"صرخة" أوروبا وأزمة المهاجرين
بعد سردي المطول لما يتعرض له الاتحاد الأوروبي من ارتباك جراء الهجرة الخارجة عن السيطرة إلى دوله، قالت لي زميلة إن "الفوضى التي تسببت فيها أزمة اللاجئين في أوروبا تجسدها لوحة "الصرخة" للفنان إدفارد مونك. أعتقد أن هذا هو ما تقصدينه".
وأعتقد أن زميلتي لم تكن مخطئة تماما في تعليقها على ما قلت.
فقد وصفت دول المنطقة بأنها تواجه نفس المشكلة، لكنها منقسمة بشأن كيفية التعامل مع تلك الأزمة واتخاذ قرار بشأنها.
وبعد شهور من الدعاية السلبية وغياب التنسيق بين دول الاتحاد الأوروبي، علقت على الوضع وكأن كل دولة من الاتحاد الأوروبي لديها أياد وهمية تغطي بها آذانها الوهمية لكي لا تستمع للآخرين في تعاملها مع أزمة المهاجرين.
فعلى سبيل المثال، الدعوات الألمانية مستمرة لإيجاد حل واسع النطاق في جميع دول الاتحاد الأوروبي، والحماس تجاه إبرام معاهدة ضعيفة مع تركيا تجعل أنقرة تمسك بزمام الأمور فيما يتعلق بوقف تدفق المهاجرين على القوارب.
لكن النمسا ودول غرب البلقان، التي تستقبل أكبر عدد من المهاجرين الذين يعبرونها وصولا إلى دول شمال أوروبا الأغنى والأفضل حالا، ترى أن الأمر بعيد المنال.
وعقدت تلك الدول اجتماعا في فيينا منذ عدة أيام لمناقشة الإجراءات أحادية الجانب من أجل منع طالبي اللجوء من الدخول إلى أراضيها بأعداد كبيرة.
وتضع تلك الدول، الواحدة تلو الأخرى، المزيد من القيود على عدد طالبي اللجوء الذين يُسمح لهم بدخول أراضيها كل يوم.
تهميش اليونان
ولكن، هل كان هناك من لم يتلق الدعوة لحضور اجتماع فيينا؟
نعم، إنها اليونان التي تعد نقطة الدخول الرئيسية التي يتسلل عبرها اللاجئون وغيرهم من المهاجرين، والذين بلغ عددهم هذا العام فقط حوالي مئة ألف شخص.
وهي أيضا تلك الدولة التي تعاني على المستويين الاجتماعي والاقتصادي جراء أزمة الدين الخانقة.
وتحولت اليونان، بعد إغلاق دول البلقان أبوابها أمام المهاجرين، إلى محطة انتظار حافلة بالاضطرابات لطالبي اللجوء المحبطين.
وحاول اثنان من المهاجرين شنق نفسيهما على الملأ في العاصمة اليونانية أثينا هذا الأسبوع.
لكن باقي أعضاء الاتحاد الأوروبي لا يستمعون إلى اليونان ولا لتأكيداتها بأن الأزمة حقيقية.
وذنب اليونان هو أنها لم تلتزم بقواعد الاتحاد الأوروبي لشهور طويلة العام الماضي، إذ سمحت بمرور اللاجئين وغيرهم من المهاجرين عبر أراضيها إلى دول شمال أوروبا بدلا من حثهم على طلب اللجوء فور وصولهم إليها.
لكن تحت ضغط وتهديد الطرد من منطقة "الشنغن"، التي لا يُطلب ممن يمرون بها جواز سفر أوروبي، بدأت أثينا في اتخاذ إجراءات تنظيمية لتعيد الأمور إلى نصابها.
في غضون ذلك، تعرض دور اليونان في اتخاذ القرار في منطقة اليورو إلى قدر كبير من التهميش.
وأعرب رئيس وزراء اليونان ألكسيس تسيبراس عن إحساسه بتجاهل القمة الأوروبية الماضية له وتركيزها على اتفاق بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
وطالب تسيبراس بأن تسمع الدول الأعضاء لحديثه عن الهجرة كشرط مسبق لمشاركته في التصويت على اتفاق بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
بريطانيا والاتحاد الأوروبي
ويمكننا أن نرى تلك المقارنة التي عقدتها زميلتي بين الأزمة ولوحة "الصرخة" في نواح أخرى.
فاللوحة تجسد الألم الذي نراه على وجوه اللاجئين الذين وصلوا حديثا إلى اليونان هربا من الرعب والموت إما جراء قصف منازلهم، أو في عرض البحر أثناء الرحلة المخيفة إلى أوروبا.
وهذه هي المشاعر التي غالبا ما تظهر على السطح في أوروبا عندما يتعلق الأمر بالهجرة.
ونضع في الاعتبار أيضا تلك الدعوات القاتلة التي أطلقها حزب "البديل من أجل ألمانيا"، الذي من المتوقع أن يحقق مكاسب كبيرة في الانتخابات المحلية التي تبدأ خلال أسبوعين.
كما أن هناك إقرارا لا يبعث على الارتياح في أروقة الاتحاد الأوروبي في بروكسل بأنه من الممكن أن يسفر الجدل الحاد بين الدول الأعضاء حول الأزمة عن تأثير سلبي كبير على الناخبين البريطانيين الذين سيصوتون على بقاء بلادهم في الاتحاد الأوروبي أو خروجها.
ولدى سؤاله عن إمكانية تدخله في حملات الاستفتاء، قال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إنه لا يعتقد أنها ستكون فكرة سديدة.
لكنه يرى أن أفضل ما يمكن القيام به في الوقت الراهن لحث البريطانيين على التصويت لصالح بقاء بلادهم عضوا في الاتحاد الأوروبي هو العمل بجد من أجل حل أزمة المهاجرين.
ويخشى توسك وزملاؤه في الاتحاد الأوروبي من أن يؤدي انتشار تقارير وصور أزمة اللاجئين، من لسبوس إلى ميونيخ إلى كاليه، إلى الدفع بالناخب البريطاني في اتجاه التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق