح والإرشاد والتمنيات ، لكن أن نبقى دائماً متفائلين مؤمنين بحتمية النصر والإنتصار ومُدركين أن وجودنا واستمراره على هذه الأرض وتمسكنا بها يشكل قلقاً دائماً لهذا العدو المُحتل في إطار صراعنا الدائم والطويل .
وسنبقى نغني الواقع وغداً بأن لنا الشمس والقدس والنصر وساحات فلسطين والعودة والنصر لموعدهما المؤكد فجرٌ آت.

ليست هناك تعليقات: