الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

التدخل العسكري التركي في شمال سورية.. لماذا هو لصالح اسرائيل وما أبعاده المستقبلية

 
 
يوم 24 آب 2016 بدأت القوات التركية بعملية عسكرية في الشمال السوري تحت اسم "عاصفة الفرات" بهدف أساسي معلن وهو محاربة الارهاب، وخاصة تنظيم داعش المتواجد على الاراضي السورية، وابعاده عن هذه الحدود لتحقيق أمن للحدود التركية.
ولكن الهدف الأساسي الآخر هو منع الاكراد من تحرير مزيد من الاراضي، وتوصيل الاراضي مع بعضها البعض، واقامة دولة أو كيان مستقل لهم، لان تركيا ضد اقامة مثل هذا الكيان، لانه يعني بداية تقسيم تركيا، او سلخ مساحة شاسعة من اراضيها لصالح الدولة الكردية.
الاجتياح العسكري التركي بدأ قبل سويعات من وصول نائب الرئيس الاميركي المنتهية ولايته بعد عدة اشهر جو بايدن الى انقرة، واجتماعه مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، اعلن في هذه الزيارة الرسمية اعتذاره عن التأخر في القيام بهذه الزيارة، ودعمه للرئيس التركي وتهنئته لافشال الانقلاب العسكري. واعلن دعمه ايضا للنشاط العسكري التركي لمحاربة الارهاب وحماية الحدود التركية.
بالطبع اصدرت وزارة الخارجية السورية بياناً استنكرت به وبشدة هذا الانتهاك لسيادة الاراضي السورية، ووجهت رسائل بهذا الخصوص الى الامين العام للامم المتحدة، والى مجلس الامن الدولي. واعلنت ايران عن قلقها البالغ من هذا التدخل، وكذلك اعلنت روسيا عدم رضاها عن هذه الخطوة التركية، وطالبت روسيا بضرورة تنسيق انقرة مع القيادة الشرعية في دمشق اذا ارادت بالفعل محاربة الارهاب.
 
فيلم تركي مرتب مع داعش
الغريب في الامر أن الجيش التركي توجه الى مدينة جرابلس لتحريرها من تنظيم داعش، فدخلها من دون أية مقاومة، لان تنظيم داعش ترك المدينة لتركيا، وتوجه عناصره الى داخل العمق السوري، ويقال الى مسافة اكثر من ثلاثين كيلومترا.
والغريب ان تركيا اعلنت انها ستحارب حزب العمال الكردستاني الارهابي، والاتحاد الديمقراطي، ومختلف الفصائل الكردية في الشمال السوري لانها ارهابية، علما ان بعض هذه الفصائل مدعومة علناً وبصورة واضحة من قبل اميركا.
قال مسؤولون اتراك ان هذه العملية محدودة جدا، وتنتهي بعد طرد الارهاب عن الحدود. وقال مسؤولون اميركيون ان عملية عاصفة الفرات ستتوقف بعد ان ينسحب الاكراد الى غرب الفرات، أي ان عليهم ترك منبج وعدم التوجه الى جرابلس، لمنع اراضيهم من التواصل للوصول الى مياه البحر الابيض المتوسط.
واعلن ايضا ان اتفاق وقف اطلاق النار قد تم التوصل اليه بين الاكراد وتركيا برعاية اميركية الا ان الاتراك نفوا ذلك، وواصلت القوات التركية نشاطاتها.
وبدأت تركيا، وبحماية قواتها العسكرية، ببناء جدار عازل مقابل مدينة "عين العرب" لمنع التواصل بين اكراد تركيا واكراد سورية، وعدم السماح لاكراد سورية من التسلل الى داخل تركيا، ورفض الاكراد ذلك الا ان هذا الجدار يتم بناؤه بالقوة!
ويمكن القول ان هناك اهدافا اخرى وسرية من وراء هذا الاجتياح التركي لشمال سورية، ولا يهدف فقط الاكراد أو محاربة تنظيم "داعش"؟
 
الأهداف المخفية من وراء التدخل التركي
ومن هذه الاهداف المهمة التي بدأت تتضح معالمها:-
1.     احراج القيادة الشرعية السورية، واظهار انها عاجزة عن مواجهة هذا الاجتياح، علما ان القيادة السورية رفضته وتتصدى له بالوسائل السياسية والدبلوماسية الهادئة، لانها منهمكة ومشغولة في محاربة الارهاب عبر الجيش العربي السوري الذي اثبت انه هو القوة الوحيدة المتصدية للارهاب وبصورة فعلية وعلى ارض الواقع.
2.     محاولة اقامة منطقة عازلة أو آمنة او انسانية من اجل وضع اللاجئين السوريين فيها، وبالتالي يشكلون سدا منيعا امام اقامة دويلة او كيان للاكراد.
3.     طرد داعش الى الداخل السوري بالقوة، اذ ان الاتراك يريدون الارهاب ان يدخل اكثر الى اعماق الاراضي السورية ليحارب ليس فقط في شمال سورية بل يتوجه الى الجنوب. وهروب عناصر داعش الى الجنوب ساعد وبصورة واضحة في محاولة فتح جبهة جديدة بالقرب من مدينة حماة التي كانت آمنة، لان الاتراك لا يريدون ان تبقى حماة كذلك.
4.     محاولة اثبات وجود تركيا على طاولة المفاوضات، والقول أن لا حلا في سورية الا بدور تركي فعال فيه.
5.     محاولة تعزيز مواقف "المعارضة" الموالية لتركيا ومنها الجيش الحر وفتح الشام في الميدان السوري، اذ ان تركيا ما زالت توفر الدعم لهذه المجموعات المتواجدة في اجزاء من حلب وريفها. وتركيا لم تقل يوما انها ستحارب جبهة النصرة، انما تذكر اسم تنظيم داعش فقط.
6.     تحاول تركيا عبر اردوغان ان يكون للاخوان المسلمين دور او وجود في الحكومة الانتقالية القادمة.
7.     لربما هذا الاجتياح يعطي المبرر للحكومة التركية لبدء التنسيق مع القيادة الشرعية في سورية كمقدمة لتحسين العلاقات، ومن ثم تقديم اعتذار عما فات، والمهم الا تقوم للاكراد اية دويلة أو كيان في شمال سورية!
8.     هناك من يقول ان تركيا تريد اغلاق حدودها من جانب واحد امام الارهابيين اذ تسمح لهم بالدخول الى سورية، ولكنها لن تسمح لهم بالعودة الى البلاد التي اتوا منها عبر الاراضي التركية، لان الحكومة التركية تخشى من قيام هؤلاء الارهابيين بعمليات ارهابية داخل المدن التركية دعما لحزب العمال الاكردستاني الذي يستطيع شراء خدماتهم ما داموا هم ادوات أو مرتزقة يخدمون من يدفع لهم المال!
 
حقيقة الموقف الروسي
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يعط الضوء الاخضر للرئيس التركي اردوغان للقيام بهذه المغامرة العسكرية على الاراضي السورية، ولكنه اراد ان "يوقعه" في مزيد من المشاكل حتى يحتاج الى التقرب اكثر لروسيا مع مرور الوقت.
لن تسمح روسيا لاردوغان بالبقاء على الاراضي السورية، ولن تسمح له بمواصلة ضخ ارهابيين الى سورية، وبالتالي فانها ستجبره على التنازل فيما بعد عن جبهة النصرة، واعتبارها منظمة ارهابية.. ومن هنا تقوم روسيا مع القوات السورية بشن هجوم على هذا التنظيم والقضاء عليه. لكن هناك من يقول ان اردوغان لن يتخلى عن "النصرة" وسيعمل على انقاذها وخاصة عناصرها من القتل عبر محاولة دمجها بالحل السياسي بعد التنازل عن السلاح والاقتتال، والمشاركة في المصالحات.
لكن التساؤل: وماذا عن الجيش السوري الحر الذي تدعمه تركيا واميركا في آن واحد! هل يتم التخلي عنه..
الجواب: ان معظم عناصره كما تقول مصادر عديدة هي خارجية، فبالتالي سيحل عاجلا أم آجلاً، وهو يؤمن لتركيا مقعدا على طاولة المفاوضات، مع ان الحل لن يكون الا سوريا، ولن يكون الحوار الا بين السوريين!
روسيا تدرك كل الامور فهي تنظر اليها وتدرسها، ولكن لن تعطي تركيا أي انجاز على حسابها، لانها معنية ان تكون صاحبة الدور الاقوى والفعال في تحقيق حل سياسي، وفي تنظيف سورية والعالم من الارهاب!
 
أسباب ترحيب اسرائيل بالخطوة التركية
رحبت اسرائيل بالخطوة العسكرية التركية، وفرحت لها لعدة أسباب وعوامل وأهمها:-
1.     انهماك تركيا في امور داخلية وخارجية مما يجعلها ضعيفة، وبالتالي من الصعب عليها تحدي اسرائيل، بل بالعكس هي بحاجة اليها اكثر في هذه الاوقات.
2.     انهماك تركيا بالوضع السوري يعني ان اهتمامها بحركة حماس، وبالقطاع سيكون اقل مما لو كانت في وضع اكثر استقرارا.
3.     "حماس" ستكون مجبرة على الحفاظ على وقف اطلاق النار، وهذا ما تطلبه منها تركيا، أي ان تركيا ستضغط على "حماس" في ظل هذه الظروف والمعطيات على ابقاء الوضع هادئا، أي توفير الامن والهدوء للمناطق الاسرائيلية المحاذية للحدود مع قطاع غزة!
4.     الخطوة العسكرية التركية تعني تحديا للادارة الاميركية، وخروجا عن رغباتها التي كانت تعارض مثل هذه الخطوة، وهذا يعني ان دور اميركا في الشرق الاوسط ضعيف، وهذا ما يقوله رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ولكن رغم الترحيب الاسرائيلي بهذا الاجتياح العسكري التركي، الا ان هناك مخاوف اسرائيلية من قيام الاتراك بضرب الاكراد، وخاصة اولئك الاكراد الاصدقاء لها، ولذلك فهي ابلغت تركيا بضرورة عدم المس باكراد العراق، وعدم ادخالهم في قتالها ضد حزب العمال الكردستاني، وهذا ما تم عندما استدعت انقرة مسعود البرزاني زعيم كردستان العراق، وابلغته ان تركيا ليست ضد اكراد العراق، وبالتالي عليه الاطمئنان لذلك، كما عليه الا يرسل أي وحدات كردية لمساعدة اكراد سورية كما حدث عندما ارسل مجموعة من قوات البشمركة شمال سورية للدفاع عن مدينة "عين العرب"!
واسرائيل غير معنية في اعلان دعمها لاكراد كردستان، او دعمها لتركيا فهي لا تريد حرق علاقاتها مع اقليم كردستان اذ ان هناك علاقة وطيدة، واعلان الدعم سيفتح نيرانا عربية على هذا الاقليم. واما اكراد سورية، فان اسرائيل تترك الامر لاميركا في دعمهم، والتوصل الى اتفاق مع تركيا لانها لا تريد المس بعلاقاتها مع تركيا والاكراد معا.
من هنا يمكن القول ان التدخل التركي في سورية هو لصالح اسرائيل لانه يخلق المزيد من التعقيدات في المنطقة، وبالتالي يضعف الدول المتورطة فيه، وتبقى اسرائيل مرتاحة البال، وصاحبة القوة العسكرية الاقوى في المنطقة حسب حساباتها.. أي انها غير متورطة في مشاكل مثل ايران مع دول الخليج، وتركيا مع سورية والعديد من الدول.
 
ابعاد التدخل التركي مستقبلا
لا شك ان اردوغان امر الجيش بالتدخل في سورية لانه اراد تحقيق اهداف عديدة، ولكن لم نأت الى ذكر الاهداف الداخلية، ومن اهمها اراد توحيد الصفوف التركية بعد الانقلاب، والتغطية على اجراءاته القمعية بكل من شك فيه بأنه شارك او ايد الانقلاب من خلال هذه العملية العسكرية، واظهار ان تركيا تواجه خطرا امنيا. وتقول وتؤكد مصادر عديدة ان الانقلابيين كانوا من معارضي التدخل العسكري في سورية، ولذلك اراد تنفيذ عكس مطالبهم ورغباتهم بعد زجهم في السجون التركية.
هناك ابعاد خطيرة جدا لهذا التدخل، فاذا اراد ان يحتل المزيد من الاراضي فهذا يعني ادخال تركيا في صراع عسكري مستقبلا، واذا لم يقم بالتفاوض مع الاكراد ومنعهم من خلال التعاون مع الدول المجاورة من اقامة دولة او كيان، فانه سيدخل سنوات من سفك الدم التركي والكردي معا.
واذا لم يحارب الارهاب، ويقف الى جانب روسيا وسورية وايران، فانه سيعود الى عزلة سياسية.
لا نستطيع تقييم ما هو آت، ولكن الواضح ان تركيا في مأزق، وعليها الخروج منه من خلال مراجعتها لسياستها السابقة العدائية لسورية وروسيا، وان تقترب اكثر من سورية، وتقدم الاعتذار لها على سياسة كانت فاشلة وكانت تكاليفها باهظة جدا!
 
 
 

ليست هناك تعليقات: