الخميس، 31 مايو 2012

60 عاما على نكبة الفلسطينيين الكبرى


سلسلة كي لا ننسى جرائم "إسرائيل" العدد الثالث
 
60 عاما على نكبة الفلسطينيين الكبرى:
النكبة والتحول الديموغرافي الفلسطيني (1948-2007)
جفاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة
 
سلسلة تثقيفية موثقة تصدر عن


الإعلام المركزي

للجمعية الفلسطينية لحقوق الإنسان (راصد)


17 كانون الأول 2008



60 عاما على نكبة الفلسطينيين الكبرى:
النكبة والتحول الديموغرافي الفلسطيني (1948-2007)

نبيل محمود السهلي

ما هي آثار نكبة عام 1948 على الشعب الفلسطيني، وما هي انعكاساتها على النسيج الاجتماعي الفلسطيني، وماهو دور بريطانيا في النكبة، أسئلة عديدة سنحاول الإجابة عليها في سياق عرضنا، وقد تكون المحاضرات التي تلقي الضوء على أثار النكبة هامة نظراً لما تعرض لها الشعب العربي الفلسطيني، منذ مؤتمر بال، والزحف الاستيطاني المنظم، لجهة فرض وقائع يهودية في فلسطين، وانتزاع الملكيات من الأراضي لصالح اليهود، وتبعاً للأطماع اليهودية في فلسطين، التي تركزت أساساً في المحاولات الحثيثة لخلق وجود يهودي قسري فيها وإنشاء دولة يهودية بمساحة أكبر وعرب أقل ما يمكن، هذا فضلاً عن محاولات إنشاء قوة عسكرية يهودية واقتصاد عبري يلبي الطموحات الصهيونية والإسرائيلية فيها، تبعاً لذلك شهد التطور الديموغرافي والاجتماعي للشعب الفلسطيني اتجاهات غير طبيعية كتلك السائدة في الدول والمجتمعات المستقرة، حيث كان لعامل الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وطرد العرب أصحاب الأرض الأصليين من وطنهم، أثراً مباشراً في تلك التطورات، فما هي حقيقة التطور الديموغرافي وما هي آفاقه أسئلة سنحاول الإجابة عليها في سياق بحثنا.

الشعب الفلسطيني إبان الانتداب البريطاني (1920 – 1948(
بعد حوالي ثلاثة أشهر من بدء الانتداب البريطاني الرسمي على فلسطين قامت حكومة الانتداب بإجراء أول تعداد للسكان في 23 تشرين الأول / أكتوبر / 1922، تبعه تعداد آخر في نوفمبر 1931، ويعتبر التعداد الثاني أكثر دقة من سابقه بسبب التفصيلات التي احتواها، من إحصاءات حيوية، وإحصاءات حول الهجرة، فضلاً عن احتواء عملية الإحصاء وما تلاها على تحليل سكاني. وقد أشارت معطيات الإحصاءات البريطانية إلى أن مجموع سكان فلسطين قد بلغ في عام 1919 (700( ألف، ارتفع إلى (762) ألفاً في عام 1921 منهم (76.9) في المائة مسلمون، و(10.6) في المائة يهود، و(11.6) في المائة مسيحيون، و(0.9) في المائة آخرون.

وبشكل عام فإن حكومة الانتداب البريطاني ساهمت إلى حد كبير إلى تحول اليهود من أقلية دينية إلى جماعة لها ثقلها العددي في فلسطين، فزاد عدد اليهود ، إلى حوالي (650) ألفاً في 15 أيار/مايو عام 1948، وأدت تلك الزيادة إلى رفع نسبتهم إلى جملة سكان فلسطين من (11) في المائة إلى (31) في المائة خلال الفترة (1922-1948)، وقد ساهمت الهجرة خلال الفترة المذكورة بنحو (400) ألف يهودي، من مجموع الزيادة الكلية لهم والبالغة (566) ألفاً.

وتشير الإحصاءات البريطانية إلى ارتفاع مجموع سكان فلسطين من (757) ألفاً في عام 1922 إلى (2.1) مليون نسمة عام 1948، من بينهم ( 1450000) عربي فلسطيني. ويمكن الإشارة إلى أن الحركة الصهيونية استطاعت خلال الفترة (1897-1948) تحقيق هدف ديموغرافي هام تمثل بتجميع (650) ألفاً من يهود العالم في فلسطين، هذا فضلاً عن امتلاك (1800) كيلو متراً مربعاً، تشكل (6.6) في المائة من مساحة فلسطين البالغة (27009) كيلو متراً مربعاً، وقد ارتكبت بحق العزل الفلسطينيين (18) مجزرة في فترة الاحتلال البريطاني ذهب ضحيتها 300 شهيد، ومع إنشاء ما تسمى بدولة "إسرائيل" في أيار 1948 تكون الحركة الصهيونية قد حققت هدفها في إنشاء الدولة اليهودية بعد خمسين عاماً من المؤتمر الصهيوني الأول في بال، و لتحقيق القسم الديموغرافي من التطلعات الصهيونية، تمّ طرد نحو (850) ألف فلسطيني من ديارهم خلال عامي 1947 و 1948، وتغير تبعاً لذلك اتجاه التطور الديموغرافي للعرب الفلسطينيين قسراً، إذ كان للتهجير القسري وقعاً وأثراً كبيراً على الأوضاع الديموغرافية وعلى النسيج الاجتماعي الفلسطيني.

وتجدر الإشارة إلى أن فترة الانتداب البريطاني على فلسطين (1920 – 1948) قد شهدت موجات هجرة يهودية مكثفة منها:
موجة الهجرة الثالثة (1919-1923) و قد تم تهجير نحو (35100) يهودي باتجاه فلسطين، والهجرة الرابعة (1924-1931) فتمّ تهجير نحو (78898) يهودياً باتجاه فلسطين معظمهم من ألمانيا ودول أوروبا الغربية وبولندا، في حين تمت الهجرة الخامسة (1932-1939)، وتم خلالها تهجير نحو (224784) يهودياً باتجاه فلسطين، وهي الهجرة الأهم في تاريخ الحركة الصهيونية، وقد استغلت الحركة الصهيونية الظروف الدولية السائدة خاصة في ألمانيا، وجذبت المزيد من اليهود إلى فلسطين عبر إغراءات مختلفة، مادية ومعنوية، أما موجة الهجرة السادسة (1940-1948) فقد تمّ إبانها جذب (118300) يهودي إلى فلسطين عبر تمويل المؤسسات والمنظمات اليهودية المنبثقة عن الحركة الصهيونية، وقد رافق التسلل اليهودي إلى فلسطين خلال فترة الانتداب البريطاني (1920-1948)، بناء مزيد من المستعمرات اليهودية، فوصل عدد المستعمرات اليهودية إلى (110) مستعمرة في عام 1927 ما لبث أن ازداد إلى (291) مستعمرة زراعية حتى عام 1948. وهو العام الذي تم فيه الإعلان عن إنشاء "إسرائيل" في الخامس عشر من أيار.
إذاً، بريطانيا مسؤولة مسؤولية سياسية وقانونية وأخلاقية عن بروز نكبة الفلسطينيين في عام 1948 للأسباب التالية:

1. كان لوعد بلفور في عام 1917 الأثر المباشر في فتح أبواب الهجرة اليهودية على مصراعيها إلى فلسطين.
2.  أنهت احتلالها لفلسطين في 14 أيار 1948 ومكنت العصابات الصهيونية التي شكلت نواة الجيش الإسرائيلي فيما بعد من الاستيلاء على القسم الأكبر من أراضي فلسطين التاريخية.
3. تم ارتكاب 18 مجزرة في فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين، وبسب مساعدة بريطانيا في إقامة ما تسمى بدولة "إسرائيل" ارتكبت العصابات الصهيونية في عام 1948 (44) مجزرة ضد العزل الفلسطينيين ذهب ضحيتها (2500) شهيد.

وتبعاً لذلك تتحمل أوروبا ودول الاتحاد الأوروبي الذي تنتمي إليه بريطانيا مسؤولية سياسية وأخلاقية وقانونية إزاء قضية اللاجئين وحلها حلاً عادلاً يضمن العودة إلى وطنهم.

* التطور الديموغرافي للشعب الفلسطيني (1948 – 2005)

كان لتشريد (850) ألف فلسطيني من ديارهم خلال عامي 1947 و 1948 الأثر البارز في اتجاهات التطور الديموغرافي للشعب العربي الفلسطيني بعد عام 1948، فمع العام المذكور تم إنشاء" إسرائيل" على (78) في المائة من مساحة فلسطين التاريخية كما أشرنا في مكان سابق في الدراسة (27009) كيلو متراً مربعاً.

بداية لا بد من الإشارة إلى أنه من بين (531) قرية وخربة فلسطينية تم تهجير أهلها في عامي 1947 و1948، فإن هناك (90) في المائة من تلك القرى نزح أهلها عنها بسبب هجوم عسكري صهيوني، و(10) في المائة تحت الحرب النفسية وإيحاءات بتوقع هجوم قادم.

وبناءً على عمليات التهجير القسري التي طالت نحو نصف مجموع الفلسطينيين في عام 1948، أصبح التوزع الديموغرافي للشعب الفلسطيني في عام 1949 كما يلي:

على الرغم من الطرد القسري الذي طال نصف مجموع الفلسطينيين، فإن أراضي فلسطين، سواء تلك التي أقيمت عليها "إسرائيل"، أو الضفة الغربية، وقطاع غزة، فقد بقيت تستأثر بنحو (80.5) في المائة من إجمالي المجموع العام للشعب الفلسطيني، حيث استحوذت الضفة على (323) ألفاً من اللاجئين وقطاع غزة على (219.3) لاجئاً، في حين اضطر نحو (19.5) في المائة من مجموع الشعب الفلسطيني، يمثلون نحو (307.2) آلاف لاجئ، للهجرة قسراً إلى الدول العربية المجاورة لفلسطين، إثر نكبة عام 1948، منهم (97.8) ألفاً إلى سورية، و(115.6) ألفاً إلى لبنان، و(80.8) ألفاً إلى الأردن، والى العراق (4300) لاجئاً، والى مصر (8500) لاجئاً.

وتبعاً لمعدلات النمو السائدة بين الشعب الفلسطيني فإن مجموع الفلسطينيين ارتفع من (644000) عام 1918، إلى (668258) فلسطينياً في عام 1922 ثم إلى (858707) في عام 1931، وأخيراً إلى (1415000) في عام 1948، في حين بلغ مجموع اليهود في الأعوام المذكورة في فلسطين (50) ألف يمثلون (7.2) في المائة من مجموع سكان فلسطين البالغ في عام 1918 (694000) نسمة، ارتفع مجموع اليهود إلى (83790) في عام 1922 يمثلون (11.1) في المائة من مجموع سكان فلسطين البالغ آنذاك (752048) نسمة، ثم ارتفع مجموع اليهود إلى (174606) يهودياً يمثلون (16.9) في المائة من إجمالي سكان فلسطين في عام 1931 و البالغ (1033313) نسمة، وما لبث أن ارتفع مجموع اليهود نتيجة فتح أبواب الهجرة على مصراعيها في فترة الانتداب البريطاني، وليصل مجموعهم إلى (650000) يهودي يمثلون (31.5) في المائة من مجموع سكان فلسطين البالغ (2065000) نسمة.

وقد أدت النكبة وتهجير (60.7) في المائة من إجمالي مجموع الشعب الفلسطيني خارج دياره، إلى إعادة توزيع الخارطة السكانية للفلسطينيين لتصبح كما يلي:

أولاً: السكان الذين صمدوا في ديارهم داخل الخط الأخضر وعددهم في عام 1949 نحو (156) ألفاً من العرب الفلسطينيين.

ثانياً: السكان الذين نجوا من الاحتلال في الضفة الغربية التي بقيت تحت الحكم الأردني حتى عام 1967، وبلغ مجموع سكانها بما فيهم اللاجئون نحو (817) فلسطينياً في عام 1949.

ثالثاً: قطاع غزة الذي بقي حتى عام 1967 تحت الإدارة المصرية، وبلغ مجموعهم في عام 1949 بما فيهم اللاجئون (299.3) ألفاً.

رابعاً: وهناك ثمة (307) آلاف عربي فلسطيني أصبحوا خارج فلسطين، في سورية ولبنان، والأردن، وما لبث أن هاجر العديد منهم بعد عام 1949 إلى المهاجر الأوروبية والأمريكية ذات الجذب الاقتصادي.

وبعد عام 1967، واحتلال الضفة الفلسطينية وقطاع غزة وطرد نحو (460) ألفاً من السكان الفلسطينيين منها، ظهرت خارطة توزع جديدة للفلسطينيين أخذت تتضح بعد سيل الهجرة القسرية تحت وطأة ضيق القاعدة الاقتصادية الفلسطينية في الضفة والقطاع، التي نالت منها السياسات الاقتصادية للسلطات الإسرائيلية (1967-2005)، فاضطر نحو (275) ألفاً من الفلسطينيين للعمل خارج الضفة والقطاع في مناطق الجذب الاقتصادي العربية، ويلحظ المتتبع للتوزع الديموغرافي الفلسطيني أن الأردن أصبح أكثر الدول و المناطق التي يتركز فيها فلسطينيون بعد عام 1967، وهم بطبيعة الحال من اللاجئين والنازحين لعام 1948 و1967. وقد أشارت معطيات المجموعات الإحصائية الصادرة عن مكتب الإحصاء الفلسطيني في دمشق بأن مجموع الشعب العربي الفلسطيني قد وصل إلى (4566153) فلسطينياً في عام 1981، ارتفع إلى (5630610) في عام 1990، وتبعاً لمعدلات النمو السائدة بين الشعب الفلسطيني والبالغة في خلال الفترة (1990-2005) حوالي (3.5) في المائة، فإن مجموع الشعب الفلسطيني قد وصل إلى (7389154) في عام 1998، ثم إلى (7647774) فلسطينياً في عام 1999، وتم تقدير المجموع في عام 2005 بنحو (9.5) مليون فلسطيني.

أما التوزع السكاني للفلسطينيين فبقي على حاله، أي (45.6) في المائة من مجموع الفلسطينيين هم داخل أرضهم، في حين يوجد خارج فلسطين من الفلسطينيين (54.4) في المائة من المجموع العام لتعداد الشعب الفلسطيني المقدر في عام 2005، خاصة وأن "إسرائيل" ترفض من حيث المبدأ تطبيق القرار (194) القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وأرضهم المحتلة في عام 1948، وكذلك ترفض تطبيق القرار الدولي (237) القاضي بعودة نازحي عام 1967 إلى ديارهم ووطنهم في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة.

ويذكر أن مجموع اللاجئين الفلسطينيين الذين هجّروا في عام 1948 قدر عددهم في أواسط عام 2002 بنحو (3973360) لاجئاً، وارتفع إلى (4.5) مليون عام 2005 بناء على معطيات تقارير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين(الانروا) والإسقاطات التي تعتمد عليها، بيد أن هناك تقديرات أخرى تصل إلى خمسة ملايين لاجئ، إذ تم إسقاط التسجيل عن آلاف اللاجئين الفلسطينيين من سجلات وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لأسباب مختلفة منها الهجرة، وتقديرات (الأنروا) لجهة التسجيل من عدمه. وفي السياق نفسه فإن مجموع النازحين الفلسطينيين الذين هجّروا تحت وطأة الدبابات الإسرائيلية من الضفة و القطاع في عام 1967، قد ارتفع من (460) ألفاً ليصل تبعاً لنزيف الهجرة، ولمعدلات النمو السائدة (3.5) في المائة، إلى (1.5) مليون نازح فلسطيني غالبيتهم من الضفة الفلسطينية، واستقروا في الأردن إلى حين تسنح الظروف بعودتهم إلى أراضيهم في الضفة الفلسطينية. ويشكل الأطفال نحو (50) في المائة من إجمالي تعداد الشعب الفلسطيني المقدر، بسبب ارتفاع معدلات الخصوبة التي تتعدى في كافة أماكن توزع الشعب الفلسطيني، (4.5) مولوداً للمرأة الفلسطينية طيلة حياتها الإنجابية في السنوات (1990-2005)، في حين بلغ أكثر من ستة مواليد قبل ثلاثة عقود من الزمن. وتبعاً لمعدلات الخصوبة والنمو السنوية الفلسطينية، فإن الشعب الفلسطيني يتضاعف كل عشرين عاماً، أي أن مجموع الشعب الفلسطيني سيصبح في سنة 2025 ميلادية، حوالي (18) مليون نسمة.

* من هم أصحاب حق العودة..؟
 
أصحاب حق العودة هم اللاجئون الفلسطينيون الذين هجروا عام 1948 وذريتهم حتى عام 2005، وبالأرقام المطلقة 5 ملايين لاجئ فلسطيني، منهم 4 ملايين ونصف المليون مسجل في سجلات الأونروا، تستحوذ الأردن على 42% منهم، وسوريا على 10%، ولبنان على 10%، وقطاع غزة على 22%، والضفة الفلسطينية على 16%، هذا إضافة إلى نحو 44 ألف لاجئ في العراق، وفي مصر 62 ألف لاجئ فلسطيني، ويتركز في المنافي البعيدة عن فلسطين 400 ألف لاجئ فلسطيني.

* نتائج أساسية..

1. تعتبر الدراسات التي يتم من خلالها إظهار مجموع الشعب الفلسطيني من أهم الدراسات، خاصة وأن الشعب الفلسطيني تأثر إلى حد كبير بالسياسات السكانية الاجلائية الصهيونية والإسرائيلية.

2.  الشعب الفلسطيني فتي، لكثرة الولادات التي تصل إلى نحو خمسة مواليد للمرأة طيلة حياتها الإنجابية، وتصل نسبة الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر إلى (50) في المائة بين كافة التجمعات الفلسطينية.

3. يتركز في فلسطين والدول العربية المجاورة في الأعوام الأخيرة نحو (87) في المائة من مجموع الشعب الفلسطيني، بينهم (42.3) في المائة في الدول المجاورة.

4. وقد أدت النكبة والشتات الفلسطيني خلال الفترة (1948-2005) إلى إعادة توزيع الفلسطينيين قسرياُ، منهم (45.6) في المائة داخل فلسطين، أي في الضفة (20.2) في المائة، وفي غزة (11.9) في المائة، وداخل فلسطين المحتلة عام 1948 (13.5) في المائة.

5. رغم مرور 59 عاماً على نكبة 48 لا يزال اللاجئون يصرون على حقهم في العودة الى قرية ومدينة المنشأ في فلسطين التاريخية.

6. تتحمل بريطانيا دوراً أساسيا في حصول نكبة عام 1948، من خلال فتح أبواب هجرة اليهود إلى فلسطين بعد وعد بلفور، فضلاً عن مساعدة العصابات الصهيونية التي شكلت نواة الجيش الإسرائيلي في السيطرة على القسم الأكبر من أراضي فلسطين في عام 1948.

جفاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة:

يستغل قادة "إسرائيل" كل المناسبات للتأكيد على أهمية جذب مزيد من يهود العالم إلى "إسرائيل" والأراضي العربية المحتلة، حيث تعد الهجرة اليهودية من أهم ركائز استمرار" إسرائيل" دولة استثنائية في المنطقة، بيد أن ثمة أسبابا كامنة لنضوب الهجرة اليهودية، أو على الأقل تراجع أرقامها باتجاه إسرائيل والأراضي العربية المحتلة في المستقبل القريب.


وفي مقدمة تلك الأسباب تراجع عوامل الطرد لليهود في بلادهم الأصلية، فضلا عن تراجع عوامل الجذب المحلية الاقتصادية والأمنية، بسبب الظروف التي مرت وتمر بها إسرائيل منذ العام 2000، وهو العام الذي انطلقت فيه الانتفاضة من ساحات الأقصى المبارك.

"تراجُع عوامل الجذب المحلية مع انعدام الأمن وتسجيل معدلات النمو الاقتصادي والرفاه الاقتصادي والاجتماعي أدنى معدلات لها، دفع أصحاب القرار في "إسرائيل" إلى البحث عن تهيئة عوامل طاردة ليهود الأرجنتين والهند وغيرها نحو فلسطين"


أهمية الهجرة للمجتمع الصهيوني

لقد عقد في" إسرائيل" في الفترة بين السنوات (2000-2008) مؤتمرات دورية سنوية إستراتيجية في مدينة هرتسيليا ومراكز بحث إسرائيلية مختلفة، وفي المقدمة منها مركز جافي للدراسات الإستراتيجية، وأكد المؤتمرون في توصياتهم ضرورة إعطاء الهجرة اليهودية إلى إسرائيل والأراضي العربية المحتلة أهمية فائقة نظرا لتراجع موجات الهجرة اليهودية، في مقابل النمو الطبيعي المرتفع بين العرب سواء في داخل الخط الأخضر أو في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وتبعا لذلك ركزت وسائل الإعلام الإسرائيلية على ضرورة تهيئة الظروف المختلفة لجذب مزيد من يهود العالم إلى الأراضي العربية المحتلة لتحقيق التفوق الديموغرافي على العرب في حدود فلسطين التاريخية في المستقبل.
وانصب الاهتمام الإسرائيلي على محاولة جذب يهود الهند والأرجنتين، حيث واجهت "إسرائيل" أزمة هجرة حقيقية في سنوات انتفاضة الأقصى، وكذلك مفاجآت حزب الله في قصفه للعمق الإسرائيلي خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان قبل عامين وبالتحديد في يوليو/ تموز من صيف العام 2006، حيث انعكس ذلك على نشاط الهجرة اليهودية المرتبطة بالدرجة الأولى بالاستقرار الأمني.

وتراجُع عوامل الجذب المحلية مع انعدام الأمن وتسجيل معدلات النمو الاقتصادي والرفاه الاقتصادي والاجتماعي أدنى معدلات لها مقارنة مع سنوات الاستقرار دفع أصحاب القرار في إسرائيل إلى البحث عن تهيئة عوامل طاردة ليهود الأرجنتين والهند وغيرها من الدول في العالم باتجاه الأراضي العربية المحتلة، حيث تعد الهجرة اليهودية إلى فلسطين من الركائز الأساسية لإنجاح المشروع الصهيوني في فلسطين كما أسلفنا.

فمنذ انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بال السويسرية في نهاية أغسطس/ آب 1897، بدأت الخطوات العملية لاجتذاب مهاجرين يهود من دول العالم إلى فلسطين.

حقائق حول الهجرة والهجرة المعاكسة
استغلت الحركة الصهيونية تحالفاتها والظروف الدولية من أجل ذلك، واستطاعت جذب نحو 650 ألف مهاجر يهودي حتى إعلان الدولة الصهيونية في الخامس عشر من مايو/ أيار1948.

وبعد إنشائها في العام المذكور، عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة جاهدة لاجتذاب مهاجرين جدد من يهود العالم، فاستطاعت جذب نحو 3.5 يهودي في الفترة (1948-2008)، بيد أنه هاجر من فلسطين المحتلة نحو 20% منهم نتيجة عدم قدرتهم على التلاؤم في ظروف مختلفة عن بلد المنشأ في أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من دول العالم.

وتعد الفترة (1948-1960) وكذلك الفترة (1990-2000) من الفترات الذهبية لجذب مهاجرين يهود باتجاه فلسطين المحتلة، حيث ساهمت الهجرة في تلك الفترتين بنحو 65% من إجمالي الزيادة اليهودية ونتيجة محددات النمو السكاني وصل مجموع اليهود إلى نحو 5.7 ملايين في العام 2008.

ومع انطلاقة انتفاضة الأقصى في نهاية سبتمبر/ أيلول 2000 وتزعزع الأمن الإسرائيلي برزت أسئلة عديدة حول مستقبل الهجرة اليهودية، حيث يلعب الاستقرار الأمني دورا هاما في جذب اليهود إلى فلسطين المحتلة.
وقد أكد رئيس الوكالة اليهودية "سالي مريدور" أن أرقام الهجرة باتجاه الأراضي العربية المحتلة تراجعت من نحو 70 ألف مهاجر في العام 2000 إلى43 ألفا في العام 2001، ومن ثم إلى 30 ألفا في العام 2002،  ولم يتعد الرقم 19 ألفا حتى نهاية العام 2003.
وبقيت الأرقام في حدودها المذكورة حتى نهاية العام 2007 حيث سجلت الإحصاءات الإسرائيلية أرقاما عالية للهجرة المعاكسة تجاوزت الهجرة إلى "إسرائيل" بنحو 3000 مهاجر إلى خارج الأراضي العربية المحتلة.
ومن المتوقع ألا يحصل تطور كبير في أرقام الهجرة اليهودية في السنوات القادمة، هذا في وقت تزداد فيه احتمالات ارتفاع وتيرة أرقام الهجرة المعاكسة حيث هناك استعداد لنحو 40% من الشباب اليهود في إسرائيل للهجرة المعاكسة.
وتخفي وزارة الهجرة والاستيعاب أعداد اليهود الإسرائيليين الذين هاجروا إلى خارج إسرائيل، لكن هناك دراسات تشير إلى أن ثمة 400 ألف يهودي إسرائيلي لن يعودوا إلى إسرائيل، خاصة أن غالبيتهم يحملون جنسيات دول أخرى في العالم.
"بعد انطلاقة انتفاضة الأقصى سجلت الإحصاءات الإسرائيلية أرقاما عالية للهجرة المعاكسة إلى خارج الأراضي العربية المحتلة تجاوزت الهجرة إلى "إسرائيل" بنحو 3000 مهاجر، ويمكن الاستدلال على تراجع زخم الهجرة اليهودية من خلال قراءة الاتجاه العام لهجرة اليهود الروس، حيث تقدر المصادر الإسرائيلية وهي تبالغ في تحديد عدد اليهود الروس الموجودين في روسيا الاتحادية أن عددهم بلغ 500 ألف.
وحين جرت مناقشة حول هذه المخاوف تبين للوزراء أن 600 ألف من اليهود الروس الذين غادروا الاتحاد السوفياتي منذ انهياره حتى العام 2007 لم يهاجروا إلى "إسرائيل" ويبدو أنهم انصهروا في المجتمعات التي انتقلوا إليها.
ويذكر أن مليونا تقريبا من اليهود الروس أو بشكل أدق ممن اعتبرتهم وكالة تهجير اليهود من اليهود الروس هاجروا إلى "إسرائيل" في تلك الفترة نفسها، لكن عددا كبيرا منهم عاد إلى روسيا أو غادر للهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية بجواز سفره الإسرائيلي.
وكان وزير الاستيعاب والهجرة الإسرائيلي "يعقوب إيدري" من حزب كاديما قد دق ناقوس الخطر أمام الوزراء حين عرض لهم أرقاما تشير إلى انخفاض نسبة الهجرة من روسيا إلى 80% وقال إن العام 2007 الماضي لم تشهد فيه إسرائيل سوى هجرة 6000 فقط وإن 100 ألف من اليهود الروس تقريبا غادروا إسرائيل عائدين إلى وطنهم الأصلي روسيا أو إلى الولايات المتحدة وإن روسيا يقيم الآن فيها إسرائيليون وقد زاد عددهم على 100 ألف.
وأشار الوزير الإسرائيلي إلى تزايد نسبة اليهود الروس الذين يندمجون في المجتمع الروسي ولا يهتمون مطلقا بصفتهم اليهودية، وقد بلغت هذه النسبة 80% إضافة إلى أن 10% من يهود روسيا فقط يهتمون بيهوديتهم وبالنشاط اليهودي في روسيا.
منافذ جديدة للهجرة اليهودية
وتبعا لأزمة الهجرة اليهودية بفعل تراجع العوامل الجاذبة ستسعى الحكومات الإسرائيلية الحالية واللاحقة بالتعاون والتنسيق مع الوكالة اليهودية في تمويل حملة كبيرة ومنظمة في المستقبل، لجذب نحو 200 ألف من الأرجنتين، وعدة آلاف من يهود الفلاشا في إثيوبيا، فضلا عن محاولات حثيثة لاجتذاب نحو 80 ألفا من يهود الهند وجنوب أفريقيا.
هذا في وقت باتت فيه أبواب هجرة يهود أوروبا وأميركا الشمالية في حدودها الدنيا بسبب انعدام عوامل الطرد منها.
وتجدر الإشارة إلى أن يهود العالم يتركزون بشكل رئيس في الولايات المتحدة، فمن بين 13 مليون يهودي في العالم في العام 2008، هناك 5.6 ملايين يهودي في الولايات المتحدة، ثم في "إسرائيل" 5.7 ملايين يهودي، ثم فرنسا 560 ألفا، وروسيا 400 ألف يهودي، فكندا 360 ألفا، وأوكرانيا 280 ألفا، وبريطانيا 280 ألفا، والأرجنتين 220 ألفا.
وتشير الإحصاءات إلى أن نسب الزواج المختلط بين اليهود وغير اليهود في العالم وصلت في السنوات الأخيرة إلى 50%-80% خاصة في بعض المدن الأميركية، ما سيؤدي إلى تراجع مجموع اليهود في نهاية المطاف إلى أقل عدد ممكن.
ومن بين مجموع اليهود هناك 40% أشكناز، و36% سفارديم، إضافة إلى 24% من يهود الصابرا لأب يهودي مولود في فلسطين المحتلة.

"غالبية يهود العالم مواطنون في الولايات المتحدة وأوروبا وكندا، حيث مؤشرات التنمية والرفاه هي أعلى من مثيلاتها في إسرائيل، ولذلك لا توجد عوامل طاردة لليهود من تلك الدول باتجاه إسرائيل"

آفاق الهجرة اليهودية باتجاه فلسطين المحتلة
 
يلاحظ المتابع للانتشار اليهودي في العالم أن غالبية يهود العالم هم مواطنون في الولايات المتحدة وأوروبا وكندا، حيث مؤشرات التنمية والرفاه هي أعلى من مثيلاتها في إسرائيل، ولذلك لا توجد عوامل طاردة لليهود من تلك الدول باتجاه إسرائيل والأراضي العربية المحتلة.
ونتيجة عدم وجود عوامل حقيقية طاردة لليهود من بلد المنشأ، وكذلك عدم القدرة على تهيئة ظروف أمنية في "إسرائيل" جاذبة ليهود العالم، يمكن الجزم بأن مؤشرات نضوب الهجرة ستطفو إلى السطح بوضوح في السنوات القليلة القادمة.
وستشهد الساحة البحثية في "إسرائيل" انعقاد مزيد من الندوات والمؤتمرات لدراسة وبحث كل السبل لجذب يهود آسيا وأفريقيا بعد جفاف الهجرة اليهودية من الولايات المتحدة الأميركية والدول المتقدمة في أوروبا، مقارنة بعقد التسعينيات من القرن العشرين الذي شهد زخما كبيرا من الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة خاصة من دول الاتحاد السوفياتي السابق، حيث بات اليهود من أصل روسي يشكلون وزنا نسبيا كبيرا من مجموع اليهود في "إسرائيل" في العام 2008.

* توصيات..

أولاً: ضرورة البحث في كل تجمع فلسطيني، لتوضيح اتجاهات التطور في نهاية المطاف لكافة الشعب الفلسطيني وبذلك يمكن إبراز رقم فلسطيني عن شعب حاولت الحركة الصهيونية و"إسرائيل" شطبه على مدار أكثر من قرن من الصراع (1897-2005(.

ثانياً : ضرورة عقد ندوات تؤكد على أهمية وحدة الشعب الفلسطيني وطرق مقاومته وصموده أمام التحديات الإسرائيلية التي ما زلنا نشهد فصولها من مصادرة للأرض واقتلاع للإنسان، وجذب مزيد من يهود العالم.

ثالثاً:  ضرورة التفاف المثقفين والباحثين والصحفيين العرب والفلسطينيين حول مصطلحات من شأنها الحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية، والابتعاد عن التشنج الفصائلي ما أمكن، ويمكن للمثقفين الاستفادة من وسائل الإعلام خاصة الفضائيات، والانترنت لنشر الخطاب الثقافي الملائم للإبقاء على وحدة الشعب الفلسطيني، داخل و خارج فلسطين.
 رابعاً: ضرورة عقد ندوات في مراكز البحث والجامعات والمعاهد الأوروبية بشكل دوري لشرح حقائق أساسية حول القضية الفلسطينية حتى لا يبقى الإعلام الإسرائيلي والصهيوني هو صانع الخبر الذي يجعل من الفلسطيني صاحب الحق إرهابياً ومن الجندي الإسرائيلي الذي يرتكب المجازر اليومية بحق الأطفال الفلسطينيين هو صاحب الحق.

الجمعية الفلسطينية لحقوق الإنسان (راصد)
الإعلام المركزي
17/كانون الأول/2008