اصطفاف "شيعي سني" حاد : الرئاسة تحسم موقفها .. حماس في المنطقة الرمادية والجهاد مغلوب على أمره !
كتب غازي مرتجى
*
حالة الاصطفاف الاقليمية والاستقطاب الحاد باتت واضحة بشكل جليّ , المملكة العربية السعودية كانت تنتهج نهج التمويل والتأثير بالقرارات بقوّة التمويل للجهات المقربة منها , ولكنها في العام الأخير انتهجت نهج أخذ الحق باليد وعدم السكوت كثيراً .. إيران من جهتها أنهت لعبة ثلاثين عاماً من البعبع النووي وأبرمت اتفاقاً مع الدول الكبرى وهو ربما السبب الرئيسي لتغيير سياسة المملكة العربية السعودية لتتصدر المشهد .
سابقاً كانت مصر وجيشها هي المعول الرئيسي للمملكة العربية السعودية في اي تهديدات تُطلق أو مناوشات قد تحصل , لكن "عاصفة الحزم" أطلقت العنان للجيش السعودي بمعاونة جيوش الخليج ليكون القوة الضاربة بنفسه لا بجيش غيره .
إيران وكما المملكة انتهجت سابقاً نظرية تمويل التنظيمات المسلحة وبات لها "بؤرة" تعمل بقالب ايراني في كل مكان , حتى سيطرت بقواتها على العراق ولبنان ومؤخرا اليمن وباتت تلعب في الأمن العربي العام وتؤجج الاختلاف العقائدي "سني - شيعي" . في وضعنا الفلسطيني مولّت ايران حركة حماس لفترة من الزمن لكن وبسبب عدم دوران الأخيرة في فلك "بشار الأسد" عاقبتها بوقف التمويل لكنها أبقت على تمويل بعض الاجنحة المسلحة الصغيرة العاملة في قطاع غزة .
اذاً فقد كانت المعادلة السابقة : تُموّل المملكة العربية السعودية جيوشا وجماعات موالية لها في غالب البلدان العربية في المقابل تدعم ايران بؤراً مسلحة في كل منطقة ايضاً والاهتمام الخاص بمن يوافقها المرجعية العقائدية الشيعية , ولسنا هنا بصدد تعداد مواقف .. المعادلة الحالية هي مواجهة الرأس بالرأس وإن بدأت السعودية بالذيل "من خلال عاصفة الحزم باليمن ضد الحوثيين" فستنتقل عاجلاً أم آجلاً إلى الرأس بطريقة أو بأخرى .
المرحلة القادمة هي مرحلة "المواجهة" وأتوقع أن تكون في العام 2016 فقد بدأ العام (الكبيس) بإعدام المملكة مجموعة من الارهابيين "السنّة" وفي المقابل اعدام مجموعة من الارهابيين "الشيعة" فأحرق متظاهرو الباسيج السفارة السعودية في طهران وعرضّوا الديبلوماسيين هناك للخطر فسحبت المملكة ديبلوماسييها وطردت الديبلوماسيين الايرانيين من أراضيها .
قبيل عملية الإعدام التي من المؤكد ان المملكة كانت تعرف أنها ستؤجج الرأي العام الشيعي سواء داخل المملكة أو خارجها كانت السعودية قد قررت تشكيل تحالف إسلامي كبير برئاستها وبعضوية 34 دولة أهمها تركيا .. وفلسطين !
**
في وضعنا الفلسطيني وعرضاً للحالة الاقليمية القائمة أصبح شعار عدم التدخل في شؤون الشعوب والحكومات الداخلية غير ذي أهمية بل على العكس قد يجلب لصاحبه الكوارث .
الرئيس أبو مازن والرئاسة الفلسطينية حسمت موقفها واصطفّت بلا أي "خط رجعة" مع المملكة العربية السعودية والتحالف الاسلامي الجديد .. أي باتت في القطب السُنّي بالتفسير الخلفي المفهوم ضمناً لحالة الاصطفاف الحالية .
إيجابيات الاصطفاف الفلسطيني الرسمي مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج سيجلب المنافع للسلطة شبه المُنهارة فالتمويل الخليجي لاستمرار السلطة على وضعها الحالي سيزداد في الفترة المقبلة - أضف الى ذلك عدم وجود علاقات ثنائية بين إيران والسلطة بالمعنى الديبلوماسي الواسع بل على العكس فقد تحملّت السلطة والتي تمثلها بالغالب "فتح وفصائل المنظمة" الاعوجاج الايراني في الوضع الفلسطيني الداخلي وحاولت مرارا وتكرارا اللعب على وتر اضعاف الجبهة الداخلية الفلسطينية المُوحدّة بتقوية طرف على آخر وتمويع الموقف الفلسطيني الرسمي بتصرفات سياسية كانت غير مفهومة في حينها .
اما السلبيات التي قد تطال هذا الاصطفاف الرسمي والمُعلن هم اللاجئون الفلسطينيون في سوريا ولبنان بحيث بإمكان ايران الايعاز الى الأسد وحزب الله للتضييق على اللاجئين في المخيمات الفلسطينية وهو أمر مستبعد في الوقت الحالي نظراً للعلاقات الثنائية التي نُسجت مؤخراً بين الجهات الرسمية الفلسطينية وبشار الأسد من جهة ومسؤولين فلسطينيين في المخيمات بلبنان مع قيادة حزب الله .
حركة حماس من جهتها التي أيدت عاصفة الحزم السعودية بخجل ببيان أبقى الباب موارباً لتفسيرات خلفية لم تُعلن موقفها رسمياً من التحالف الاسلامي الجديد , ولم تصطف بشكل علني في اي من قطبي التحالف الحالي (سني - شيعي) وأبقت الحالة مُبهمة وكأنّ عينها على عودة التمويل الايراني وقلبها مع المملكة العربية السعودية التي لا تستطيع تمويل حركة حماس بشكل رسمي .
لن تقبل المملكة ولا إيران بقاء حماس في المنطقة الرمادية فطبول الحرب بدأت تدق ولا بُدّ من إعلان موقف واضح , أبو مازن الرئيس الأكثر فهماً للواقع الاقليمي المعقد وهو الوحيد الذي استمرّ باللعب في المنطقة الرمادية في الأزمة السورية أعلن موقفه جهارا نهاراً لمعرفته الجيدة بالاصطفاف القائم والتوزيع المرتقب .
حماس تُناور حتى اللحظة في منطقة بعيدة عن الهدف الرئيسي فرسائلها بضرورة ان يكون التحالف موجهاً للاحتلال الاسرائيلي تعتبر رسائل للاستهلاك الاعلامي لن تقبلها ايران كموقف رافض للتحالف (نظراً لأنها فضفاضة) ولن تقبلها المملكة كموقف مؤيد للسبب ذاته .
تستطيع حماس ان تنفد بجلدها وتنضم للتحالف الأقرب لرؤيتها وأيدلوجيتها وهو التحالف "السني" وباعتقادي ان الضغطين التركي والقطري سيشكلان فارقا في القرار الحمساوي المرتقب .
الايجابيات من اعلان حماس صراحة تأييدها لأي إجراءات قد تتخذها المملكة العربية السعودية يعني ضغط سعودي على الرئيس ابو مازن لضم حماس الى الجسم السياسي الفلسطيني الرسمي والموافقة على بعض الشروط التعجيزية التي طرحتها حماس ولا تزال في ملف انهاء الانقسام .
اما السلبيات في حال استمرارها في المنطقة الرمادية فهي خروجها خالية الوفاض من اي تقسيم قادم وتوزيع مرتقب مع وضعها في قائمة المنظمات الواجب اضعافها وفي اللعبة الاقليمية والدولية وعندما يكون القرار واجب النفاذ يُمكن تنفيذه بأدوات مختلفة .
السلبيات الأكثر وضوحاً ستكون في حال اعلان حماس تأييدها ولو بشكل "موارب" لإيران فلن تقبل دول الخليج ولا السعودية ذلك وسيشكل هذا القرار "وأستبعد تماماً أن تتخذه حماس أو تنجر إليه" السطر الأول في كتاب انسلاخ حماس عن التوجّه الاسلامي السني وقد يكلفها ذلك علاقاتها بتركيا وقطر لتكون وحيدة مع ايران التي قد "ترمي طوبتها" في أي مفترق دولي كما اتفاقها النووي الاخير .
أما حركة الجهاد الاسلامي فهي ضاعت بالفعل بين "حانا ومانا" فلا تتلقى الحركة تمويلاً سوى من ايران والمعسكر (الشيعي) ومؤخراً قطعت ايران تمويلها لرفض "الجهاد" تصدير موقف واضح ومُعلن في أزمة اليمن ضد عاصفة الحزم .
"الجهاد" التي لم تُحاول اللعب على وتر الطائفية ولا حاولت فتح خطوط تمويل جديدة -"عكس حماس التي ان توقفت كل الدول عن تمويلها فان حساب الاخوان العالمي مفتوح لصالحا "- فاستمرار التعنّت الايراني بضرورة تصدير حركة الجهاد الاسلامي موقفاً واصطفافها في تحالفها ضد التحالف الاسلامي السُني سيضع الحركة الفلسطينية في موقف لا تُحسد عليه .
لن تُعلن الجهاد الاسلامي اصطفافها علناً في أي طرف ضد الآخر وبالتالي ستحاول البقاء في المنطقة الرمادية وتميل قليلاً نحو إيران ومواقفها .. هذا سيكلفها كثيراً في المحيط الاسلامي والعربي بحيث يُمكن أن تشكل مجموعة عداوات ضدها لكن في المقابل سيحميها من الانهيار في حال قررت البقاء في المنطقة الرمادية ونقطة .
مشكلة الجهاد الاسلامي هنا ليست مشكلة موقف فهي بالأصل لا تستطيع تصدير موقفها بشكل علني ورسمي في الاصطفاف الاقليمي الحاصل , فهي لا تتلقي اي تمويل سوى من ايران ولديها من العناصر والتجهيزات في قطاع غزة ما يُمكن ان ينهار في حال استمرار وقف التمويل عنها , لذا فالجهاد الاسلامي ستمسك العصا من النصف وتميل بها قليلاً تجاه ايران وتقتنص الفُرص لتثبت ذلك كاستهشاد سمير القنطار وعمليات الارهاب التي تطال حزب الله في لبنان فهي مواقف ثابتة ولا تعتبر اصطفافا بقدر ما هي "رد جميل" ومحاولة الميل قليلاً لصالح القطب الشيعي .. سيبقى الجهاد في هذه المنطقة المائلة وتحاول قدر الامكان التركيز في مقاومتها للانقسام الفلسطيني الداخلي من جهة وتجهيز عسكرييها ضد الاحتلال الاسرائيلي من جهة أخرى وقد تحاول خلق "تفاهمات" من تحت الطاولة تعفيها من الموقف الواضح الذي سيضرها في كل الاتجاهات .
سيقول البعض ان دور الاحزاب الفلسطينية يجب ان يقتصر على فلسطين وفقط , لكن الحقيقة أن فلسطين هي المحرك الرئيسي الذي تُحاول كل الجهات كسب اصطفافه الى جانبها لضمان الحالة العاطفية للجمهور العربي والضغط بها على المجتمع الدولي الذي يضع اسرائيل على سلم أولوياته .
اخبار ذات صلة
المزيد على دنيا الوطن .. http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2016/01/04/843865.html#ixzz3wMrBa4Bd
Follow us: @alwatanvoice on Twitter | alwatanvoice on Facebook
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق