الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011

لا أفهم لماذا اعتقلوك يا سليم

لا أفهم لماذا اعتقلوك يا سليم
عبد النور بوخمخم
قرأت للدكتور سليم محمد الزعنون من قبل كثيرا، لكني لم أعرفه عن قرب وبعمق سوى مؤخرا في القاهرة، عندما جئتها لتغطية المرحلة الأولى من الانتخابات المصرية، وطوال أسبوعين، حيث كنت أقيم قريبا من بيته، التقيته عدة مرات، وتناقشنا في كل المواضيع لساعات طويلة، امتدت غالبا حتى آخر الليل. وفي آخر ليلة قبل اليوم الذي غادر فيه القاهرة عائدا إلى أهله ووطنه في غزة، جمعنا لقاء في احد المقاهي على كأس شاي مع صديق مشترك، نناقش بعض الفصول التي جاءت في كتابه المنشور لتوه عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، و قدم فيه دراسة أكاديمية هامة وموثقة ترصد سياسة الاتحاد الأوروبي حيال الإسلام السياسي، حركة حماس نموذجا، والكتاب مقتبس أساسا من مضمون أطروحة الدكتوراه التي كان قد ناقشها في القاهرة مطلع العام الجاري. وفي مساء اليوم التالي، حيث كنت قد وصلت لتوي إلى مطار الجزائر ووصلني الخبر المشؤوم انه تعرض للاعتقال من طرف قوة أمنية تابعة لحماس عند دخوله إلى غزة عبر معبر رفح.
كان الدكتور سليم الزعنون قد قرر العودة لغزة منهيا أربع سنوات من المنفى، الذي كنا إلى حينه لا زلنا لم نتفق كيف نصفه، هل هو منفى اختياري أم إجباري، أربع سنوات كانت قد مضت على خروجه من غزة خوفا على حياته وحياة أفراد أسرته بعد الأحداث الدامية التي جرت بين حماس وفتح في القطاع.
وفي القاهرة حضرت في أكثر من مرة نقاشا مع بعض المعارف والأصدقاء المشتركين بيننا، حول رد الفعل المتوقع من حركة حماس اتجاهه في حالة ما إذا قرر العودة لغزة، كانت أغلب التعليقات التي سمعتها حول الموضوع تتوزع على رأيين أساسيين، الأول يحذره من العودة، مستشهدا بأحداث كثيرة سابقة أفرزتها حالة الانقسام والصراع الداخلي الفلسطيني بين حركتي حماس وفتح، أصبح فيها من بيدهم البطش والعفو لا يفرقون ما بين القريب والبعيد من الصراع و يأخذون الكل فقط بجرم الانتماء التنظيمي السابق إلى اتجاه سياسي ما او الانتماء المهني إلى جهاز أمني، ورأي آخر يقول أن هناك مؤشرات قوية تؤكد اختفاء كثير من السلوكات المشينة على الأرض التي ميزت الأجهزة الأمنية التابعة لكل حركة اتجاه مناضلي ومنتسبي الحركة الأخرى، تحول نحو التهدئة يدفعه بالأساس الرغبة في تحسين صورتهما مع اقتراب موعد الانتخابات. لم يكن الدكتور سليم يهمه كثيرا أي الرأيين أقرب إلى الحقيقة، حيث كان قد حسم بداخله من فترة طويلة قرار العودة للوطن مهما كان رد فعل حماس وأجهزتها الأمنية، وكان يقول ببساطة أنه خلال انتمائه التنظيمي لفتح في اولى سنوات شبابه ثم عمله لاحقا في مرحلة سابقة في امن السلطة الفلسطينية، لم يسبق أن تجاوز ما يمليه عليه ضميره ووازعه الأخلاقي، وانه لولا أن الصراع الدامي الذي انفجر سنة 2007 لم يتحول إلى حالة من الانتقام الأعمى والبشع ما بين الجهتين المتخاصمتين، لما رأى أي ضرورة لمغادرة غزة والامتناع عن العودة إليها طوال أربع سنوات، وتحمل كل ما واجهه مع عائلته من متاعب اجتماعية ومعيشية صعبة للغاية، كنت شخصيا شاهدا على بعض صورها، متاعب ليس آخرها قرار بعض المسؤولين في حكومة رام الله، قطع راتبه ورواتب بضعة عشرات من رفاقه الآخرين بدعوى أن لا داعي إطلاقا لبقائهم خارج غزة، وانهم بالمعني الشخصي ليست لهم مشاكل مع حماس، لاعتبارات ما من شك أن جزءا منها على الأقل يتعلق بالصراع الداخلي الآخر داخل حركة فتح نفسها.
أعرف اليوم أنه مهما كانت المبررات التي يمكن ان تسوقها الأجهزة الأمنية لحماس، فلا شيئ حقيقة يبرر هذا السلوك اتجاه أحد الكوادر الفلسطينية الأكاديمية الذي يشكل فعلا إضافة هامة لصوت مناضل صادق وباحث متمكن، وأعرف أنه كان يفكر منذ بضعة أشهر على الأقل ان يعود، لولا الوقت الطويل نسبيا الذي تطلبه تحديد تاريخ من الجامعة لمناقشة أطروحة الدكتوراه ثم لتسليمه نهائيا الشهادة الرسمية بحصوله على الدرجة العملية المطلوبة، ثم شغلته لأسابيع أخرى إجراءات طويلة لاستكمال تسجيل أولاده في المدرسة.
فعلا جاءت هذه الخطوة غير المفهومة وغير المبررة باعتقال الدكتور سليم لتعيدنا إلى نقطة البادية وتنسف بداخلنا كل الآمال التي علقناها على مرحلة جديدة يكون فيها صوت الحكمة والعقل والمسؤولية الأخلاقية هو السائد. لخروج القضية الفلسطينية كلها من الورطة التي حصرت فيها بدون أفق حل قريب.
رجاؤنا الوحيد ان يكون في حماس اليوم من يعي الآثار السيئة العميقة التي يتركها في نفوسنا هذا السلوك الأمني غي المبرر على الإطلاق، وأن تبادر لإطلاق سراح الدكتور سليم الزعنون وتمنع كل ما يمكنه ان يمس كرامته ويزيد من حالة القلق التي تتملك عائلته وتتملكنا كلنا اليوم.
--------
الاعلامي الجزائري عبد النور بوخمخم أمين عام فيدرالية الصحافيين الجزائريين سابقا

--
سري القدوة
رئيس تحرير جريدة الصباح

ليست هناك تعليقات: