أدعو المصريين لعدم وضع رقابهم بأيدي "الإخوان"
على الرغم من العمر الطويل لحركة الإخوان المسلمين العالمية، إلا أن تجربتها بالحكم ما زالت
متواضعة، وتبقى الطريقة التي أدارت فيها حماس- الابن المدلل للإخوان- الأمور في قطاع غزة
مؤشرا قويا ومهما على طبيعة ممارسات هذه الجماعة في الحكم وتعاملها مع الأمور ومع الآخرين
من متحفظين ومعارضين لفكرها، ومن قوى وأحزاب أخرى.
تجربتي الطويلة كناشط طلابي وعملي المهني في الصحافة على مدار 16 عاما ونصف جعلني على
احتكاك مباشر مع مختلف القوى السياسية، وهذا ما جعلني أوجه رسالة لأكثر الشعوب قربا لقلبي
وهو شعب مصر الكنانة، مع بدء العد العكسي لتنظيم الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة ليس كرها
بالإخوان، أو حبا بالتدخل بشؤون هذا البلد الشقيق، بل لتقديم نصيحة مجانية في ضوء معايشتنا
لحكم حركة حماس الإخوانية في غزة منذ أواسط عام 2007م.
أنا لست قلقا كثيرا مما تحدث عنه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في لقائه مع قناة الحياة مساء
21/5/2012 عندما قال عن "الإخوان" "مشكلتهم أنهم لم يمارسوا السياسة، مع إيماني بأن لديهم
مقدرة عالية على تنظيم المظاهرات والمسيرات، والحشد للفعاليات..."، لأن غير المتمرس قد يمتلك
مع الوقت الخبرة لإدارة الأمور، ولكن مصدر قلقي من الإخوان يعود لعوامل أخرى.
إن من يتعمق بالخطاب الصادر عن أركان "الجماعة" سواء على لسان البرلماني د.عصام العريان
أو غيره من أركان حملة د.محمد مرسي بعد خروج النتائج غير الرسمية للجولة الأولى، يصل إلى
قناعة مفادها بأن الجماعة تعمل على قاعدة "تمسكن حتى يتمكن"، وهذا ما انطبق بالضرورة على
واقع حماس التي تحكم غزة بالحديد والنار، وتقاسم الناس لقمة عيشهم، وتجبي الضرائب حتى من
الباعة المتجولين مع أن غزة معفية بقرار رئاسي من الضرائب، ...كما تجني رسوم العلاج مع أن
هناك قرارا رئاسيا ينص على إعفاء جميع أهالي غزة من رسوم العلاج...
وبما أن شعار المقاومة الذي تتغنى به حماس قد غرر بالكثيرين بات وطنيا وقويا يتطلب التوضيح
بأن حماس على كرسي الحكم، تختلف كثيرا عن قبل الحكم، وأن الصواريخ التي كان يصفها الرئيس
الفلسطيني سابقا بالعبثية يصفها قادة حماس بالخيانية؟!، ....مع ضرورة النظر للتقارير الأمنية
الإسرائيلية التي منحت شهادة تقدير لحماس على قدرتها على ضبط الحدود ومنع إطلاق
الصواريخ...طبعا باستثناء حوادث عابرة قام بها بالأساس مقاومون من الجهاد الإسلامي وألوية
الناصر صلاح الدين، وقوى أخرى، لكن من خارج حماس، التي تلاحق من انشقوا عنها لإيمانهم
بضرورة الاستمرار بالمقاومة من مجموعات "جلجت" وتعذبهم وتزجهم بالزنازين المظلمة...
إن تجربة حماس كانت مفجعة، لأن الإقصاء، وتعديها على الحريات العامة فاجأ كثيرين ممن حبوا
هذه الحركة وتغنوا بتضحياتها، كما فجع آخرين ممن أعجبوا كثيرا جدا بشعار الإسلام هو الحل
وانتخبوا الحركة على أساس هذا الشعار، لأن الواقع يثبت بأن هذا الشعار يستخدم فقط خلال
الانتخابات وأن الممارسة تبعد عن تسامح الإسلام، وتحديدا عندما يتعلق الأمر بالتربية العصبية التي
تصل لدرجة التكفير وإنكار الآخر مع أنه مسلم موحد، وليس له ذنب سوى الاختلاف مع حماس
أيدولوجيا أو فكريا..
وبما أن الانتخابات في مصر تأتي في سياق تحول ديمقراطي وانعتاق من حكم فردي طال لأكثر من
ثلاثة عقود، يتطلب من أي شخص حريص على بلده بأن ينظر إلى ممارسة الإخوان في الحكم،
وطريقة تفكيرهم وتعاملهم مع الآخر بالنظر إلى تجربة غزة...فحماس التي وصلت إلى المجلس
التشريعي بطريقة ديمقراطية وشرعية نفذت انقلابا غير شرعي على رئيس الدولة، كما هي تتهرب
من استحقاق وطني-منذ ثلاثة سنوات – ويتمثل بالانتخابات، وهي تتهرب كأن هذه الانتخابات لمرة
واحدة؟!.
وبالقياس على الواقع في غزة، ما هو الضمان في حالة سيطرة الإخوان على الرئاسة والحكومة في
مصر بعد البرلمان ومجلس الشورى بأن تجرى الانتخابات بعد أربع سنوات؟، وما الضمان بأن تبقى
المدة المحددة بالدستور المعدل هي أربع سنوات؟...هل سيعجزون عن إبرام صفقات لتمرير الدستور
المعدل؟، أم سيترددوا في استخدام الصلاحيات الممنوحة للرئيس وللبرلمان بما يحقق أهدافهم؟...
إننا لسنا بعيدين عن محاولة جماعة الإخوان الاستئثار بتشكيل الجمعية التأسيسية للدستور داخل
البرلمان، لولا ردة الفعل الكبيرة من قبل الشارع المصري وقواه، وهذا ما وضع "الإخوان" على
المحك، وجعل شعبيتهم تتراجع في انتخابات الرئاسية إذا ما قورنت بنتائج مجلسي الشعب
والشورى، فوصولهم إلى أي موقع مهم في البلاد يجعلهم يحققون من خلاله ما يريدون بما يخدم
مصالحهم، ما أعطى المبرر للعديد من القوى للقلق على مستقبل مصر...
قد يراهن البعض على الجيش المصري، ولكن هناك سؤال يطرح نفسه في حالة سيطرة الإخوان
على الرئاسة والحكومة هل تعتقدون بأن الجماعة ستغفل الجيش والمخابرات العامة؟، ...بالتأكيد أنه
في مقدمة أولوياتها تنصيب أشخاص موالين لها بمواقع أمنية وعسكرية حساسة..
إن قيام أحزاب: السلام الديمقراطي، والثورة المصرية، والحرية، والمواطن المصري، ونهضة
مصر، والحزب العربي للعدل والمساواة، وحزب مصر الثورة، وحزب مصر العربي الاشتراكي،
والاحرار الاشتراكيين، ومصر القومي، ومصر الفتاة، ومصر 2000، ومصر أكتوبر، والاتحادي
الديمقراطي، والاتحاد، والامة والنصر والسلام الاجتماعي، والتكافل، والاتحاد المصري العربي،
وشباب البداية، بالإعلان رسميا في مؤتمر صحفي مشترك مساء 27 مايو 2012 عن رفضهم
لسيطرة جماعة الإخوان المسلمين على مؤسسات الدولة في مصر، هي خطوة عملية ومدروسة
وتظهر عمقا في التفكير...
إن الإخوان تحدثوا كثيرا في السابق عن المخاطر التي نجمت عن سيطرة "الحزب الوطني
الديمقراطي" على جميع المفاصل في البلاد، وعن سوء الإدارة التي نجمت عن سيطرة الحزب
الواحد، وها هم يسيرون بطريق استنساخ نفس التجربة؟!، أم أن الأمر حلال عليهم وحرام على
غيرهم...
إن مصر كبلد محوري ومؤثر وكبير من حيث السكان والشأن يتطلب بأن يتم العمل بمنطق وطني
تشاركي، بعيدا عن الإقصاء، ومن هنا أفهم الدعوة التي وجهها ثوار 25 يناير للإخوان بشأن
ضرورة تنازل د.محمد مرسي للسيد حمدين صباحي في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة بما
يعزز الشراكة والوحدة الوطنية...
أما أن يكون رد الإخوان لماذا لا يتم توجيه هذه الرسالة للفريق أحمد شفيق لكي يتنازل للسيد
حمدين صباحي فهذا جواب عقيم وغير مقنع ولا يحل أزمة، ولا يسهم في وحدة موقف، بل يثبت هذا
الرد مجددا سعي الإخوان المستميت للسيطرة على كل مراكز صنع القرار في مصر، بعدما كانوا
يدعون بأنهم زاهدون بالحكم، وأنهم فصلوا د.عبد المنعم أبو الفتوح نظرا لعدم التزامه بقرار
الجماعة بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية؟!!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق