القاعدة ..والذراع الطويلة لأمريكا
خاص "آسيا" جعفر الجولاني
انتهت الحرب العالمية الثانية ..وظهرت الولايات المتحدة الأمريكية كقوى جديدة في العالم, تلك القوى التي حاربت خارج أراضيها ونجحت بإبعاد الحرب عن مواطنيها ..
بدأت الولايات المتحدة بالبحث عن كيفية حماية نفسها وتحصين وجودها من أي خطر أو حرب قادمة, ظهرت نظريات عدة, إلا إن نظرية "ميكيافللي" الإيطالي الذي عاش في عصر النهضة كانت الأبرز والتي قالت (إن لم يكن هناك خطر خارجي فإنه يجب صنع واحد " .ففي نظره يجب أن تقاتل دائماً لكي تبقى ) والتي حازت على عقول الساسة الأمريكيين, وبدأت أمريكا بصنع عدو خارجي تحاربه دائما, وكان في البداية موجوداً فهو القطب الأخر في هذا العالم أنه الاتحاد السوفيتي .
بدأت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة في عدة مجالات, وكادت الحرب أن تقع بشكل مباشر بين البلدين في عدة مواقف, وكان أبرزها ما عرف بأزمة صواريخ كوبا والتهديد النووي الحقيقي لأمريكا, عندما قام الاتحاد السوفيتي بتنصيب صواريخ عابرة للقارات وقادرة على حمل رؤوس نووية في كوبا, والذي تم حله بتفاهم جديد يقضي بأن تسحب روسيا صواريخها من القسم الغربي من العالم, وان تسحب أمريكا صواريخها من تركيا وايطاليا وانكلترا أي من القسم الشرقي من العالم .
عملت أمريكا بعدها على إضعاف الاتحاد السوفيتي ودعم أعدائه, وكان أبرز حرب أنهكت السوفييت هي حرب أفغانستان التي بدأت في عام 1979 واستمرت قرابة عشرة أعوام عندما دخل السوفييت لأفغانستان لدعم حكومة موالية لهم ضد معارضيها, إلا إن القضية تحولت بسبب التدخل السعودي والدعم الأمريكي والباكستاني لقضية حرب سوفيتية ضد المسلمين في أفغانستان .
هنا كان الجهاديون أصدقاء أمريكا ويحظون بدعم أمريكي ويعتبرون حلفاء لهم, فتم دعمهم بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية, أما الأموال فهي كالعادة من السعودية كذلك المقاتلين العرب الذين عملت السعودية عبر رجالات الدين على تشجيعهم للخروج ( للجهاد في أفغانستان ) كانت قيادات المقاتلين العرب تتحرك في العالم بسهولة, حتى إن قائد لواء المجاهدين العرب في أفغانستان " عبد الله عزام " ملهم ومعلم أسامة بن لادن كان يلقي محاضراته عن الجهاد في عدة دول عربية وأهمها دول الخليج, وفي إحدى محاضراته في الكويت قال ( الأمهات هنا يلقبونني بتاجر الموت لأنني اخذ منهم أبناءهم .. وأنا أقول لهم نعم أنا تاجر الموت ) .
كانت السعودية تقدم الدعم المالي أيضا حتى وصل الأمر بالخطوط الجوية السعودية لتقدم تخفيض بنسبة 90% للشباب الراغب في الذهاب إلى بيشاور في باكستان للقتال في أفغانستان, كما قدمت أمريكا صواريخ مضادة للطائرات لحركة طالبان وغيرها من الجماعات والتي أنهكت سلاح الجو الروسي وخاصة المروحي منه .
بعد الانسحاب السوفيتي من أفغانستان عام 1988 وتفككه عام 1991كان لابد من إيجاد عدو جديد تقاتل أمريكا ضده لتبقي العالم تحت جناحيها, فلم تطل طويلاً, ففي عام 1998 وقعت هجمات دار السلام ونيروبي التي استهدفت سفارتي الولايات المتحدة في تنزانيا وكينيا, وتوجهت أصابع الاتهام للحليف القديم أسامة بن لادن, وقامت الطائرات الأمريكية بقصف معمل الشفاء للدواء في السودان وعدة مواقع في قندهار في أفغانستان, وبدأ تنظيم (قاعدة الجهاد ) في الظهور للعلن وإعلان عداءه لأمريكا الذي كان قبل عشرة أعوام فقط حليف وصديق استراتيجي للتنظيم .
أصبح الآن أسامة بن لادن ومن خلفه تنظيم القاعدة العدو الجديد لأمريكا, وبالتالي أصبح جميع الإسلاميين الذين كانت تسلحهم أمريكا وتدعمهم في أفغانستان أشخاص غير مرحب بهم, وتجلى ذلك باعتقال من عاد من أفغانستان في كل من السعودية والجزائر, الأمر الذي دفع هؤلاء المقاتلين لإعلان العداء لحكوماتهم وإعلان الجهاد ضدها, فتشكلت الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر, وقيام آخرين في السعودية بهجمات بسيارات مفخخة في كل من الخبر والرياض في السعودية .وبذلك أصبحت القاعدة الوحش الجديد الذي تخيف به أمريكا العالم .
هل أصبح الجهاديون فعلاً أعداء لأمريكا أم إن الجهاديين تحولوا ليد طويلة لأمريكا في العالم؟ فبعد هجمات 11 أيلول عام 2001 المشكوك في أمرها والتي نفذها مجموعة من الشباب الذين تعلموا على قيادة الطائرات في أمريكا نفسها وكانوا تحت مراقبة ال FBI وبعد المعلومات التي أعلنها والد محمد عطا المصري المتهم بقيادة إحدى الطائرات الانتحارية والتي قال فيها إن ابنه اتصل به بعد ساعة من وقوع الهجمات واخبره انه بخير . ومعلومات أخرى مازالت تتكشف أصبح من الصعب تصديق أن أمريكا وقعت ضحية للهجمات فعلا
أعلن أسامة بن لادن مسؤوليته عن الهجمات الدموية التي قتلت أكثر من 3000 شخص وأطلق جورج بوش القوانين الجديدة لهذا العالم (( من ليس معنا فهو ضدنا )) وانتشر العداء للمسلمين بشكل عام في العالم, وأصبح أمر أي حرب على المسلمين أينما كانت مبرراً لأمريكا أمام المجتمع الدولي .
الآن أصبحت أفغانستان البلد الذي تدخلت فيه أمريكا لمساعدة ( المجاهدين ) والذين سيطروا على الحكم بعد الانسحاب السوفيتي أصبحت دولة معادية, فبدأت الولايات المتحدة حربا قاسية على أفغانستان في تشرين الأول من عام 2001 والتي استمرت قرابة 3 سنوات . هنا كان تنظيم القاعدة السبب في سقوط بلد مستقل تحت الاحتلال الأمريكي ولم يكن البلد الأخير الذي سيعاني من الفوضى والدمار بسبب القاعدة .
أسامة بن لادن خرج من أفغانستان حياً, وهو الهدف الرئيسي لأمريكا في حربها وكان أحد الجنود الأمريكيين ممن شاركوا بحصار أسامة بن لادن مع زوجاته في منزله قال " كنا على الجبال والتلال المحيطة بالمنزل وكان من المستحيل أن يهرب إلا أن أوامر جاءتنا بتركه يخرج مع عائلته, وفر هاربا " .
بعد نهاية حرب أفغانستان لم يكن أسامة بن لادن الواجهة الوحيدة للعدو الذي تصنعه أمريكا بل ظهر في عام 2004 أبو مصعب الزرقاوي الذي كان يقود جماعة التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين الذي أعلن البيعة لأسامة بن لادن وأصبح تنظيمه يسمى بفرع القاعدة في العراق, وكان ذلك بعد عام واحد فقط على غزو أمريكا وحلفائها للعراق, والذي كان تنظيم القاعدة هو احد أسباب تلك الحرب عندما أعلنت الولايات المتحدة عن وجود صلة وتعاون بين صدام حسين والقاعدة في العراق. إلا إن قوات الحلفاء لم يجدوا دليلاً واحداً على هذا الترابط بعد إسقاط النظام العراقي .
أبو مصعب الزرقاوي وتنظيمه في العراق الواجهة الجديدة للعدو الذي تلاحقه أمريكا, وكأنها لعبة فيديو تنتصر فيها أمريكا لتنتقل لمرحلة أخرى لتلاقي العدو ذاته ولكن باسم وحش جديد وأسلوب جديد .
عملت ذراع أمريكا الطويلة الجديدة على نشر الفوضى في البلاد بالنيابة عن الولايات المتحدة, وقام التنظيم بتفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء عام 2007 الذي أشعل الحرب الطائفية في البلاد بين المذهبين المسلمين الشيعة والسنة والتي راح ضحيتها أكثر من مليون عراقي على مدة عدة سنوات بعد التفجير .
بعد مقتل الزرقاوي في غارة جوية في بعقوبة في العراق عام 2006 وأسامة بن لادن في عملية إنزال جوي في وزيرستان في باكستان عام 2011 أصبح الطريق مفتوحاً أمام العدو الجديد والأكثر تخويفا للعالم من القاعدة التي ستعود حليفا لأمريكا في سورية لاحقاً مهدت لظهور ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش ) .
مع انتشار الفوضى في سورية بعد وصول ما يسمى بالربيع العربي إليها في 2011 أرسل أبو بكر البغدادي الذي كان في البداية زعيما لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق التي أسسها أبو مصعب الزرقاوي في عام 2004 أرسل عدة قياديين إلى سورية, من بينهم أبو محمد الجولاني لتأسيس فرع للقاعدة في سورية تحت اسم (جبهة النصرة ) والذي نجح بتأسيسه وترأسه أبو محمد الجولاني وبات ينتشر في معظم المحافظات السورية تقريباً, وشن هجمات دموية ضد المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية . وفي عام 2014 تم الإعلان عن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام, وسرعان ما وقع الخلاف بين جبهة النصرة التي رفض زعيمها الانطواء تحت ظل أبو بكر البغدادي زعيم دولة الخلافة الجديدة وأعلن ابتعاده عن تنظيم داعش
هنا بقي تنظيم القاعدة في سورية الذراع الطويلة لأمريكا تحت الرعاية والحماية الأمريكية سراً, وعدة مرات علناً, أما تنظيم داعش فبقي تحت الرعاية الأمريكية سراً والعداء له في المحافل الدولية علناً, وهو ما يبرر تحرك ارتال التنظيم لمسافات كبيرة في الصحراء دون استهدافه بالرغم من وجود الأقمار الصناعية الأمريكية وعشرات طائرات الاستطلاع فوق المنطقة وقيام الطائرات الأمريكية بالإغارة على مواقع للجيش السوري في دير الزور عدة مرات كان أخرها في 17 أيلول 2016 عندما أغارت طائرات أمريكية على موقع للجيش السوري تهاجمه داعش بمحيط مطار دير الزور العسكري, والذي أوقع 62 قتيلا في صفوف الجنود السوريين بالإضافة لعشرات الجرحى .
عدة لقاءات جرت بين مسؤولين من النصرة وتنظيم أحرار الشام الذي يشابه النصرة لحد كبير من ناحية الأفكار والمعتقدات والتشدد من جهة ومسؤولين من المخابرات الأمريكية من جهة أخرى في تركيا, والتي حصل فيها التنظيمين على السلاح والذخائر المتطورة ومن بينها صواريخ تاو المضادة للدروع وصواريخ محمولة على الكتف مضادة للطائرات لقتال الدولة السورية
بعد اللقاءات الماراثونية بين وزير الخارجية الروسي وبين نظيره الأمريكي طالبت روسيا الولايات المتحدة في كل اجتماع رفع الغطاء عن تنظيم جبهة النصرة فرع القاعدة في بلاد الشام ليتم استهدافه بالقصف الجوي مع تنظيم داعش باعتبارهم تنظيمات إرهابية خطرة على العالم
بعد الطلبات المتكررة من روسيا والإحراج الذي وقعت به الولايات المتحدة جراء تغطيتها لتنظيم متشدد مرتبط بالقاعدة قام التنظيم بإعلان انفصاله عن تنظيم القاعدة وتغيير اسمه ليصبح ( فتح الشام ) في محاولة الخروج من عباءة الجماعات المتشددة والالتحاق بالمعارضة المعتدلة التي تدعمها أمريكا وتركيا والسعودية علناً
إلا إن هذا التغيير في الشكل الخارجي لم يوقف روسيا من مطالبتها برفع الحماية الأمريكية عن التنظيم, حيث وقعت كلاً من روسيا وأمريكا ما عرف بالاتفاق الروسي – الأمريكي في ايلول2016 الذي ينص على استهداف مواقع النصرة مع مواقع تنظيم داعش, إلا أن الولايات المتحدة لم تفِ حتى اليوم بوعودها بتقديم معلومات عن التنظيم ومواقعه للقوات الروسية .
فهل ستخاطر أمريكا بالتخلص من القاعدة في سورية التي طالما كانت ذراعها الطويلة في العالم وتكتفي بداعش الذي زاد بدمويته من خطورة وجوده ...أم أن عمر القاعدة مازال طويلا ومهمتها لم تنتهِ بعد ؟
بدأت الولايات المتحدة بالبحث عن كيفية حماية نفسها وتحصين وجودها من أي خطر أو حرب قادمة, ظهرت نظريات عدة, إلا إن نظرية "ميكيافللي" الإيطالي الذي عاش في عصر النهضة كانت الأبرز والتي قالت (إن لم يكن هناك خطر خارجي فإنه يجب صنع واحد " .ففي نظره يجب أن تقاتل دائماً لكي تبقى ) والتي حازت على عقول الساسة الأمريكيين, وبدأت أمريكا بصنع عدو خارجي تحاربه دائما, وكان في البداية موجوداً فهو القطب الأخر في هذا العالم أنه الاتحاد السوفيتي .
بدأت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة في عدة مجالات, وكادت الحرب أن تقع بشكل مباشر بين البلدين في عدة مواقف, وكان أبرزها ما عرف بأزمة صواريخ كوبا والتهديد النووي الحقيقي لأمريكا, عندما قام الاتحاد السوفيتي بتنصيب صواريخ عابرة للقارات وقادرة على حمل رؤوس نووية في كوبا, والذي تم حله بتفاهم جديد يقضي بأن تسحب روسيا صواريخها من القسم الغربي من العالم, وان تسحب أمريكا صواريخها من تركيا وايطاليا وانكلترا أي من القسم الشرقي من العالم .
عملت أمريكا بعدها على إضعاف الاتحاد السوفيتي ودعم أعدائه, وكان أبرز حرب أنهكت السوفييت هي حرب أفغانستان التي بدأت في عام 1979 واستمرت قرابة عشرة أعوام عندما دخل السوفييت لأفغانستان لدعم حكومة موالية لهم ضد معارضيها, إلا إن القضية تحولت بسبب التدخل السعودي والدعم الأمريكي والباكستاني لقضية حرب سوفيتية ضد المسلمين في أفغانستان .
هنا كان الجهاديون أصدقاء أمريكا ويحظون بدعم أمريكي ويعتبرون حلفاء لهم, فتم دعمهم بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية, أما الأموال فهي كالعادة من السعودية كذلك المقاتلين العرب الذين عملت السعودية عبر رجالات الدين على تشجيعهم للخروج ( للجهاد في أفغانستان ) كانت قيادات المقاتلين العرب تتحرك في العالم بسهولة, حتى إن قائد لواء المجاهدين العرب في أفغانستان " عبد الله عزام " ملهم ومعلم أسامة بن لادن كان يلقي محاضراته عن الجهاد في عدة دول عربية وأهمها دول الخليج, وفي إحدى محاضراته في الكويت قال ( الأمهات هنا يلقبونني بتاجر الموت لأنني اخذ منهم أبناءهم .. وأنا أقول لهم نعم أنا تاجر الموت ) .
كانت السعودية تقدم الدعم المالي أيضا حتى وصل الأمر بالخطوط الجوية السعودية لتقدم تخفيض بنسبة 90% للشباب الراغب في الذهاب إلى بيشاور في باكستان للقتال في أفغانستان, كما قدمت أمريكا صواريخ مضادة للطائرات لحركة طالبان وغيرها من الجماعات والتي أنهكت سلاح الجو الروسي وخاصة المروحي منه .
بعد الانسحاب السوفيتي من أفغانستان عام 1988 وتفككه عام 1991كان لابد من إيجاد عدو جديد تقاتل أمريكا ضده لتبقي العالم تحت جناحيها, فلم تطل طويلاً, ففي عام 1998 وقعت هجمات دار السلام ونيروبي التي استهدفت سفارتي الولايات المتحدة في تنزانيا وكينيا, وتوجهت أصابع الاتهام للحليف القديم أسامة بن لادن, وقامت الطائرات الأمريكية بقصف معمل الشفاء للدواء في السودان وعدة مواقع في قندهار في أفغانستان, وبدأ تنظيم (قاعدة الجهاد ) في الظهور للعلن وإعلان عداءه لأمريكا الذي كان قبل عشرة أعوام فقط حليف وصديق استراتيجي للتنظيم .
أصبح الآن أسامة بن لادن ومن خلفه تنظيم القاعدة العدو الجديد لأمريكا, وبالتالي أصبح جميع الإسلاميين الذين كانت تسلحهم أمريكا وتدعمهم في أفغانستان أشخاص غير مرحب بهم, وتجلى ذلك باعتقال من عاد من أفغانستان في كل من السعودية والجزائر, الأمر الذي دفع هؤلاء المقاتلين لإعلان العداء لحكوماتهم وإعلان الجهاد ضدها, فتشكلت الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر, وقيام آخرين في السعودية بهجمات بسيارات مفخخة في كل من الخبر والرياض في السعودية .وبذلك أصبحت القاعدة الوحش الجديد الذي تخيف به أمريكا العالم .
هل أصبح الجهاديون فعلاً أعداء لأمريكا أم إن الجهاديين تحولوا ليد طويلة لأمريكا في العالم؟ فبعد هجمات 11 أيلول عام 2001 المشكوك في أمرها والتي نفذها مجموعة من الشباب الذين تعلموا على قيادة الطائرات في أمريكا نفسها وكانوا تحت مراقبة ال FBI وبعد المعلومات التي أعلنها والد محمد عطا المصري المتهم بقيادة إحدى الطائرات الانتحارية والتي قال فيها إن ابنه اتصل به بعد ساعة من وقوع الهجمات واخبره انه بخير . ومعلومات أخرى مازالت تتكشف أصبح من الصعب تصديق أن أمريكا وقعت ضحية للهجمات فعلا
أعلن أسامة بن لادن مسؤوليته عن الهجمات الدموية التي قتلت أكثر من 3000 شخص وأطلق جورج بوش القوانين الجديدة لهذا العالم (( من ليس معنا فهو ضدنا )) وانتشر العداء للمسلمين بشكل عام في العالم, وأصبح أمر أي حرب على المسلمين أينما كانت مبرراً لأمريكا أمام المجتمع الدولي .
الآن أصبحت أفغانستان البلد الذي تدخلت فيه أمريكا لمساعدة ( المجاهدين ) والذين سيطروا على الحكم بعد الانسحاب السوفيتي أصبحت دولة معادية, فبدأت الولايات المتحدة حربا قاسية على أفغانستان في تشرين الأول من عام 2001 والتي استمرت قرابة 3 سنوات . هنا كان تنظيم القاعدة السبب في سقوط بلد مستقل تحت الاحتلال الأمريكي ولم يكن البلد الأخير الذي سيعاني من الفوضى والدمار بسبب القاعدة .
أسامة بن لادن خرج من أفغانستان حياً, وهو الهدف الرئيسي لأمريكا في حربها وكان أحد الجنود الأمريكيين ممن شاركوا بحصار أسامة بن لادن مع زوجاته في منزله قال " كنا على الجبال والتلال المحيطة بالمنزل وكان من المستحيل أن يهرب إلا أن أوامر جاءتنا بتركه يخرج مع عائلته, وفر هاربا " .
بعد نهاية حرب أفغانستان لم يكن أسامة بن لادن الواجهة الوحيدة للعدو الذي تصنعه أمريكا بل ظهر في عام 2004 أبو مصعب الزرقاوي الذي كان يقود جماعة التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين الذي أعلن البيعة لأسامة بن لادن وأصبح تنظيمه يسمى بفرع القاعدة في العراق, وكان ذلك بعد عام واحد فقط على غزو أمريكا وحلفائها للعراق, والذي كان تنظيم القاعدة هو احد أسباب تلك الحرب عندما أعلنت الولايات المتحدة عن وجود صلة وتعاون بين صدام حسين والقاعدة في العراق. إلا إن قوات الحلفاء لم يجدوا دليلاً واحداً على هذا الترابط بعد إسقاط النظام العراقي .
أبو مصعب الزرقاوي وتنظيمه في العراق الواجهة الجديدة للعدو الذي تلاحقه أمريكا, وكأنها لعبة فيديو تنتصر فيها أمريكا لتنتقل لمرحلة أخرى لتلاقي العدو ذاته ولكن باسم وحش جديد وأسلوب جديد .
عملت ذراع أمريكا الطويلة الجديدة على نشر الفوضى في البلاد بالنيابة عن الولايات المتحدة, وقام التنظيم بتفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء عام 2007 الذي أشعل الحرب الطائفية في البلاد بين المذهبين المسلمين الشيعة والسنة والتي راح ضحيتها أكثر من مليون عراقي على مدة عدة سنوات بعد التفجير .
بعد مقتل الزرقاوي في غارة جوية في بعقوبة في العراق عام 2006 وأسامة بن لادن في عملية إنزال جوي في وزيرستان في باكستان عام 2011 أصبح الطريق مفتوحاً أمام العدو الجديد والأكثر تخويفا للعالم من القاعدة التي ستعود حليفا لأمريكا في سورية لاحقاً مهدت لظهور ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش ) .
مع انتشار الفوضى في سورية بعد وصول ما يسمى بالربيع العربي إليها في 2011 أرسل أبو بكر البغدادي الذي كان في البداية زعيما لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق التي أسسها أبو مصعب الزرقاوي في عام 2004 أرسل عدة قياديين إلى سورية, من بينهم أبو محمد الجولاني لتأسيس فرع للقاعدة في سورية تحت اسم (جبهة النصرة ) والذي نجح بتأسيسه وترأسه أبو محمد الجولاني وبات ينتشر في معظم المحافظات السورية تقريباً, وشن هجمات دموية ضد المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية . وفي عام 2014 تم الإعلان عن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام, وسرعان ما وقع الخلاف بين جبهة النصرة التي رفض زعيمها الانطواء تحت ظل أبو بكر البغدادي زعيم دولة الخلافة الجديدة وأعلن ابتعاده عن تنظيم داعش
هنا بقي تنظيم القاعدة في سورية الذراع الطويلة لأمريكا تحت الرعاية والحماية الأمريكية سراً, وعدة مرات علناً, أما تنظيم داعش فبقي تحت الرعاية الأمريكية سراً والعداء له في المحافل الدولية علناً, وهو ما يبرر تحرك ارتال التنظيم لمسافات كبيرة في الصحراء دون استهدافه بالرغم من وجود الأقمار الصناعية الأمريكية وعشرات طائرات الاستطلاع فوق المنطقة وقيام الطائرات الأمريكية بالإغارة على مواقع للجيش السوري في دير الزور عدة مرات كان أخرها في 17 أيلول 2016 عندما أغارت طائرات أمريكية على موقع للجيش السوري تهاجمه داعش بمحيط مطار دير الزور العسكري, والذي أوقع 62 قتيلا في صفوف الجنود السوريين بالإضافة لعشرات الجرحى .
عدة لقاءات جرت بين مسؤولين من النصرة وتنظيم أحرار الشام الذي يشابه النصرة لحد كبير من ناحية الأفكار والمعتقدات والتشدد من جهة ومسؤولين من المخابرات الأمريكية من جهة أخرى في تركيا, والتي حصل فيها التنظيمين على السلاح والذخائر المتطورة ومن بينها صواريخ تاو المضادة للدروع وصواريخ محمولة على الكتف مضادة للطائرات لقتال الدولة السورية
بعد اللقاءات الماراثونية بين وزير الخارجية الروسي وبين نظيره الأمريكي طالبت روسيا الولايات المتحدة في كل اجتماع رفع الغطاء عن تنظيم جبهة النصرة فرع القاعدة في بلاد الشام ليتم استهدافه بالقصف الجوي مع تنظيم داعش باعتبارهم تنظيمات إرهابية خطرة على العالم
بعد الطلبات المتكررة من روسيا والإحراج الذي وقعت به الولايات المتحدة جراء تغطيتها لتنظيم متشدد مرتبط بالقاعدة قام التنظيم بإعلان انفصاله عن تنظيم القاعدة وتغيير اسمه ليصبح ( فتح الشام ) في محاولة الخروج من عباءة الجماعات المتشددة والالتحاق بالمعارضة المعتدلة التي تدعمها أمريكا وتركيا والسعودية علناً
إلا إن هذا التغيير في الشكل الخارجي لم يوقف روسيا من مطالبتها برفع الحماية الأمريكية عن التنظيم, حيث وقعت كلاً من روسيا وأمريكا ما عرف بالاتفاق الروسي – الأمريكي في ايلول2016 الذي ينص على استهداف مواقع النصرة مع مواقع تنظيم داعش, إلا أن الولايات المتحدة لم تفِ حتى اليوم بوعودها بتقديم معلومات عن التنظيم ومواقعه للقوات الروسية .
فهل ستخاطر أمريكا بالتخلص من القاعدة في سورية التي طالما كانت ذراعها الطويلة في العالم وتكتفي بداعش الذي زاد بدمويته من خطورة وجوده ...أم أن عمر القاعدة مازال طويلا ومهمتها لم تنتهِ بعد ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق