الجمعة، 10 فبراير 2017

الحلقة الأولى.. أسطورة الفهد: "أبو حسن سلامة" حين يلقي مرساته

الحلقة الأولى.. أسطورة الفهد: "أبو حسن سلامة" حين يلقي مرساته
تاريخ النشر : 2017-01-26
 
رام الله - دنيا الوطن
بقلم: بكر أبو بكر

في خمس حلقات سنعرض لحياة ومسيرة الأسطورة الفلسطيني من قيادات حركة فتح أبوحسن سلامة.

أبو حسن (علي حسن سلامة) هو بطل من أبطال فلسطين وأسطورة تحدٍ لا نظير لها للموساد الإسرائيلي، هو فارس من فرسان الفتح المبين الذين مزجوا بين الجرأة المفرطة ووثبة الفهد والجسارة مع الإيمان بالشهادة، والانفتاح وعشق الوطن وهدوء النفس.

أبو حسن سلامة القائد الفلسطيني الشاب الذي عاش فترة عنفوان الثورة الفلسطينية في لبنان (حقبة السبعينات من القرن العشرين) امتاز بالذكاء الشديد والشجاعة والإقدام، والكرم مع رجاله، وكان فذّا في بناء العلاقات الاجتماعية مع المتفقين والمختلفين فنوّع في مستويات علاقاته (وبالتالي في مصادر معلوماته الأمنية كرجل أمن) فلم تقتصر على الفلسطينيين بل تعدتها إلى اللبنانيين والأجانب ومنهم أوعبرهم تم فتح العلاقات مع أنصار فلسطين في أمريكا وتحديداً في الإدارة الأمريكية.

وفي الحلقة الأولى سنتعرض للبدايات للرجل وامتداداً لأبيه المناضل الكبير

بدايات أبوحسن ومميزاته 
تلقى أبو حسن سلامة (المولود عام 1941 في العراق) أولى دوراته الأمنية في القاهرة عام 1968 عندما اختاره الشهيد القائد صلاح خلف مع زملاء له لهذه الدورة التي شكلت البدايات لجهاز "الرصد المركزي"، ولم يكن هذا غريباً على أمثال أبو حسن سلامة الذي اتسم بالشجاعة والقوة كما ذكرنا مع ما اجتمع له من بناء جسدي متميز، إذ كان لاعب كراتيه تحصّل على الحزام الأسود، واستمر في هذا المسار مع مهماته الأمنية الدقيقة في تقاطع شكّل شخصيته الجذابة المتسقة مع أناقته تلك التي فاقت أقرانه أو جلبت حسدهم.

أبو حسن سلامة المحبّ للحياة وللطبيعة والجبل والبحر، نعم، هو من كان بطل الحرب السرية ضد الموساد وضد المصالح (الصهيونية) في أوروبا، وما كان دموياً أو إرهابياً كما حاولت الدعاية (الصهيونية) أن تصفه زوراً، فالعاشق لفلسطين وللشهادة والعطاء كان الأحرص على الدم حتى وهو ينفذ العمليات الصعبة ضد المصالح (الصهيونية)، أو ضد المناوئين للثورة فلم يكن القتل هو الهدف مطلقاً بل أن تصل الرسالة ... أن لنا وطن وسيكون لنا دولة.

إن أردنا تلخيص صفاته ومميزاته الأساسية مما سبق فلنا أن نجملها بالتالي: أنه كان محباً للحياة ما جعل بناء العلاقات لديه قدرة، وكان جريئاً جسوراً ذكياً استمد ذلك من سيرة والده البطل حسن سلامة ومن طريقة تنشئته الصارمة على التضحية والفداء، حيث لم تمل أمه من تذكيره بأبيه وسيرته، ومن صحبته للعملاق ياسر عرفات، وكان عاشقاً لفلسطين متأهباً للشهادة التي استقبلها بصدر رحب.

من الممكن أن نشبه الشهيد البطل أبوحسن سلامة بالفهد لما يتقاربان فيه من مواصفات "فالفهد أسرع الثدييات عدوًا، سريع الاستجابة البدنية، حيث يمتلك جسدًا طويلاً رشيقًا انسيابيًا، ويتصف الفهد بجسم قوي مهيأ للمطاردة، كما الحال مع الفدائي والمناضل كأبي حسن، وهو ذكي ومخادع يمارس الصيد ليلاً ونهاراً تماماً كعمل رجل الأمن، وله فكّان صلبان وأسنان ومخالب حادة، ويعتبر من أكثر الحيوانات مهارة في الصيد ويكسو جسمه فراء سميك تختلف ألونه باختلاف البيئة التي ينتمي إليها، وكما هو الحال في القطط الكبيرة، وهو يحب الاجتماع وبناء العلاقات".

الولد سر أبيه
والده الشهيد البطل حسن سلامة (1913 - 1948 م) ولد في قرية قولية غير البعيدة عن رام الله، وهي القرية التي تعد آنذاك من قضاء اللد، لواء يافا، البطل حسن سلامة أو الشيخ حسن سلامة كما أصبح يلقب لاحقاً كان منذ شبابه المبكر قد شارك في أعمال الثورة والمقاومة ضد الاحتلال الإنجليزي والإسرائيلي، فقام بالعديد من العمليات النوعية التي ألهمت أجيالاً من بعده ومنهم ابنه علي (أبو حسن) كما يتضح من مسيرته.    

كان من عمليات الوالد نسف خطوط السكك الحديدية في فلسطين، وتدمير أعمدة الكهرباء وتدمير خطوط المواصلات التي يستخدمها الاستعمار البريطاني و(الصهاينة)، وإحراق البيارات التابعة للمستعمرات الإسرائيلية في فلسطين، ونسف قطار اللد– حيفا.

شارك كقيادي في ثورة (1936-1939)، وبعد نداء الملوك العرب بوقف الثورة غادر إلى لبنان وسوريا ثم العراق (حيث ولد علي هناك عام 1941) ملتحقاً بالكلية العسكرية، وفي العراق استمر الأب في حراكه الثوري، حيث شارك وقاد فصيلاً من المناضلين الفلسطينيين في الثورة ضد الإنجليز.
وفي عام 1943 عاد إلى فلسطين ليواصل نضاله فطورد في جبال القدس، فانتقل إلى سورية، ثم عاد إلى فلسطين مرة أخرى بعد صدور قرار التقسيم المشؤوم في تشرين الثاني 1947 وأسندت إليه قيادة القطاع الغربي من المنطقة الوسطى ثم منطقة القدس، بعد استشهاد القائد عبد القادر الحسيني في معركة القسطل.

خطط وقاد عدداً من المعارك الناجحة، وأصيب في رئته اليسرى في معركة رأس العين شمال غرب القدس أثناء قيادته هجوماً مضاداً كاسحاً على مراكز العصابات الإسرائيلية في 31-5-1948، ونقل إلى المستشفى واستمر رجاله يقاتلون الأعداء بحماسة حتى طردوهم من رأس العين، استشهد القائد حسن سلامة يوم 2-6-1948 بعد أن علم بانتصار رجاله واندحار الأعداء عن رأس العين.

تأثرت حياة أبو حسن سلامة بوالده إذ يقول زميله ونائبه حينها محمود الناطور (أبو الطيب) (اللواء حاليا)، (عشقت روح أبو حسن النضال إرثاً عن والده الشيخ حسن سلامة)، كما كان الرجل مبهوراً بجاذبية وبتقشف ياسر عرفات منذ عرفه في الأردن، فتأثر به كثيراً (وهو يرى سعادته حينما يتحقق نصر سياسي أو عسكري ، وحينما يخرج عملاقاً من المآزق التي طالما ألمت بالثورة فرحاً معتزاً).

لم تألُ والدة أبو حسن جهداً في تذكيره أنه ابن أبيه المناضل والثائر والبطل والشهيد فدخل العمل الثوري مبكراً عام 1964 وذلك في الكويت حيث التحق بحركة التحرير الوطني الفلسطيني– فتح على يد القائد والمفكر خالد الحسن (أبو السعيد)، وكان أبوحسن حينها يعمل في إطار مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بالكويت في دائرة التنظيم الشعبي.

من التنظيم إلى الأمن
من التنظيم الشعبي إلى العمل الأمني كانت النقلة الكبيرة في حياة أبو حسن عندما اختاره الشهيد القائد صلاح خلف (أبواياد) أحد عمالقة العمل الأمني الفلسطيني عضواً في الدورة الأمنية الأولى في القاهرة، والتي أسست لقيادات (جهاز الرصد الثوري)[3] (3) الذي أنشئ في الأردن بعد معركة الكرامة فكان أبو حسن نائباً لصلاح خلف (أو بالأحرى مساعداً له لأن هاني الحسن كان هو النائب لصلاح خلف).

استطاع جهاز (الرصد الثوري) أن يحقق مجموعة من الإنجازات في الفترة التي عمل فيها (1968 – 1971) من ضمنها:

1- مهام الاستقطاب والتجنيد للثورة الفلسطينية ولجهاز الأمن.

2- اختراق العملاء واختراق أجهزة الاستخبارات الأخرى لاسيما أنه بعد انتصارات الثورة الفلسطينية وعملياتها العسكرية المتنامية حصل التدافع المحموم من الجماهير الفلسطينية والعربية لتنضم للثورة مع ما يعني ذلك من إمكانيات استخبارية هائلة داخلية ومضادة.

 3- قام جهاز الرصد الثوري بوقاية الثورة الفلسطينية من الاختراقات والمؤامرات على الثورة.

 كما انشغل الجهاز 4- بفرز التقارير الكيدية وتصفية بعض الجماعات والمنظمات العميلة التي نشأت على هامش الثورة.

 5- كما قام الجهاز بتحقيق علاقات هامة مع الفصائل الفلسطينية التي تنامت آنذاك بشكل مثير.

 لقد واكبت نشأة جهاز الرصد الثوري العلاقة مع الرئيس جمال عبد الناصر الذي انفتح على حركة فتح والثورة الفلسطينية منذ أواخر العام 1967 [6]  (6) أي بعد النكسة، وعمل أبو حسن في الجهاز في الأردن وكان قريباً من صلاح خلف ومن الرمز ياسر عرفات إذ استطاع في خضم الأحداث المؤلمة للعام 1970 أن يؤمّن لياسر عرفات طرق التنقل الآمن بين الحواجز وكمائن الجيش وساحات الاشتباك الدائر بين الأخوة فيصل سالماً إلى قرب السفارة المصرية في عمان، ثم الوصول إلى مطار ماركا في عمان عبر التمويه المتقن والتخفي.

كان أبو حسن أحد التسعة المحظوظين والناجين من الذين تواجدوا حول أبو عمار حيث كانوا 50 مناضلاً شرساً لقوا وجه ربهم دفاعاً عن مواقعهم وقائدهم.

خرجت الثورة عملياً من الأردن لسبب تقاطعات الثورة والدولة والسياسة والاستغلال السياسي، ونتيجة تعارض المواقف حول المشاريع السياسية المطروحة آنذاك، ودخول السلاح بشكل مضطرد، فكانت لبنان منذ العام (1970 – 1983) هي محطة ومقر القيادة الفلسطينية التالية.

الحواشي

1- لمراجعة موقع (وفا) عن الشهيد حسن سلامة.

2- تشكلت المجموعة الأولى من: أبو حسن سلامة، ومحمد عودة (أبو داوود) ومهدى بسيسو(أبو علي) وفريد  الدجاني (أبو رجائي) وسفيان الأغا (أبو مجيد) وفخري العمرى.

3- يزيد صايغ، الكفاح المسلح والبحث عن الدولة، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 2002 ص 377.

 4- من ورقة للواء محمود الناطور (أبوالطيب) عن الأجهزة الأمنية.

5-  قام الكاتب الشهير محمد حسنين هيكل بترتيب اللقاء الهام الذي أنهى حالة التشكك للرئيس عبد الناصر مع حركة فتح.

ليست هناك تعليقات: