الأحد، 18 ديسمبر 2016

المخطط الإسرائيلي لتقسيم الدول العربية
ا
حتواء العقل المصريأخطر مقال للراحل حامد ربيع
عامر عبد المنعم
3/25/2015


عندما كتبت مقالاتي السابقة عن مخطط التقسيم الذي يجري الآن باسم تقسيم إداري جديد للمحافظات المصرية، لم أكن قد قرأت ما كتبه العالم المصري الاستراتيجي الكبير الراحل الدكتور حامد ربيع عن ذات الموضوع.
لقد فوجئت بأن حامد ربيع كتب سلسلة مقالات في بداية الثمانينات، في جريدة الوفد ومجلة الأهرام الاقتصادي، من أهم ما كتب في تحليل الاستراتيجيات المعادية، وكشف معلومات تفصيلية عن الخطط الإسرائيلية والأمريكية المتعلقة بمصر والمنطقة العربية والعالم الإسلامي، ووضح فيها كيف يفكر الأمريكيون والإسرائيليون تجاهنا، وأثبت بالمعلومات والوثائق محاور المخطط الإسرائيلي الأمريكي لتمزيق كل الدول الكبيرة الذي يجري الآن في كل المنطقة.
هذا المقال وباقي السلسلة يفسر ما نراه هذه الأيام في مصر واليمن وليبيا والعراق والسودان والمغرب وما ينتظر باقي الدول العربية الكبيرة التي يرى الإسرائيليون أن بقائها متماسكة وبزيادة سكانها خطرا على وجود الكيان الصهيوني.
أنصح كل عربي ومسلم أن يقرأ هذا المقال وكل ما كتبه الدكتور حامد ربيع ليفهم ما يجري في بلادنا وما نساق إليه.
أعيد نشر مقال الدكتور حامد ربيع عسى أن يجد كلامه آذانا صاغية في كل بلادنا المستهدفة، تساهم في وقف تنفيذ المخطط الإسرائيلي الأمريكي، فمثل هذه الخطط ليست قدرا محتوما، وإنما هي مكر شيطاني يتبدد بأقل تحرك بعد التوكل على الله.

_____________
عامر عبد المنعم
_____________

هذا هو المقال الأول للدكتور حامد ربيع في سلسلة المقالات التي نشرت بعنوان " احتواء العقل المصري، " في الأهرام الاقتصادي " العدد 733 القاهرة في 31/1/1983


احتواء العقل المصري


بقلم: حامد ربيع:
"هل حقا عاد الوعي إلى مصر؟ مصر الخالدة، التي ظلت دائماً صامدة أمام أي عدوان؟ نعم إنها الأنثى التي تعرف بحسها اللاشعورى ابنها الحقيقي، من ذلك الذي حملته سفاحاً، فجاء يلطخ اسمها بالأوحال. مصر التي لم تعرف خلال تاريخها الطويل سوى الآلام، ومع ذلك فهي قائدة بتضحياتها، قوية بإيمانها، راسخة بصلابتها، هذه هي التي أتوجه إليها بالحديث، أؤكد لها أن أبناءها الحقيقيين سوف يظلون على عهدهم عصبها الحقيقي، ودرعها الواقية، وسوف يحمون بجسدهم قيمها الحقيقية، قيم الصلابة السلوكية، والقوة المثالية، قيم الوظيفة الحضارية والقيادة التاريخية.
أ- موضوع إعادة وصف مصر، لا يمكن فصله عن حقائق ثلاث، مجموعها يكون الإدراك الحقيقي للتعامل الدولي، الذي خضعت له مصر دائماً، بل والمنطقة العربية سواء سميت هذه بمنطقة الشرق الأوسط أو بالوطن العربي، وهى حقائق ليست جديدة بل إننا فقط لم نعد نعرف تاريخنا وقد أضحينا نتجاهل خبرة آبائنا وأجدادنا في التعامل مع القوى ذات الأطماع الاستعمارية.
أول هذه الحقائق: الرغبة الثابتة في معرفة مصر من الداخل، وتحليل خصائص منطقها وأسلوب التعامل مع عقليتها وعقلية قياداتها السياسية والفكرية، هذه المعرفة لا تعود إلى الأمس القريب، ولا تبدأ فقط مع الحملة الفرنسية، وكتاب وصف مصر.
إن تحليل دراسة الماضي تثبت أن هذه الحقيقة تعود إلى أقدم العصور، بل وإلى عصر البطالسة على وجه التحديد، عندما حدث أول صدام حقيقي مع إمبراطورية كبرى، ولكننا لو اقتصرنا على العالم المعاصر، لوجدنا أول تعامل مع هذا المفهوم يقودنا إلى فترة حكم على بك الكبير الذي يندر أن يذكره أحد، هو أول من حاول بناء دولة كبرى في منطقة الشرق الأوسط، وقد كشفت الوثائق التي قدر لنا أن نطلع عليها ونحللها، أنه في فترة حكمه، وهى فترة فكرت فيها فرنسا بدورها في مد نفوذها إلى وادي النيل، والتدخل في هذه المنطقة أرسلت أحد أبنائها واسمه " سافادى "، عاش في مصر ثلاثة أعوام، أرسل خلالها مجموعة من الخطابات إلى المسئولين، موجودة حالياً في المكتبة الوطنية بباريس باسم " رسائل من مصر " ومن يرد أن يعرف كيف كان يتولى هؤلاء الجواسيس جمع المعلومات من منطلق الفضول ظاهرياً ومن منطلق التخطيط الواعي لفهم عقلية هذه البلاد، التي يرغبون في الاستيلاء على خيراتها فعلاً، فليس عليه سوى أن يطلع على هذه الخطابات، المجموعة في ثلاث مجلدات بباريس، وتوجد منها نسخة معروضة للبيع لدى المكتبة الشرقية بشارع "Monsieur Le Prince" حاولت أن أحصل عليها في الصيف الماضي ولكنني كنت عاجزاً إزاء ثمنها وهو حوالي ألف ومائتا جنيه. 
الحقيقة الثانية: تدور حول طبيعة المخطط الاستعماري من حيث خصائصه العامة في التعامل مع مصر، إنه دائماً يسير في خطين متوازيين، خلق الفرقة بين القيادة المصرية والشعب المصري من جانب، وفرض العزلة في العلاقات بين مصر والدول المحيطة بها من جانب آخر، وكان محور ذلك دائماً التعامل النفسي، هذا المحور قد يختلف من حيث تشكيله وأداته من مرحلة لأخرى، ومن مستعمر لآخر ، لأنه ينبع من التصور لأسلوب الغزو، ومنطق الفتح، ولكن تحطيم الثقة في الذات القومية كان دائماً العنصر الأساسي في عملية الغزو المعنوي، وقد بدأ ذلك من الفتح الروماني عقب مقتل كليوباترا خرج رسل قيصر روما الجديد ولديهم أمر واحد صريح تحطيم معبد الكرنك، لماذا؟ لأن معبد الكرنك لم يكن مجرد منزل الإله، بل لأنه كان يمثل أكبر جامعة في العالم القديم، علماء الكيمياء والطب والتشريح واستخراج المعادن، كانوا في رداء الكهنوت في ذلك المعبد بالمئات، بل وبعض النصوص اللاتينية تحدثنا عنهم بالآلاف، تحطيم الكرنك لم يكن يعنى مجرد تحطيم معبد، ولكنه استئصال للعلم والتكنولوجيا المتقدمة، التي عرفتها أرض وادي النيل.
الاستعمار الفرنسي ورث الاستعمار الإنجليزي، وكلاهما ورث وعاش مفاهيم استراتيجية القيادات الرومانية ، ومن المعلوم أن رعاة البقر القادمين اليوم من القارة الجديدة، يصفون أنفسهم بالقياصرة الجدد، وهكذا علينا ألا نندهش إزاء سياسة استعمارية تنطلق من مبدأ اختصاص قدراتنا العلمية ومواهبنا الإبداعية كيف؟
سوف نرى ذلك فيما بعد وفى موضعه، وسوف ندرك حينئذ الخطورة الحقيقية لهذا الموضوع الذي نحن بصدده، وكيف أن على الدولة أن تستيقظ، وعلى الحاكم أن يفتح عينيه دوماً ليعرف كيف أن كيان أمة قد أضحى موضع التهديد.
بل إنني أتساءل هل نستطيع الآن أن ننقذ الجسد مما ألم به؟ قبل أن تصيبه مآسي حقيقية؟ ألم يعد الوقت متأخراً ؟
الحقيقة الثالثة: التي يجب أن ندخلها في الاعتبار وهى أن الاستعمار الذي يعرفه العالم المعاصر ينطلق من مفهوم الاستعمار الجديد، والاستعمار الجديد يعنى بأبسط الكلمات: خلق التبعية المعنوية.
التبعية قديماً كانت أداتها هي القوة الغاشمة والقهر المادي والعضوي، جيش يأتي فيحتل الأرض المراد استغلالها والحصول على ثرواتها.
اليوم هناك أسلحة أكثر فتكاً وأقل تكلفة: أسلحة نفسية تواضع العلماء على تسميتها بكلمة الغزو المعنوي، هذا هو مفهوم الاستعمار الجديد، هذا المنطق تختلف أساليبه، أو بعبارة أدق تختلف فلسفة التعامل بخصوصه، فالمنطق الفرنسي يدور حول خلق التبعية من المنطلق الحضاري، ومن خلال زرع كلمات الفكر الفرنسي.
الروسي يفضّل منطق الولاء والقناعة الأيديولوجية، وهكذا تصير الاشتراكية والعدالة، الاشتراكية والمساواة بين الشعوب رداء فضفاضاً يستتر خلفه منطق التغلغل، وخلق التبعية المعنوية.
الأمريكي ابتدع مفهوم التنمية وأسلوب الحياة الأمريكي، هو يجمع بين عنصرين كل منهما يكمل الآخر: عنصر القناعة الفكرية بالتنمية وما ينطوي تحتها من مثاليات، بحيث تستوعب في نظام القيم القومية من جانب، ثم عنصر الممارسة والحياة الواقعية من خلال تقديم نموذج الوجود الأمريكي، على أنه المثل الأعلى في العالم المعاصر للمجتمع المثالي، وهو يسعى بهذا المعنى لخلق التبعية السلوكية أولاً من جانب الجماهير، وثانياً التبعية الفكرية لتلك المتعلقة بالفئة المختارة، وذلك دون الحديث عن التبعية المصلحية للفئات المنتفعة.
وسوف نرى كل ذلك تفصيلاً في موضوع آخر.
ب- قد يتصور البعض أن كاتب هذه الصفحات يبالغ ويضخم، ولكنني أؤكد أن تحت يدي من الوثائق ما يجعل أي مواطن مؤمن بواجبه لو قدر له الاطلاع عليها يخجل مما يحدث حوله، وهو صامت لا يرفع راية التحدي والمطالبة بوضع حد لهذا التسيب الذي تعيشه مصر منذ عدة أعوام.
ولنقتصر مؤقتاً على بعض المنطلقات:
ا- أول هذه المنطلقات: هو أن التفكير في هذه العملية أي في عملية الغزو المعنوي العقلي والفكري للعالم الثالث، بل وللعالم الأوربي نفسه لا يعود من جانب القيادة الأمريكية إلى الأمس القريب، يوجد في منطقة الأوهايو بشمال أمريكا، وعلى وجه التحديد بمدينة كليفلاند مبنى يحمل اسماً ترجمته الحرفية " القضية الغربية " الدخول إلى هذا المبنى الذي يوصف بأنه جامعة أصعب من التطرق إلى دهاليز البنتاجون، وأتحدى أن يكون أحد حضرات العلماء الذين أقبلوا على السادة الأمريكيين يخدمونهم بكل هذه القناعة، قد سمع بها أو علم بما يحدث في داخلها، عندما كنت بالولايات المتحدة في صيف عام 1973 وقبل حرب أكتوبر في مهمة رسمية لحساب السلطات المصرية، حاولت أن أدخل هذه الجامعة، ولو لعدة ساعات فلم أستطع، ورغم أنني استطعت أن أدخل حاخامية القيادة الصهيونية، وأجلس مع "دانييل سيلفر" ابن أكبر الدعاة للصهيونية الأمريكية وأطلع على خطاباته أقصد أباهى لِلَيل سيلفر فقد ظلت أبواب هذه الجامعة مغلقة بالضبة والمفتاح أمام كل محاولاتي وخلال شهر كامل.
2- لدينا اليوم دراسة قامت بنشرها إحدى دور النشر الفرنسية، وهى متداولة في الأسواق منذ الشتاء الماضي، ورغم أنني في هذه اللحظة لا أذكر اسم المؤلف أو الدار إلا أنها موجودة لدينا بالقاهرة، وكم كنت أتمنى أن تترجم إلى اللغة العربية، وبصفة خاصة

أن تجميع الوثائق التي تستند إليها هذه الدراسة من تقارير سرية، تعود إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة.
وكيف منذ تلك الفترة بدأت القيادة الأمريكية المسؤولة تخطط لكيفية غزو العقول والأفئدة. فقط أود أن أضيف بأن مقتل الناشر اليساري الإيطالي المشهور " فلترينللى" منذ قرابة عشرة أعوام والذي ظل يحيط به الغموض حتى وقت قريب، الجميع يعلم اليوم أنه مرتبط بهذه الوثيقة، وفى التفكير في طرحها على الرأي العام الأوربي، وليس ذلك لأن الرأي العام الأوربي يخشى على مصير مصر، ولكن لأن هذا المخطط يتجه أيضاً إلى العالم الأوربي.
3- ولعله يكفى التأكيد بهذه الحقيقة وما يرتبط بها، من تصور أمريكي لأساليب الغزو الفكري، أن نعود إلى ما حدث في أعقاب الحرب العالمية الثانية، في كل من اليابان وألمانيا الغربية، ولنحدد مصادر المعلومات بهذا الخصوص، حتى لا تخرج علينا أبواق التكذيب، أول مصدر هو كتاب العالم الأمريكي " الأشهر كاهن " عن اليابان ولنتذكر أن " كاهن " هو العقل المفكر لمؤسسة "راندكوربوريشن"، وقد كان أي " كاهن " مستشاراً للرئيس كيندي في لحظة معينة، هذا الكتاب يحمل عنوان: (اليابان).
أما عن ألمانيا فلدينا وثيقة خطيرة كنا نتمنى أن تترجم إلى اللغة العربية، ونحن على استعداد لأن نقدمها مجاناً لأي جهة علمية مصرية تتعهد بتلك المهمة ، هذه الوثيقة تحمل عنواناً له دلالة: " سوف أظل بروسيا " كتبها الفيلسوف الألماني الشهير (سالومون). ظروف هذا الكتاب الضخم الذي يقرب من ستمائة صفحة والذي أصدره فيلسوف ألمانيا الأشهر عام 1954 هو أنه سقطت في يده بطريق المصادفة، أداة جمع المعلومات التي كانت قوات الاحتلال الأمريكي في ألمانيا قد قامت بتنفيذها، لدراسة خصائص الطابع القومي الألماني، ويستطيع القارئ أن يجد تفاصيل بهذا الخصوص في مؤلفنا بعنوان " مقدمة في العلوم السلوكية " وبصفة خاصة طبعته الثانية " دمشق عام 1981 " هذا الحادث له دلالة متعددة الأبعاد:
أولاً: أسلوب جمع المعلومات الميداني، هو المسيطر على المنطق الأمريكي، كنتيجة للمدرسة السلوكية التي تتحكم في المنطق العلمي للتحليل الاجتماعي والسياسي في تلك التقاليد.
ثانياً: إن هذه المعلومات ليست بقصد علمي منزه، لقد كانت تقوم بها في ألمانيا واليابان قوات الاحتلال، وتخضع لإدارة عسكرية، وهى اليوم في المجتمعات المتخلفة تتولاها أجهزة في ظاهرها جهات مدنية، ولكنها تنتهي بأن تصب في أجهزة الأمن القومي الأمريكي الصانعة للسياسة الخارجية لتلك الدولة، أو على الأقل المحددة لأهم مؤشرات ومتغيرات تنفيذ تلك السياسة.
ثالثاً: كذلك فإن هذا المفهوم للتعامل لا يعود للأمس القريب، لقد طُبّق في ألمانيا الغربية منذ أعقاب الحرب العالمية الثانية، وطبق بالنسبة لليابان منذ فترة سالفة على الحرب العالمية الثانية. يخبرنا " كاهن" في مؤلفه السابق ذكره بأن ذلك تم أثناء الحرب حيث طبق على اليابانيين المقيمين بالولايات المتحدة بل ومنذ عام 1942.
رابعاً: ونستطيع أن نضيف إلى ذلك أنه بالنسبة للمنطقة العربية، فإن تطبيق هذا الأسلوب لا يعود إلى الأمس القريب، يخطئ من يتصور أن بداية عملية جمع المعلومات الميدانية عن مصر تعود فقط إلى عدة أعوام، لقد بدأت الولايات المتحدة في تنفيذ هذه السياسة مند عهد عبد الناصر، وعلى وجه التحديد عقب حوادث وحدة مصر مع سوريا، ثم حرب اليمن، ولكن تم ذلك خلال تلك الفترة بطريق الوسيط، وأستطيع أن أؤكد أن ذلك تم خلال الفترة من خلال منظمة فورد التي بدورها عهدت إلى بعض الإيطاليين وواحد منهم دون ذكر اسمه مؤقتاً شخص تصفه الأوساط العالمية الإيطالية بأنه اكبر " نصّاب " في تاريخ إيطاليا العلمي الحديث، قام بإنشاء مركز مصطنع وهمي في إحدى الشقق الخاصة بروما ومن خلاله استطاع التسرب إلى مصر عن طريق بعض الأجهزة المسئولة ذات البريق الجذاب، وقام بجمع المعلومات اللازمة، سواء بخصوص تطور العمالة المصرية في العالم العربي، أو سواء بصدد انتشار المفاهيم والمدركات المصرية في العالم العربي، وأثر كل ذلك على الاندماج العربي، وهذه الدراسات التي نوقشت في ميلانو وشاءت المصادفة إلا أن أحضر المناقشة، بوصفي أستاذاً خارجياً في جامعة روما، كانت هي الأساس الذي استتر خلف سياسة واشنطن، عقب ذلك ابتداء من عام 1974 وانتهاء بالتوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد.
وسوف نعود للتفاصيل وندعمها بالوثائق.
ب- كل هذا يقودنا إلى أهداف تلك السياسة الخاصة، بجمع المعلومات، ورغم أننا سوف نطرح التفاصيل في مقالاتنا المتتابعة إلا أننا نود منذ البداية أن نذكر بأن عملية جمع المعلومات هذه تستند إلى تحالف وثيق، وتنسيق بين الأجهزة الأمريكية من جانب والأجهزة الإسرائيلية من جانب آخر، وأجهزة حلف الأطلنطي من جانب ثالث، والمخابرات الأمريكية بصفة خاصة تعمل بتوافق تام مع أجهزة الأمن الإسرائيلي، والسؤال الذي يجب أن نطرحه بصراحة ووضوح، ما هي أهداف السياسة الإسرائيلية البعيدة المدى والتي تتفق مع السياسة الأمريكية، وكيف تستطيع عملية جمع المعلومات هذه أن تخدم كلا السياستين ؟
لقد ظلت مصر دائماً في جميع مراحل تاريخها متماسكة، قومياً وسياسياً واقتصادياً، لماذا ؟
التاريخ والطبيعة الجغرافية والتقاليد الحضارية تجيب على هذا التساؤل، ولكن ما هو أخطر من ذلك؟ هو أنه لم يكن من صالح الدول المستعمرة أو المحتلة تجزئة مصر، ستة آلاف عام ظلت خلالها مصر ومنذ عهد (مينا) دولة واحدة تعبر عن كيان قومي واحد. ولكننا اليوم نعيش مرحلة فيها قوى دولية تطمع في مصر، ومن صالحها تجزئة ذلك الكيان فهل نحن على وعى بذلك؟ لأنها في نهاية القرن سوف تصير ثمانين مليوناً ولأن موقعها الاستراتيجي أضحى أكثر خطورة على مصالح القوى الكبرى ، ولأن حقيقة الصراع الدولي تغيرت معالمه وخصائصه، ولو استطاعت مصر أن تهيئ لنفسها قيادة حقيقية فهي مؤهلة، لأن تجمع تحت رايتها جميع دول المنطقة العربية، وهذا يعنى نتيجتين:
أولاً: انتهاء إسرائيل سواء باستئصالها واقتطاع وجودها، أو بذوبانها وابتلاعها.
ثانياً: وضع حد لعملية النهب التي تمارسها القوى الدولية والشركات الكبرى المتعددة الجنسية في جميع أجزاء المنطقة العربية.
من يريد أن يعرف كيف تفكر القيادة الإسرائيلية، فليعد إلى كتاب "بن جوريون " الذي أنهاه قبل موته بعدة أشهر، والذي يعتبر وصية للجيل الذي أعقبه بعنوان "A Personal History " " تاريخ شخصي " كتاب ضخم يقع في حوالي ألف صفحة يشرح فيه كاتبه من خلال حياته تطور وظيفة إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، فهل قرأه أحد من السادة علماء السياسة الذين تطوعوا لخدمة السادة الجدد لقاء عدة ملاليم دون وعى ودون حياء؟
فلنعد للتساؤل: ما الذي تخطط له إسرائيل بالنسبة لمصر في الأمد البعيد ولو نسبياً ؟ 
إن المخطط العام الذي يسيطر على القيادة الصهيونية، وهو تجزئة المنطقة وتحويلها إلى كيانات صغيرة يسيطر عليها مفهوم الدولة الطائفية، ومصر هي الدولة الوحيدة التي سوف تقف عقبة في وجه هذا المخطط. ولكن هذا لا يمنع القيادة الصهيونية من أن تفكر في تنفيذ نفس السياسة أيضاً بصدد وادي النيل، بل إن المخاطر التي يتعرض لها هذا الكيان الصهيوني، لو ظلت مصر في تماسكها أولاً وفى تضخمها الديمقراطي ثانياً، وفى تقدمها العلمي والتكنولوجي ثالثاً هي قاتلة والقيادة الإسرائيلية تعلم ذلك جيداً، فهل تقف صامتة؟
الخيال الصهيوني يتصور هذه التجزئة في أربعة محاور أساسية:
أولاً: محور الدولة القبطية الممتدة من جنوب بني سويف حتى جنوب أسيوط، وقد اتسعت غرباً لتضم الفيوم التي بدورها تمتد في خط صحراوي يربط هذه المنطقة بالإسكندرية التي تصير عاصمة الدولة القبطية، وهكذا تفصل مصر عن الإسلام الإفريقي الأبيض وعن باقي أجزاء وادي النيل.
ثانياً: ولتزيد من تعميق هذه التجزئة تربط الجزء الجنوبي الممتد من صعيد مصر حتى شمال السودان باسم بلاد النوبة بمنطقة الصحراء الكبرى، حيث أسوان تصير العاصمة لدولة جديدة دولة تحمل اسم دولة البربر.
ثالثاً: الجزء المتبقي من مصر سوف تسميه مصر الإسلامية وهكذا تصبغ الطابع الطائفي على مصر بعد أن قلصتها من عاصمتها التاريخية في الشمال وعاصمتها الصناعية في الجنوب.
رابعاً: وعندئذ يصير طبيعياً أن يمتد النفوذ الصهيوني عبر سيناء ليستوعب شرق الدلتا بحيث تصير حدود مصر الشرقية من جانب فرع رشيد، ومن جانب آخر ترعة الإسماعيلية، وهكذا يتحقق الحلم التاريخي من النيل إلى الفرات، طبقاً للشطر المتعلق بالفرات ليس هذا موضعه ولكنه بدوره يخضع لتصور آخر.
سوف نسمع الصيحات: خيال مريض! ولكن ألم نصف ما حدث في لبنان منذ عشرة أعوام بأنه خيال، وها هو اليوم يتحقق أمام أعيننا؟ عندما كتبنا ننبه الأذهان في كتابنا عن " الحرب النفسية " قبل حرب أكتوبر اتهمنا بالمبالغة وكنا نتمنى في قرارة أنفسنا أن نكون فعلاً مبالغين، ولكن ها هو كل ما تنبأنا به قد تحقق، واليوم هذه التصورات التي نطرحها سبق وحددناها في كتابنا عن " اتفاقيات كامب ديفيد " ونعود اليوم لنؤكدها وقد ازددنا قناعة، بل نود أن نضيف بأن الوثائق المتعلقة بالحديث عن "جمهورية سيناء المستقلة" موجودة في مصلحة الاستعلامات بالقاهرة، فهل فكر أحد في تحليل واستخلاص دلالتها من هذا الجهاز الضخم المسئول عن أمن مصر؟
سؤال ليس في حاجة إلى إجابة.
إن أخطر ما يجب أن نلحظه، وأن نؤكد عليه هو أن التطور الذي نعيشه جعل سياسة القوى الكبرى تتفق في مصالحها مع سياسة إسرائيل، لا فقط بمعنى عزل مصر بل وبمعنى تجزئة مصر، ورغم أننا أيضاً سوف نعود لهذا بتفصيل في مواضع أخرى، إلا أننا نقتصر بهذا الخصوص على أن نطرح علامات الاستفهام التالية:
أولاً: لماذا اهتمت الأبحاث الميدانية التي أجرتها الهيئات الأمريكية على وجه الخصوص بمحافظة الفيوم وكذلك بمدينة أسوان؟
ثانياً: وهل الاهتمام بمحافظة الفيوم ينبع من التصور الإسرائيلي بخصوص الدولة القبطية؟ الذي أساسه ضم الفيوم إلى المحافظات الأخرى السابق ذكرها، وشق طريق صحراوي يربط هذه المنطقة عبر وادي النطرون بالإسكندرية، التي سوف تصير عاصمة للدولة الجديدة، وقد اتسعت لتضم أيضاً جزءاً من المنطقة الساحلية الممتدة حتى مرسى مطروح ؟
ثالثا: وهل هناك علاقة بين الاهتمام بأسوان، والحديث المتردد عن دولة البربر، التي سوف تمتد حينئذ لتشمل الصحراء الكبرى من جنوب المغرب حتى البحر الأحمر؟ التفكير في دولة البربر قديم، أثارته بعض الاتجاهات الاستعمارية الفرنسية قبل الحرب العالمية الثانية، وعندما بدأت تتكشف أهمية البترول المنتشر في الصحراء الجزائرية وحولها، ولكن التفكير اصطدم بعدم وجود مدينة في جميع أجزاء هذه المنطقة، لتجعل منها فرنسا عاصمة للدولة الجديدة، وبينما راحت الأقلام تلح على التفكير الجدي في إنشاء تلك العاصمة، نشبت الحرب، وتوقفت جميع هذه المشروعات، اليوم الأهداف مختلفة: فالسياسة الأمريكية تريد خلق حائط يمنع الإسلام العربي من الالتقاء بالإسلام الأسود وهى تريد أن تحمى مراكز الثروة الطبيعية في وسط إفريقيا، وهى تعلم جيداً حاجتها إلى تلك المصادر، التي أضحت توصف بأنها مصادر للمعادن الاستراتيجية، ولنتذكر على سبيل المثال النيكل والبلاتين والقصدير، دون الحديث عن اليورانيوم، وهكذا تلتقي أهداف التجزئة لمصر مع أهداف الإحاطة، والتحزيم للسياسة الإمبريالية، فهل سوف تحل مدينة أسوان هذه المشكلة ؟ لتصير عاصمة الدولة البربرية؟ والجميع يتحدث اليوم عن الوحدة الثقافية لشعب البربر وعن الالتقاء الطبيعي بين شعب النوبة والشعب البربري، فهل هذا عشوائي؟
رابعاً: وهل صحيح أن هناك دراسة ممولة من الجانب الأمريكي حول هذا الطريق الصحراوي الذي سوف يربط الفيوم بالإسكندرية؟ وهل بدأت هذه الدراسة فعلاً أم أنها لا تزال في حيز الإعداد ؟
أسئلة عديدة نطرحها مؤقتاً،
ولكن الجعبة لا تزال عامرة بالمفاجآت!!! "

ليست هناك تعليقات: